منذ الأحد الماضي، تقبع مصر تحت سطوة شارعين، أحدهما موال لمرسي وثانٍ مناوئ له، وبينهما شارع ثالث، شارع فلول النظام السابق، ينتظر اشتعال الحرب الأهلية، من دون أن ننسى الجيش الذي إن سيطر على الحكم فسيحكم طويلًا.


بيروت: أن تنتصر ثورة في دولة ما بإسقاط الدكتاتور لا يعني أنها ستنعم بالسلام تلقائيًا. فانهيار الاتحاد السوفياتي، أو سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، يعطيان مثالًا واضحًا على أن التحول الديمقراطي عملية ضعيفة وهشة، يمكن أن تكون فريسة لأهواء أقوى. ومن غير المبالغة القول إن السنة الاولى للرئيس المصري محمد مرسي في الحكم كانت صعبة جدًا، وانه كان يتوقع مواجهة الكثير من المتاعب. بعض المشاكل كانت من صنعه، فجماعة الإخوان المسلمين ارتكبت اخطاء استراتيجية أدت إلى إغلاق باب الحوار بين معسكرين تعاونا سابقًا في ميدان التحرير لإسقاط الرئيس المخلوع حسني مبارك.

أخطاء الجميع
أول هذه الأخطاء، وفقًا لصحيفة غارديان البريطانية، كان وضع الدستور الذي يسمح بإدخال قوانين دينية في التشريعات المصرية. أما ثانيها فكان الإعلان الدستوري الذي صدر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، والذي أعطى مرسي سلطات واسعة موقتة، أثارت احتجاجات واسعة، فتراجع عنه معربًا عن أسفه.
بدورها، تشكو المعارضة من أن جماعة الإخوان المسلمين أمسكت بالسلطة في جميع المؤسسات الرسمية الرئيسة، مع أن قادتها قد عرضت عليهم وظائف في مواقع عليا في الحكومة ورفضوا تسلمها. وتطالب المعارضة بالديمقراطية، إلا أنها ترفض في الوقت ذاته المشاركة في انتخابات ترى أنها ستكون الخاسرة فيها. كما انها تشدد أيضًا على نبذ العنف في كل تحركاتها، ومع ذلك تنظم تظاهرات متنافسة، تسببت بسقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
الحقيقة الواضحة هنا هي أنه بعد عام من استلام مرسي منصبه،أيّ من الطرفين لا يقبل بشرعية الآخر. هناك مخاوف جدية حول قانون الانتخابات في مصر وخطر التقسيم الطائفي. والسؤال هو ما إذا كانت هذه المخاوف خطيرة بما يكفي لتقويض صلاحية الانتخابات الحرة. حتى الآن، تم الحكم على الانتخابات في مصر ما بعد مبارك بأنها عادلة عمومًا. ولا يمكن الادعاء بأن قدرة الإخوان التنظيمية على أرض الواقع هي من الضخامة بحيث لا يمكن مواجهتها، فعلى المعارضة أن تعمل لبناء تحركاتها السياسية الخاصة من أسفل إلى أعلى.

أتى ليحكم
في ظل هذا الوضع، ما يهم الآن هو سياق الأحداث في الشوارع. الشاغل الرئيس للجانبين هو حشد أعداد كبيرة من المؤيدين، والاحتجاج في شوارع المدن الرئيسة في مصر. لكن مأساة كلي الجانبين هي وجود معسكر ثالث يجلس في الظلال بانتظار الانفجار الطائفي، من أي جانب بدأ. فالحرب الاهلية ستصب في مصلحة الطابور الثالث، بعض النظر عن نتيجتها أو الطرف الذي سيربحها في النهاية.
واعتبرت غارديان أن الطابور الثالث يتكون من بقايا النظام القديم، الذين ما زالوا يعملون بنشاط من أجل الحصول على فرصتهم للعودة.
الخطر الاوضح في مصر هو أن إسقاط رئيس منتخب ديمقراطيًا في ظل الاضطرابات المدنية على نطاق واسع قد يدفع بالجيش إلى التدخل. ويقول بعض المتفائلين إن حكم الجيش سيستمر فقط لفترة وجيزة تسمح باجراء انتخابات جديدة. لكن السيناريو الأكثر احتمالًا هو أن وصول الجيش إلى السلطة يعني أنه أتى ليحكم.
بالنسبة إلى كثير من الإسلاميين، الذين اتخذوا المسار الديمقراطي ولكن حرموا من فرصة رؤية قادتهم في الحكم، فإن المعارضة لن تكون مسألة أيديولوجية بل مسألة بقاء شخصية. السؤال الذي سيطرحونه على أنفسهم هو: ما الذي يمنعهم من توقع عودة الاعتقال والتعذيب والسجن الذي عانوا منه في عهد مبارك؟
الأيام القادمة على مصر محورية، فمرسي قد يستمر في سدة الرئاسة، أو قد تتحول مصر جزائر أخرى على نطاق أوسع. فالصراع الأهلي في مصر لن يميز بين طائفة وأخرى ولن يعفي أحد، كما أنه لن يقف بالضرورة عند حدود الدولة.
استقرار الشرق الأوسط يعتمد على استقرار مصر. ولذلك، فإن المنطقة والعالم ينتظرون لرؤية الطريق الذي ستسلكه البلاد في الايام المقبلة.