في ذكرى مقتل شقيقهما... علاء وعباس ضحايا تفجيرات بغداد

بغداد: يستسلم ناظم الجبوري للبكاء في خيمة العزاء وسط بغداد، متلفتًا يمينًا ويسارًا، وهو يسأل الجالسين قربه عن علاء وعباس، ولديه اللذين قتلا السبت بانفجار سيارة مفخخة، في الذكرى السادسة لمقتل اخيهما، علي، بالطريقة نفسها، وفي المكان نفسه.

يتوقف الجبوري (56 عاما) للحظات عن البكاء، يتنهد، ثم يقول بصوت مرتجف على وقع تلاوة آيات قرآنية تتردد عبر مكبرين للصوت ثبتا فوق الخيمة quot;مات الاطفال! علاء! عباس! علي! صار عندي ثلاثة شهداء الآنquot;، قبل ان يستسلم مجددًا لدموعه.

وبالقرب من الوالد المفجوع، يقف عمار (17 عاما) يتقبل التعازي في شقيقيه بعدما بات الابن الوحيد لأبيه، على بعد امتار قليلة من لافتة تعزية سوداء كتب عليها بالخط الاصفر ان علاء (24 عاما) وعباس (18 عاما) قتلا اثر quot;تفجير ارهابي وجبانquot;.

وقضى الشقيقان في انفجار سيارة مفخخة مساء السبت في الكرادة بالقرب من العربة التي يبيعون عليها البطيخ، في اطار موجة من التفجيرات التي استهدفت مناطق متفرقة من العاصمة وقتل فيها 67 شخصًا واصيب 190 بجروح.

وجاء مقتل الشقيقين في الذكرى السادسة لمقتل شقيقهما علي، المولود في العام 1988، والذي قضى في 23 تموز (يوليو) 2007 بانفجار سيارة مفخخة ايضا، وفي المكان ذاته.

ويقول الجبوري quot;في العام 2007، سيارة مفخخة في نفس المكان اخذت علي ايضا، كان هناك اسبوع متبق على زواجه. جلبت اغراضه وكنت اريد ان ازفه، حتى اغراضه تدمرت في الشقةquot; القريبة من مكان التفجير في السوق الرئيسي للمنطقة.

ويضيف الوالد صاحب اللحية البيضاء الكثة quot;علاء عنده ثلاثة اولاد، ولديه طفلة عمرها اسبوع. خطوبة عباس كانت ستتم في العيد، تناولا طعام الافطار، ونزلا إلى عملهما، لكنهما ذهبا ولم يعودا. لقد كانا قمة في الأدب، اسألوا عنهما اهل المنطقةquot;.

ويتابع quot;بقي عندي عمارquot;، قبل ان ينتبه الى ان ابنه الاصغر غائب عن نظره، ليصرخ فجاة بعصبية ولهفة quot;عمار، اين عمار؟quot;، فيحضر ولده مهرولا.

ورغم مرور يومين على التفجير، إلا ان آثاره لا تزال واضحة على المباني والطرق المحيطة بموقعه، حيث كانت جرافة تعمل على انتشال ما تبقى من كابلات الهاتف الارضي التي تفحمت جراء الهجوم، فيما انشغل رجلان في اعادة ترميم شرفة منزلهما.

وانتشرت في المكان رائحة التوابل التي كانت تفوح من عربة تبيعها، ملقاة على جانب الطريق، تتوسطها اكياس التوابل الخضراء والحمراء، وبينها ثلاث قطع احذية وبعض بقع دماء. وعلى مقربة من لافتة العزاء السوداء، بدت لافتة قديمة معلقة على عمود، عديمة اللون جراء تعرضها للشمس طوال سنوات، وعليها صور لعلي، ابن ناظم، وقد كتب عليها quot;الشهيد السعيدquot;.

ويقول الوالد بينما يهم للوقوف لتحية معزين من الشرطة وصلوا للتو quot;علي لم انسه يوما. في كل عيد نروح ننام اربعة او ثلاثة ايام الى جانب قبره في النجف، ولو لم اكن اخاف على اولادي لكنت بنيت بيتا صغيرا الى جانب قبره وبقيت فيهquot;.

ويشير ناظم الى انه توجه بالحديث الى ولديه علي وعلاء اثناء الدفن الاحد وقال لهما quot;بابا سادفن عباس الاصغر بينكماquot;، مضيفا quot;قلبي يؤلمني على هذا الولد. كان عاطفيا ولا يزال متعلقا بامه. هي في المستشفى الانquot;.

ويذكر الاب انه حين وقع الانفجار quot;جاءنا العصف، فخرجت من المنزل فورا. رايت علاء يقع على الارض وهو يهتف: الحقوا بعباس. حاولت ان ارفعه عدة مرات عن الارض، حتى نجحت بعد محاولات، واخذته الى المستشفى. هناك فارق الحياة، وقبله عباس قضى في موقع التفجيرquot;. ويتابع وهو يبكي quot;دشداشتاهما لا تزالان عندي في المنازل، عليها دماء ولدي، اشتم رائحتهما فيهاquot;.

ويشهد العراق منذ العام 2003 اعمال عنف يومية قتل فيها عشرات الالاف من المدنيين، بينهم من قضى في حرب اهلية طائفية بين عامي 2006 و2008 بين السنة والشيعة.

واليوم، تعيش البلاد على وقع تصاعد في اعمال القتل، التي تشمل السيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة، حيث يقتل ما لا يقل عن 26 شخصا يوميا منذ بداية تموز/يوليو، علما ان 2500 شخص قتلوا في الثلاثة اشهر الاخير بحسب ارقام الامم المتحدة.

وقد فشلت قوات الامن التي يبلغ عديدها نحو 800 الف عنصر في الحد من قتل المدنيين، وسط تجاهل حكومي تام، اقله في الاعلام، للاحداث اليومية الدامية، التي باتت تطال كل اوجه حياة العراقيين، من المسجد، الى المقهى، وحتى ملعب كرة القدم.

ويقول عمار وهو يجلس على كرسي بلاستيكي ابيض قرب صورة لاشقائه الثلاثة وضعت على مدخل خيمة التعزية quot;لم نكن ناكل الا معا، نجلس نتسامر، نفطر سوية ونتسحر سوية ونصلي سوية وننام في الوقت نفسه. اصبحت وحيداquot;.

ويضيف quot;اكاد لا اصدق. لا بد انه حلمquot;. ويتدخل والده قائلا quot;لو لم تكن الناس هنا الى جانبي لكنت مت من الالم. اشعر بالم كبير، قد اموت على كل حال. انا لله وان اليه راجعون، حسبي الله نعم الوكيلquot;.