ثمة سر خلف عزوف أميركا عن معاتبة روسيا على وقوفها إلى جانب النظام السوري المسؤول عن هجوم الغوطة الكيميائي، فواشنطن بحاجة إلى موسكو لتنفيذ مهمة تدمير الكيميائي السوري على أراضيها.

على الرغم من أن تقرير الأمم المتحدة حول التحقيق في استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا أشار، ولو تلميحًا، إلى مسؤولية نظام الرئيس السوري بشار الأسد، امتنع المسؤولون الغربيون عن معاتبة روسيا لأنهم يحتاجون إلى خدمة منها. فأحد الأسباب التي تجعل المسؤولين الغربيين لطفاء جدًا مع موسكو هذه الأيام هي أنهم يريدون من روسيا تدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية على أراضيها.

مهمة روسية
يعتقد مسؤولون أميركيون أن روسيا هي الدولة الوحيدة تقريبًا التي يمكنها أن تسحب الترسانة الكيميائية السورية بعيدًا وأن تدمرها على أراضيها، ضمن الإطار الزمني القصير والطموح الذي اقترحه الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا أخيرًا في جنيف، والذي يضع منتصف عام 2014 موعدًا نهائيًا لتنفيذ هذه المهمة. ونقلت صحيفة فورين بوليسي عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الوسيلة الأنجع والأسرع هي أن تستلم روسيا زمام المهمة، وتقضي على أسلحة الأسد الكيميائية على أراضيها، تحت الإشراف الدولي.
وأكد مسؤول كبير بوزارة الخارجية الاميركية أن روسيا هي الخيار الأول لهذه المهمة، مضيفًا: quot;لقد ناقشنا هذه المسألة، لكن علينا القيام بالعمل الفني والتقني لمعرفة كيفية تنفيذ المهمةquot;.

وجهة تدميرية آمنة
في الواقع، طلبت واشنطن هذا المعروف من الروس منذ شهور، وفقًا لمسؤولين أميركيين. لكن حتى الآن، فإن موسكو لم تظهر حماسًا يذكر لهذا الاقتراح. وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة أجرت دراسات تظهر أن روسيا لديها المهارات والقدرات الصناعية لمواجهة التحديات المتمثلة في تدمير الترسانة الكيميائية السورية، والتي قدرت بما يتراوح بين 1,000 و 1,300 طن من غاز سارين القاتل وغاز الخردل وغاز الأعصاب، أي ما يعادل 239,000 غالون على الأقل، بعضها في أحواض، وبعضها في ذخائر، وبعض في مخابئ حصينة.
تضع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عينها على المحطة الروسية التي صممت للتخلص من سلاح موسكو الكيميائي، باعتبار انها الوجهة الآمنة للترسانة السورية. وتقع هذه المحطة في بشوشوشاين، على بعد 1000 كيلومتر جنوب شرق موسكو، حيث عمل موظفوها على تدمير مخزون روسيا من غاز سارين منذ العام 2009. ويشار إلى أن هذه المحطة أنشئت منذ 10 سنوات بكلفة 1 مليار دولار ومولتها الولايات المتحدة، وكندا والجمهورية التشيكية والاتحاد الأوروبي وإيطاليا والنرويج وسويسرا والمملكة المتحدة، إضافة إلى ميزانية روسية خاصة.

ستة اشهر إلى سنة
تفضل الحكومات الغربية أن يتم نقل المواد الكيميائية السورية خارج البلاد، على متن السفن المتجهة إلى روسيا لأنهم لا يثقون بنظام الأسد لتدمير الترسانة في سوريا، وهي عملية من شأنها أن تستغرق سنوات. ولا تزال مشاركة روسيا هي الحل بعد رفض تركيا والأردن اقتراحًا أميركيًا بتولي هذه المهمة لاعتبارات عديدة، وفقًا لمسؤول غربي رفض الكشف عن هويته.
وقال دونالد ماهلي، وهو ضابط سابق في الجيش وأول سفير أميركي إلى منظمة حظرالأسلحة الكيميائية، إن المحطة الروسية قادرة على تدمير الترسانة السورية بأكملها في غضون ستة أشهر إلى سنة. وأضاف أن نقل الأسلحة هناك، ربما باستخدام مرافق الموانئ التي تسيطر عليها روسيا في طرطوس، قد يكون خطوة فعالة وسريعة ايضًا للوصول إلى الهدف المنشود.
اتفاق هجين
وفي حين يفضل الغرب نقل الأسلحة السورية الكيميائية بسرعة إلى روسيا، يبدو أن موسكو ليست على اقتناع تام بالأمر حتى اللحظة. لذلك يجري العمل اليوم على دراسة مشتركة مع موسكو، وفقًا لمسؤول أميركي في جنيف، لمعرفة تكلفة هذه العملية وجدواها وسلامتها وسرعتها، وطرح بدائل ممكنة. وأضاف المسؤول: quot;نحن بحاجة إلى مزيد من المناقشات داخل حكومتنا، وبين الحكومتين الأميركية والروسية، ثم مع منظمة حظرالأسلحة الكيميائية وغيرها من الشركاء، قبل الوصول إلى قرار نهائيquot;. وتتوقع المصادر أن تكون النتيجة عبارة عن quot;اتفاق هجينquot; ينص على تدمير جزء من الأسلحة الكيميائية داخل سوريا، وقسم آخر يتم التخلص منه في روسيا.