متابع الأحداث الجارية على الساحة المصرية يرى الإنقسام الواضح الذي تعيشه وسائل الإعلام العربية والمصرية، وحالة الإنحياز والتحريض المتبادل بين مؤيد ومعارض، حتى ارتبك المشهد الإعلامي وفقد مصداقيته.


واشنطن: أصبح واضحًا لكل متابعي أحداث الثورة المصرية الثانية أن لوسائل الإعلام المصرية والعربية دوراً في صناعة الأحداث وتوجيه مسارها، سواء من الجانب المؤيد لنظام الرئيس المعزول محمد مرسي أو المعارض له، حتى بات يعرف بأن من صنع الثورة المصرية الثانية وما تبعها من أحداث على الساحة هي وسائل الإعلام المعارضة لنظام مرسي، في حين أن من حشد للإعتصامات ضد الإنقلاب على الشرعية، كما يحلو لهم تسميتها، هي وسائل الإعلام المؤيدة للإخوان. فتحولت البرامج الحوارية على الفضائيات والأخبار في الصحف والمواقع الإلكترونية من ناقل للأخبار إلى محرك للرأي العام.

هذا المشهد اليومي المتكرر في وسائل الإعلام العامة عمق الإنقسام السياسي في المجتمعات العربية كافة، وجعل المتفرجين في جميع أنحاء العالم يشعرون بأن وسائل الإعلام المصرية والعربية مسؤولة عمّا آلت إليه الأمور في الشارع المصري، بقصد أو من دون قصد، متهمين إياها بتفضيل المصلحة الذاتية على المصلحة العامة، من خلال اعتمادها على الإثارة والتشويق لجلب الإعلانات، من دون مراعاة الضمير الإنساني. هناك من ذهب إلى إتهام القنوات الخاصة وإعلامييها بالحصول على مبالغ كبيرة جدًا لتحريك الثورة في الشارع المصري.

حدود التعبير

يرى الإعلامي محمد الخشاب، مدير شركة ريتش ميديا في الساحل الشمالي الأميركي ومدير قنوات آي آر تي أميركا، أن الإعلام العربي خرج عن مساره بمراحل، وفقد دوره الحيادي في ظل التغييرات في المنطقة، وأصبح شريكًا في إشاعة الفوضى بانحيازه لطرف دون الآخر.

ويقول: quot;هناك قنوات منحازة بالكامل لنظام مرسي وحكم الإخوان، وهناك قنوات مؤيدة للمعارضة والثورة، وتناسى الجميع دورهم في لم شمل الشعب بدلًا من إشعال الفتن لتحقيق مكاسب مادية بحتة، خصوصًا أن المشاهدين أصبحوا يفضلون قنوات دون الأخرى لأنها تشبع ميولهم السياسية من دون النظر للمصلحة العامة، فكان ما وصلت إليه الحالة في مصر الآنquot;، متهمًا بعض الإعلاميين بإثارة الفتن، ما أفقدهم مصداقيتهم أمام المواطن العربي في المهجر.

ويؤكد الخشاب أن ما يحدث تخطى حدود حرية الإعلام والتعبير، quot;فحرية التعبير لا تعني إشاعة الفوضى بقدر ما تهدف إلى إصلاح المجتمع، والألام أخطر ما يكون، فهو سلاح فتاك وقادر على التأثير والتوجيه، وما حدث كان مقصودًا منه إشاعة الفوضى، وهنا لا استثني أحدًاquot;.

صوت السلطة

يرى الصحافي والكاتب السيد زايد مدير تحرير موقع quot;الإسلاميونquot; على شبكة الإنترنت، أن الحيادية والموضوعية في التغطية الإعلامية في مصر ودول الربيع العربي أصبحتا ضربًا من الخيال، وتحتاجان إلى إعادة تعريف بسبب ضغوط الملكية ورأس المال والتبعية السياسية للأنظمة.

ويشير إلى أن الإعلام الحكومي والخاص يتبنى نفس الموقف السياسي الذي تتبناه السلطة الإنتقالية الموقتة، وأصبحت المصطلحات المعتمدة في وصف الخصوم من تيار الإسلام السياسي هي quot;الإرهابيبنquot; أو quot;المتطرفينquot;، عكس ما كان قبل ذلك.

ويضيف: quot;لا جدال في أن نظام الرئيس محمد مرسي اقترف الكثير من الأخطاء، كانت بمثابة المادة الإعلامية الثرية التي اشتغلت عليها وسائل الإعلام، ونفخت فيها لتحولها إلى أزمات، وبمرور الوقت تضخمت وأصبحت مثل كرة اللهب التي حرقت الأرض تحت أقدام الرئيس والإخوان، لكن ثمة نقطة مهمة وهي أن هذا التناول الإعلامي لم يكن ليخرج عن التوجيه السياسي، بحيث أصبحت كل الفضائيات تردد نفس الخطاب وتستضيف نفس الضيوف وأجندتها الإعلامية واحدة، وبمجرد عزل الرئيس مرسي أصبحت بمثابة السلاح الإعلامي للقوات المسلحة ولسلطة الإنقلابquot;.

وهو لا يستثني أياً من وسائل الإعلام في التورط في الخطاب التحريضي على العنف والفوضى، ويتساءل في الوقت ذاته عن ماهية ترك وسائل الإعلام التي تؤيد ما حدث، في حين يتم غلق الفضائيات الدينية أو التي تتبنى خطاباً مؤيداً لمرسي.

فقد حياديته

يؤكد الصحافي والإعلامي عبد النبي عبد الستار، رئيس تحريررئيس تحرير صوت مصر الجديدة أن الإعلام المصري فقد حياديته إلى حد كبير، quot;فالصحف المسماة بالقومية غالبًا ما تكون بوقًا للسلطة، أي سلطة، في حين أن الصحف الخاصة تحاول مغازلة الشارع فتسعى الى جذب القارئ بأي وسيلة على حساب المهنية، أما الصحافة الحزبية فتسير وفقًا لمواقف الأحزاب الناطقة باسمها، ويمكن القول إن 90% من الإعلام المقروء يتخذ موقفًا ضد تيار الإسلام السياسي، بإستثناء صحيفتي الحرية والعدالة والشعب، اللتين لا تحظيان بشعبية ولا دعم إعلامي، وهما صحيفتان محدودتا الانتشار وأقرب لمنشور سياسي منه إلى نافذتين إعلاميتينquot;.

ويشكك عبد الستار في تلقي أي من الإعلاميين أو القنوات الخاصة والصحف مالًا لإشعال الثورة الثانية، قائلًا: quot;لا أعتقد أن أي جهة دفعت أموالًا لأصحاب القنوات الخاصة للتحريض على ثورة 30 يونيو، بل كان دافعهم ارضاء الشارع المصري الذي رفض الممارسات الإخوانية، ولعل الدافع الأكبر الذي لم يعلن بعد أن رجال أعمال الإخوان، في مقدمتهم الشاطر ومالك ومحسن راضي، حاولوا استغلال نفوذهم بعد وصول محمد مرسي للحكم، لإجبار مالكي القنوات على بيع قنواتهم للإخوان بأبخس الاثمان، وخاصة قنوات الحياة وسي بي سي والمحور.

ويأسف عبد الستار على الطريقة التي صورت فيها القنوات الدينية مصر والحكم الإسلامي، لأنها لعبت دورًا سلبيًا خلال فترة حكم مرسي، بإصرارها على تقديم النموذج الأسوأ للحكم الإسلامي، quot;فبرامج شيوخ التكفير كانت تحسب على النظام المعزول، وحتى بعد ثورة 30 يونيو أصرت هذه القنوات على ارتكاب حماقات إعلامية في مقدمتها التحريض على أعمال العنف والتكفير، وهو ما يشوه صورة الإسلامquot;.

ثورة تامة

يرى المحلل السياسي والخبير الأمني خالد عكاشة أن بعض وسائل الإعلام فقدت حياديتها في نقل الأحداث، لأنها تعي تمامًا أن الإعلام سلاح حاد وقوي في يد المتخاصمين، فيتم توظيفه بحسب التوجه السياسي، ويتم اللجوء إليه لقوته في التأثير في الرأي العام بوضوح وبأقصى الطرق.

ويرفض عكاشة تحميل وسائل الإعلام تهمة إشاعة الفوضى في الشارع، quot;فالفوضى موجودة في الشارع، وتوصيفها الصحيح هو العنف، ومصطلح الفوضى يتم ترويجه خارجيًا لأغراض الضغط على النظام الحاليquot;.

كما يؤكد أن الإعلام المصري خدم الثورة الثانية عندما اختار أن ينحاز لها بوضوح، فيما يعتقد بأن حصول القنوات الخاصة والإعلاميين الكبار على مبالغ كبيرة لتحريك الشارع المصري في ثورة يونيو إشاعة تروج لها جماعة نظام الرئيس المعزول ليس إلا، quot;فالشارع هو من فرض زخمه على الجميع و ليس العكس، وما حدث كان ثورة مكتملة الأركانquot;. ويختم قائلًا: quot;على الرغم من نجاح الإعلام في الداخل، إلا أنه يفتقر إلى لغة الخطاب مع العالم الخارجيquot;.