هل أراد روحاني إيصال رسائل إلى إسرائيل لدى تسميته المحرقة النازية لليهود باسمها عكس أسلافه. فرغم اتهام إيران quot;سي إن إنquot; بتحريف ترجمة حوار روحاني في مقابلة أجرتها معه، إلا أن القناة الأميركية أكدت أنها استعانت بمترجم وفرته طهران نفسها.
أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك أنه يحمل رسالة سلام وصداقة. لكن في إيران أثار كلامه ردود أفعال أقرب إلى الزوبعة السياسية، عبر إدانته المحرقة النازية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية. وكان روحاني وصف في مقابلة مع شبكة quot;سي إن إنquot; المحرقة بأنها quot;جريمة ارتكبها النازيون بحق اليهود، وهي مُنكرة ومُدانةquot;.
إلا أن وكالة أنباء فارس الإيرانية شبه الرسمية اتهمت quot;سي إن إنquot; بفبركة مقتطفات من مقابلة روحاني، قائلة إنه لم يستخدم مفردة quot;المحرقةquot; أو وصف جريمة النازيين بالمنكرة. وكان روحاني تحدث خلال المقابلة بالفارسية. وقال مسؤولون في شبكة quot;سي إن إنquot; إنهم استعانوا بمترجم جلبته الحكومة الإيرانية نفسها للمقابلة.
حساسية المحرقة
واعتبر مراقبون أن الخلاف على تصريحات روحاني يعكس الحساسية الشديدة لقضية المحرقة في العلاقات الإيرانية ـ الأميركية. وعلى نطاق أوسع، يشير الخلاف إلى الحبل السياسي الرفيع، الذي يمشي عليه روحاني، محاولًا التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، ينهي العقوبات القاصمة أو يخففها على الأقل، ويخفف معها معاناة المواطن الإيراني الاعتيادي، من دون أن يستفز المتشددين في النظام الإيراني.
وكانت مثل هذه الحسابات الدقيقة دفعت روحاني إلى تفادي المصافحة، التي كانت تنتظرها وسائل الإعلام مع الرئيس الأميركي باراك أوباما على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وبعد أسبوع كامل من المبادرات التصالحية، بينها إفراج إيران عن سجناء سياسيين، قال مسؤولون إيرانيون وأميركيون إن روحاني وجد ضروريًا أن يهدئ المتشددين في طهران، الذين كانوا سيستشيطون غضبًا على صور زعيم إيراني يصافح رئيسًا أميركيًا هو بنظرهم وكيل الشيطان الأكبر.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي كريم سجادبور quot;أن مصافحة أوباما كانت ستكسب روحاني رصيدًا كبيرًا بين الجمهور الإيراني، ولكنها كانت ستصيب المتشددين في إيران بنوبة غضب هستيريةquot;.
أقل استفزازية
تجنب روحاني حقول ألغام داخلية أخرى في الأمم المتحدة، حيث تناولت كلمته أمام الجمعية العامة قضايا، مثل الاحترام الذي تستحقه دولة بحجم إيران ورفض الغرب الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإن تحدث عن هذه القضايا بلغة أقل استفزازية من سلفه محمود أحمدي نجاد.
لكن روحاني دخل منطقة محفوفة بالمخاطر السياسية في المقابلة مع شبكة quot;سي إن إنquot;. فحين سُئل الرئيس الإيراني إن كان يشارك سلفه أحمدي نجاد اعتقاده بأن المحرقة النازية أكذوبة، أجاب أنه يترك للمؤرّخين أن يحكموا quot;على أبعاد المحرقةquot;. ثم أضاف quot;إن أي جريمة تحدث في التاريخ، بما في ذلك المحرقة التي ارتكبها النازيون بحق اليهود وغير اليهود، جريمة مُنكرة ومُدانةquot;.
ونشرت وكالة أنباء فارس، القريبة من الحرس الثوري الإيراني، ترجمتها الخاصة لإجابة روحاني، قائلة إنه لم يستخدم كلمة quot;منكرةquot;، وإنه قال إن الحكم ينبغي أن يُترك لمؤرّخي quot;أحداث التاريخquot;، وليس لمؤرخي quot;المحرقةquot;.
تشبه هذه الترجمة طريقة أحمدي نجاد حين تطرق إلى موضوع المحرقة في مقابلة مع quot;سي إن إنquot; عام 2012 قائلًا quot;أيًا يكن ما حدث أو ما لم يحدث في التاريخ، فأنا لا أستطيع أن أكون صاحب الكلمة في الحكم عليهquot;. وفي محاولة لتجنيب روحاني انتقادات المتشددين، ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن رئيس أركان الجيش الإيراني اللواء حسن فيروزآبادي أعلن أن الرئيس عبّر عن مواقف إيران الواضحة والثورية في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تخبط الإعلام
وفي الواقع فإن وسائل الإعلام الإيرانية أصبحت في تغطيتها لكلمة روحاني مرآة للتيارات والاتجاهات السياسية المتضاربة في الساحة الإيرانية. إذ نشرت صحيفة quot;شرقquot; الإصلاحية صورتي روحاني وأوباما خلال إلقاء كلمتيهما تحت عنوان quot;ربما في مناسبة أخرىquot;، تعبيرًا عن خيبة أمل رجل الشارع الإيراني بتبديد فرصة المصافحة المنتظرة.
لكن صحيفة quot;كيهانquot; القريبة من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أبدت شكوكها من احتمال quot;أن تكون يد رئيسنا النظيفة للحظات في القبضة الدمويةquot; للرئيس أوباما.
وقال مستشارون ومحللون قريبون من حكومة طهران إن أجواء الترقب والتشويق، التي أشاعها أسبوع من تصريحات روحاني وإيماءاته التصالحية، خرجت عن السيطرة. وأعلن حميد رضا ترقي، الذي يعتبر من المسؤولين الإيرانيين القليلين الموثوق بهم لترجمة كلمات خامنئي quot;إننا بحاجة إلى أن نكسب شيئًا من الأميركيين قبل أن نقف ونبتسم معهمquot;. وأضاف quot;إن روحاني كان بحاجة إلى إقناع البعض في الداخل أيضًا بأنه لا يتخذ أي خطوات جامحةquot;.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية quot;إن قضية العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران قضية خلافية إلى أقصى الحدود في إيران، وكان من الصعوبة بمكان أن يتحركوا إلى الأمام بهذا النوع من اللقاء، وفي هذه المرحلةquot;.
وكان روحاني نفسه أشار إلى أن لقاءه مع أوباما سابق الأوان عندما أعلن أنه quot;إذا لم نتخذ خطواتنا الأولى بعناية، فإننا قد لا نتمكن من تحقيق الأهداف المشتركة التي تدور في أذهانناquot;.
التعليقات