مع ختام الجولة العاشرة لمكوك الدبلوماسية الأميركية للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين من دون حسم واضح حول آفاق الحل النهائي، وجد الأردن نفسه في دائرة الضوء مجدداً.


تجري حالياً تسريبات وخاصة من جانب محللين وسياسيين إسرائيليين حول إمكانية وجود دور رئيس للأردن وذلك من خلال إيجاد فرصة لإعادته للضفة الغربية التي كان يحكمها قبل حرب 1967 كملاذ أخير لفرض السلام الذي طار انتظاره.

ومثل هذه المحاولات التي ظل الأردن يرفضها على الدوام مع تأكيده على ان قيام دولة فلسطينية مستقلة بحدود 67 وعاصمتها القدس يعتبر quot;مصلحة وطنية عليا لهquot;.

وهذه التسريبات والتلميحات التي صدرت من معلقين إسرائيليين في الأيام الأخيرة تزامنت مع ترنح مسار المفاوضات وتعثر مهمة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة في الوصول الى تفاهمات مبدئية على الإطار العام لحل توافقي كان محتمل اعلانه في نيسان (أبريل)المقبل.

وضع إطار

وتحاول الولايات المتحدة التوسط لوضع quot;إطارquot; استرشادي يتضمن المبادئ العامة لتسوية القضايا الاساسية مثل الحدود والامن ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس- مع ارجاء التفاصيل لوقت لاحق.

ولوحظ أن كيري طار إلى عمان في زيارة لم تكن على أجندة جولته الأخيرة وكذلك زار الرياض التي تحادث خلالها مع العاهل السعودي لملك عبدالله بن عبدالعزيز حول احياء مبادرة السلام العربية، لتي كان الملك صاحبها حين كان ولياً للعهد في قمة بيروت العام 2002.

وكان لافتاً أكثر هو ما تضمنه البيان الذي وزعه الديوان الملكي الهاشمي عقب زيارة كيري، من تأكيد الملك عبد الله الثاني quot;استمرار بلاده في دعم جهود السلام، بما يحفظ مصالحها العلياquot;.

وهذه المصالح العليا، عبر عنها وزير الخارجية الأردني في تصريحات له على شاشة التلفزيون الأردني حين شدّد على أن أي حل لن يكون مقبولاً إذا كان على عاتق الأردن ولا ينسجم مع مصالحه، مذكرا في هذا المجال بأعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الأردنية.

لاجئو الأردن

وقال عندما نتحدث عن مليون ومائتي لاجىء يتواجدون على أراضي المملكة ويحملون جنسيتها فهذا يعني ان الأردن يتحمل مسؤوليته هنا ويخافظ على مصالحه الوطنية، وquot;اي حل لسنا مطلعين عليه لن نقبل بهquot;.

كما أكد جودة على أن الأردن لن تمس مصالحه عند الحديث عن أي ترتيبات أمنية لاحقة ضمن المفاوضات، وقال: quot;عندما نتحدث عن الترتيبات الأمنية في غور الأردن، يجب مراعاة وأخذ بعين الاعتبار بالمصالح الأردنيةquot;. ولفت جودة إلى أن قضية ترسيم الحدود مع فلسطين، في حال نجاح المفاوضات وإعلان الدولة الفلسطينية، سيخضع لاعتبارات مصالح الأردن العليا.

أما بشأن ما تسرب من إصرار إسرائيل على quot;يهودية الدولةquot; خلال المفاوضات، قال جودة: quot;لا أريد ان أدخل في تفاصيل.. أؤكد أنه في نهاية المطاف، هناك عرب 48 لهم حقوق يجب أن تُحفظ، وهناك دولة فلسطينية يجب أن تُقام، والأمر الثالث وهو الأهم، القدس واللاجئون والحدود والأمن والمياه والمستوطناتquot;.

صفقات سرية

ويخشى الأردن، كما عبرت عن ذلك شخصيات أردنية رفيعة حذرت خلال الأيام الفائتة من مفاوضات أو صفقات سرية بين إسرائيل والفلسطينيين، ورأت أنها قد تؤثر على المصالح الأردنية.

وهذه الخشية عبر عنها رئيس الحكومة الأسبق ونائب رئيس مجلس الأعيان حالياً الدكتور معروف البخيت وكذلك رئيس مجلس النواب الأسبق المهندس عبدالهادي المجالي اللذين حذرا من quot;مفاجآت غير سارةquot; يمكن أن يشهدها الأردن خلال الأشهر القليلة المقبلة على صعيد المفاوضات وغيرها، لا سيما في ظل ارتباك المشهد الإقليمي.

وكرد على ما يتردد على الساحة الأردنية من قلق ام احتمال فرض قرارات على الأردن، بادر وزير الخارجية ناصر جودة لنفي أن يكون هناك أي مقترحات جاهزة قدمها كيري لفرضها على المملكة، قائلاً: quot;إنه لن يفرض شيئاً على الأردن، لا يرى فيه ما ينسجم مع مصالح الأردن الوطنية.. ولا يحلم بيها مين ما كان، نحن دولة ذات ثقة وذات وزن، وأولويات الأردن معروفةquot;.

تحليلات لا أكثر

واعتبر جودة أن ما يجري الحديث على الساحة الأردنية عنه من تخوفات حيال فرض سيادة إسرائيلية، كمقترح لمسار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، هو quot;غالباًquot; قائم على تحليلات، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه من حق مجلس النواب الأردني أن يبدي مخاوفه من أي أطروحات مشابهة.

وأضاف جودة: quot;لكن بنفس الوقت، لم يأت كيري وقال إن هذا هو المشروع.. هناك مبادئ موقف الأردن هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة المتواصلة جغرافياً، وعاصمتها القدس الشرقية، وذات سيادة كاملة على أراضيهاquot;.

وشدد جودة على رفض فكرة القبول لسيادة للجيش الإسرائيلي في غور الأردن، قائلاً إنه أمر مرفوض، وقال: quot;لأننا أكدنا على حقنا، وهذا مرفوض أميركياً، و كيف يقبل الجانب الفلسطيني بمسار تفاوضي وأمر السيادة غير محسومquot;.

فجوات واسعة

إلى ذلك، قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون، الثلاثاء، إنه ما تزال هناك فجوات واسعة في محادثات السلام مع الفلسطينيين بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة وشكك في إمكان التوصل الى اتفاق نهائي بحلول الموعد المتفق عليه في نيسان (أبريل) المقبل.

وقال يعلون للصحفيين quot;نحاول وضع اطار لاستمرار المفاوضات مدة تتجاوز الاشهر التسعة التي ظن البعض اننا سنستطيع التوصل خلالها الى اتفاق دائمquot;. واضاف في تصريحات لإذاعة الإسرائيلية: quot;من الواضح ان هناك فجوات كبيرة -وهي ليست جديدة- لكن بالتأكيد من مصلحتنا استمرار المحادثاتquot; دون ان يوضح هذه الخلافات.

وزادت وزيرة العدل ورئيسة وفد التفاوض الإسرائيلي تسيبي ليفني التشكك في نتائج المحادثات من خلال تعليقات متشائمة أدلت بها أمام طلبة كلية الحقوق في الجامعة العبرية بالقدس. وقالت ليفني quot;لا أريد إنجاز اتفاق بأي ثمنquot;.

ولمحت إلى المخاوف الأمنية مثل زيادة نفوذ حركة المقاومة الإسلامية حماس في الضفة الغربية. وتعارض حماس الجهود الأميركية لإحلال السلام. وقالت ليفني quot;لست ممن يرون أننا يجب أن نلقي المفتاح للطرف الآخر آملين ألا تلتقطه حماسquot;.

كلام كيري

وكان وزير الحارجية الاميركي قال خلال وجوده في القدس: أننا لا نعمل للتوصل إلى اتفاق مؤقت. إننا نعمل على وضع إطار للمفاوضات من شأنه أن يرشد وينشئ خريطة طريق واضحة، ومفصلة، ومقبولة حول الخطوط الإرشادية لمفاوضات الوضع الدائم، ويمكنها أن تساعد في تحريك تلك المفاوضات بشكل أسرع وأكثر فعالية.

وحسب كيري، سوف تعالج اتفاقية إطار العمل المتفق عليها جميع القضايا الجوهرية التي نحن بصدد مناقشتها، وأعتقد أن هذا هو أقصى ما أود قوله حول ذلك في هذه المرحلة من الزمن.

وقال وزير الخارجية الأميركي: أريد أن أكون واضحًا: إنني أعرف بأن هناك على الجانبين أشخاصًا يتساءلون ما إذا كان السلام ممكنًا أو غير ممكن. وأعرف أن هناك مستوى عاليًا من التشكيك، والتحفظ حول الاحتمالات. غير أنه من الواضح بالنسبة لي أنه يمكننا العمل لسد الفجوات المتبقية الموجودة ونستطيع التوصل إلى اتفاقية حول الوضع النهائي يتمخض عنها قيام دولتين لشعبين في حال بقينا مركزين على الأمر وإذا أخذنا بعين الاعتبار الفوائد والمزايا الناجمة عن القيام بذلك.

وقبل اختتام زيارته العاشرة للمنطقة يوم الإثنين قال كيري إن الجانبين يحرزان تقدما إلا انه ما زال هناك احتمال ألا يتوصلا الى اتفاق. واضاف: بأن القضايا الجوهرية تشمل الأراضي، وأن القضايا الجوهرية تشمل الأمن، وتشمل اللاجئين، كما تشمل مسألة الاعتراف بالنسبة للشعبين، وتشمل بالتأكيد في نهاية المطاف، قضايا تتعلق بالقدس وكيف نستطيع حل النزاع وجميع المطالبات الناتجة عنه.

موقف الطرفين

وتابع كيري: والآن، إن ذلك مترسخ بعمق في التاريخ، ولدى كل طرف رأيه حول حقوقه وحول رحلته وحول النزاع نفسه. وفي النهاية، تتطابق جميع هذه القضايا الجوهرية والمختلفة مثل قطع الفسيفساء. إنها أحجية، ولا يمكنك فصل قطعها إحداها عن الأخرى. لأن ما يمكن لقائد أن يكون مستعدًا للقيام به لناحية التسوية حول قطعة معينة يتوقف على ما يمكن للقائد الآخر أن يكون مستعدًا للقيام به فيما يتعلق بقطعة محددة مختلفة.

واعترف الوزير الأميركي: quot;وهناك دائمًا توتر بالنسبة لمتى تضع ورقتك على الطاولة وأي قطعة يمكنك أن تضع ومتى، وكيف. لذلك عليها أن تتحرك وفق وتيرتها الخاصة وخصوصيتها، بكل صراحة. ولهذا السبب من المهم عدم وضع أي عنصر محدد منها في أي لحظة زمنية محددة، لأن ذلك بالفعل يجعل من الأصعب اتخاذ تلك القرارات أو التوصل إلى تلك التسويات، أو لكي يكون لأحد القائدين حرية التمكن من عمل ما يجب عليه القيام به من أجل تصور المسار السياسي إلى الأمام، الذي هو من الواضح حقيقي لكلا الجانبين).

مسار واضح

وقال: وبالتالي فإن الجواب هو أنني لا أريد أن أعطي مثالاً معينًا أو آخر، باستثناء القول إن المسار أصبح أكثر وضوحًا، وإن الأحجية أصبحت أكثر تحديدًا، وإنه بات أكثر وضوحًا بكثير لكل شخص ما هي طبيعة الخيارات الصعبة المتبقية وما هي البدائل فيما يتعلق بتلك الخيارات.

وخلص كيري إلى القول: quot;ولكن العمل عبر هذه الأشياء يتطلب وقتًا، ولهذا السبب رفضت على الإطلاق تحديد جدول زمني خاص. ولكنني أشعر براحة بأن تلك الخيارات الرئيسية هي الآن على الطاولة وأن القائدين يتصارعان مع هذه الخيارات، ولولا ذلك لما ذهبت لإجراء محادثات مع غيرهم من أصحاب المصلحة في هذه العملية بالطريقة التي أقوم بها اليوم. ولكنني لا أستطيع أن أقول لك متى قد تقرر القطع الأخيرة أن تركن إلى مكانها أو أن تسقط على الأرض، وتترك الأحجية مستعصية على الحل. هذا بالضبط يجعل الأمر بمثل هذا التحدي، وما يجعله أيضًا مثيرًا للاهتمام في نفس الوقتquot;.