علي العايد من الرياض: من المعروف أن الثقافة الفنية تعبر عن مدى تقدم الشعوب، وأن الإبداع مهما وصل إلى مراحل متقدمة فهو يرجع في الأساس إلى فكرة بدأت صغيرة لتمر بعدة تطورات صنعت لها مسار الإبداع.

المسرح quot;أبو الفنونquot; وسمي بهذا المصطلح لكونه الأقدم والأهم، ومنه تسلسلت معظم الفنون الاستعراضية، وقد اكتسب المسرح هذه الأهمية أيضاً لكونه من الفنون الصعبة وتكمن هذه الصعوبة في الفاصل الوحيد بين الفنان و الجمهور وهو quot;الستارquot;.

فاللقطة لا تعاد كما تعاد في المسلسلات أو الأفلام السينمائية، والديكورات تبدل في دقائق الفواصل القصيرة جداً، والأهم من ذلك الانطباع لدى الجمهور يكون فورياً، ولربما باءت المسرحية بالفشل بسبب غلطة واحدة تكون السبب في قطع حبل التواصل مع المشاهد .

لذلك عندما نريد تقييم الفن في مكان ما، من الضروري أولاً تقييم الوضع المسرحي به، وعندما ننظر للموضوع بشكل خاص في السعودية، نجد تراجعاً واضحاً في الوضع المسرحي من حيث العرض والكثافة الحضورية, وهذه علامات غير إيجابية على مستوى الفن السعودي بشكل عام.

ما السبب في هذا التراجع؟.. السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان عند سماع هذا الموضوع.

quot;إيلافquot; طرحت هذا السؤال على الفنان السعودي quot;خالد الحربيquot; ليجيبنا بسؤال آخر: منذ متى كان المسرح السعودي متقدماً لكي يتراجع؟!.

وعن الأمور التي من خلالها يمكننا النهوض بالمسرح يقول الحربي: هناك الكثير من الأمور ومنها: ايجاد خطة استراتيجية حقيقية للمسرح الثقافي تتبين من خلالها الملامح الأساسية له، ونشر الوعي المسرحي ابتداءً من المؤسسة التعليمية عن طريق إقامة الأنشطة المسرحية في المدارس وأخذ هذا الأمر على محمل الجدية وألا يكون النشاط المسرحي مهمشاً كما هو عليه الآن، وتحقيق هذه النقطة يكون بالتعاون بين كل من وزارة الثقافة والإعلام و وزارة التربية والتعليم.

ويضيف: كما يجب تفعيل دور الجامعات بشكل أكبر في هذا المجال، ليتم تخريج فنانين لديهم الوعي المسرحي الصحيح، وإقامة المسرحيات الثقافية، وعن طريقها يمكننا طرح قضايا ثقافية ذات أهمية كبيرة، ونقل الثقافات التي شهدها التاريخ عبر خشبة المسرح، وأولوية الدعم والتطوير المستمرين للمسرح، وأن لا ينظر إليه كأحد الأمور الثانوية .

ورداً على سؤال عن الاستعانة بنجوم من العالم العربي أو الخليج لمحاولة النهوض بالمسرح السعودي و لو بنسبة بسيطة، يقول: quot;نحن نقوم بالاستعانة فعلاً بنجوم من مصر والخليج في فترات الصيف وأثناء القيام بالأنشطة الترويحية خلال الأعياد، ولكن هذه الأمور مؤقتة ومنتهية بانتهاء المواسم التي ذكرناها، بالإضافة إلى أنها محدودة جداً مقارنة بوجود مسرح ثقافي على مستوى الدولة ينهض بالفن العام بشكل كامل .

ويؤكد الحربي أنه يمكن أن يتغير الوضع الحالي للمسرح، عندما تتغير النظرة الحالية للمسرح وهي أن المسرح مجرد أداة ترفيهية فحسب.

وأكد الحربي أن تطبيق النقاط الأساسية التي طرحها ومن شأنها إقامة المسرح بالشكل المطلوب لا سيما وأن التراجع سيكون علامة لتراجع الكثير من الفنون، يحتاج لإجابة من وزارة الثقافة والإعلام.

ومن جانبه، أكد الدكتور عبدالعزيز الملحم المتحدث الرسمي بوزارة الثقافة والإعلام رداً على سؤال quot;إيلافquot; عن وجود خطط لدراسة الوضع الحالي للمسرح من خلالها يمكن تحليل المشكلات التي تواجهه ومحاولة حلها: quot;مهما تطورت أي حركة اجتماعية أو فنية ( والمسرح مثال ) فذلك يواكبه تزايد مستمر للعقبات التي يمكن ان تواجهها.

وأضاف: quot;لهذا فإن التخطيط السليم يقلل الكثير من هذه المشكلات، للأسف تفتقر الحركة المسرحية إلى الجانب الأكاديمي الذي يوثق ويدرس ويحلل الحركة ومن ثم يساعد على تطويرها ، أعتقد أن المهتمين بالمسرح وفنونه يطمحون الى وجود منهاج أكاديمي للمسرح مثل أكاديمية للفنون المسرحيةquot;.

وتابع: quot;هذا ما تسعى له الوزارة من خلال المجلس الأعلى للثقافة، كما ان الوزارة تابعت بحرص ومهنية إنشاء الجمعية السعودية للمسرحيين والتي يأمل المهتمين بالمسرح من أن تحقق الكثير من الطموحاتquot;.

وبخصوص العقبات الجوهرية التي تواجه المسرح في السعودية، يقول الدكتور الملحم: quot;معظم العناصر الأساسية للمسرح كالنص والمخرج والممثلين والديكور والمؤثرات الفنية والموقع جميعها بوضع جيد في المملكة، ولكن يتبقى لدينا عدد أقل من المتوقع من الجماهير السعودية المتذوقة للفن المسرحي ، و نحتاج لتجاوز هذه النقطة إلى عمل كبير في مجال الدعاية والإعلان بشكل احترافي ومشوق لجذب المشاهدquot;.

وفيما يتعلق بالمسرح المدرسي ومدى إمكانية مساعدته في زيادة عدد المتذوقين للفن المسرحي وعلاج مشكلة نقص الدعاية والإعلان بنسبة معينة قال الملحم: quot;نعم فالمسرح المدرسي هو بذرة الحركة المسرحية إما باكتشاف المواهب أو صقلها، ووزارة التربية والتعليم تعمل بجد في ذلك، أما بالنسبة لوزارة الثقافة والإعلام فهي تعمل بشراكات مع الإدارات المختصة في التربية من أجل الاستفادة من الحركة المسرحية المدرسيةquot;.

وعن المسرح الجامعي ووجود تنسيق بين الوزارة والجامعة لمتابعته أضاف: quot;النشاطات الطلابية الجامعية تحظى باهتمام بالغ في الجامعات السعودية وأذكر حينما كنت طالباً في جامعة الملك فهد ورئيساً للنشاط الطلابي فقد كان دعم المسرح مميزاً على باقي الأنشطة وكان الدعم يصب من رافدين : مسرح الجامعة والكشافةquot;.

وتابع: quot;ما يميز مسرح الجامعة أنه منصة رائعة لاكتشاف مهارات الشباب، وأذكر أن فريق التسويق كان يجلب هدايا فاخرة للحضور وكان المسرح مكتظاً بالحضور وأذكر جيداً كيف كان الحضور واقفاً بسبب امتلاء المقاعدquot;.

وبيّن أنه يتم تقديم دورات وبعثات للفنانين والمخرجين عن طريق التعليم العالي، وأشار إلى أن دعم المسرح التجاري يقع على عاتق الجمعية السعودية للمسرحيين والمنشأة حديثاً، التي يجب عليها أن تعمل بقوة نحو وضع التصورات المطلوبة للمسرح التجاري.

وفيما يتعلق بالمسرح الثقافي ومدى اهتمام الوزارة بموضوعه قال: quot;المسرح الثقافي يهدف إلى تناقل الثقافات العالمية والوزارة مهتمة بذلك عن طريق جمعية الثقافة والفنون والأندية الأدبية، فالنادي الأدبي بالرياض أطلق منتدى المسرح الثقافي والتي قد قدم من خلاله عمل للأستاذ فهد الحوشاني (هاملت اخرج من راسي ) quot;.

وتابع: quot;هناك قنوات متخصصة تعمل على موضوع المسرح الثقافي على مستوى الدولة، ولعل المجلس الأعلى للثقافة سيساعد في ذلكquot;.

وبخصوص كيفية تغيير النظرة العامة للمسرح وهي أنه أداة ترفيه ليس إلا، مع أنه يعتبر من أهم الفنون إذا لم يكن بالفعل أهمها، اختتم حديثه بالقول: quot;المسرح هو لغة عالمية لتوصيف قضايا المجتمع عن طريق الإبداع والتخيل لتحويل الحيز المكاني المحدود الى عالم كبير، وليس عيباً أن يكون المسرح أداة للترفيه النافع والهادف وليس الترفيه المبتذل، فلا مشكلة من أن يقدم المسرح دروس للحياة تحت مسمى الترفيهquot;.