رغم الانتصارات الأمنية في تونس ضد الخلايا الارهابية في الأيام القليلة الماضية، يرى الخبراء والمختصون أنّ الحرب على الارهاب لم تضع أوزارها بعد، وأن الحذر ضروري لأن الخلايا الارهابية منتشرة وتستفيد من الأزمات السياسية والاقتصادية.


مجدي الورفلي من تونس: بعد أن أضحى الخطر الإرهابي وانتشار الأسلحة لدى الأوساط المتشدّدة دينيًّا كابوس التونسيين، حكومة ومعارضة وشعبًا، بدأت قوّات الأمن والجيش في التقدّم ميدانيًّا على حساب الخلايا الإرهابيّة التي كانت تسيطر على الوضع وتوجّهُ من حين لآخر ضربات خاطفة ومفاجئة، خلّفت عشرات الخسائر البشريّة من الامنيين والعسكريين.

انتصارات أمنية

ومنذ إعلان الداخليّة تنظيم أنصار الشريعة المتشدّد كتنظيم إرهابي، تتالت الانباء عن إعتقال وقتل العشرات من الإرهابيين خلال المواجهات المسلّحة بين خلايا الجناح العسكري لأنصار الشريعة وقوات الامن والجيش التونسيين، ومثّل القضاء على كمال القضقاضي (متهم بإغتيال شكري بلعيد) وخليّته إحدى أحدث العمليّات وأهمها.

ودفعت الإنتصارات الميدانيّة، التي رجّحت كفّة قوّات الأمن والجيش، العديد من المختصّين في الإرهاب والأمن إلى التأكيد بأن تونس تقدّمت أشواطاً في إحتواء الإرهاب وكفّ خطره، ولكنّها كسبت فقط معارك ميدانيّة وليس الحرب برمّتها، فهي لا تزال طويلة المدى.

من التّدريب إلى التنفيذ

المختص في الإستراتيجيات الامنيّة محمّد الناصر الهاني قسّم quot;المسار الإرهابيquot; في تونس إلى 3 مراحل، الأولى كانت قبل إغتيال اليساري شكري بلعيد وكانت مرحلة التّحضير والتموقع والتّدريب، ومثّل يوم إغتيال بلعيد تاريخ الإعلان عن وجودهم وتتالت بعدها العمليّات الإرهابيّة لتكون مرحلة التنفيذ، وكانت الخلايا الإرهابيّة هي المسيطرة ميدانيًّا وتقوم بعمليّات خاطفة ومفاجئة.

النّواة الأخطر

ويتابع الهاني لـquot;إيلافquot;: quot;من ثمّ، بدأت قوّات الأمن بالتّنظّم ونجحت في قتل وإعتقال عدد من الإرهابيين وإكتشاف مخطّطاتهم، ومثّل إعلان الداخليّة تنظيم أنصار الشريعة كتنظيم إرهابي، نقطة تحوّل في الحرب على الإرهاب وتتالت الإنتصارات الميدانيّة والإستخباراتيّة لقوّات الأمن وآخرها القضاء على القضقاضي ومن معهquot;.

ويرى المختص في الإستراتيجيات الامنيّة أن أهميّة خليّة القضقاضي التي تم القضاء عليها، تتمثّل في كونها النواة الأخطر للجناح العسكري لأنصار الشريعة وحرفيّتها العالية وخطورتها نظرًا للعمليّات التي نفّذتها بنجاعة.

تجفيف المنابع

ويؤكّد الهاني أنّ quot;تونس كسبت معارك ولكن الحرب على الإرهاب لا تزال طويلة والحرب الأهم ليست ميدانيّة بل ضد الفكر الإرهابي لأن الشباب التونسي موجود، وهو الزّاد البشري للإرهاب والفكر الجهادي، إضافة إلى أن السلاح لا يزال يُسرّب إلى البلاد والأهم وجود مناطق للتدريب في ليبيا لا تبعد سوى 6 ساعات عن تونسquot;.

ويختم: quot;الإرهاب يمكن أن يعيد تنظيم صفوفه وتشغيل آلته في أي وقت إذا لم يتم تجفيف المنابع أي الفكري والمالي عبر العمل الإستخباراتيquot;.

واعتقلت قوّات الامن التّونسية منذ ايّام اربعة عناصر إرهابيّة، بعد تبادل كثيف للنّار، من بينهم quot;حمد المالكيquot; الملقب بـquot;الصوماليquot;، أحد المتورطين في اغتيال النّائب القومي محمد البراهمي، حسب وزارة الدّاخليّة.

كما تم القضاء مطلع الأسبوع الماضي على خليّة خطيرة، تابعة كذلك للتنظيم العسكري لأنصار الشّريعة، متكوّنة من 7 أفراد من بينهم كمال القضقاضي المتّهم الرئيسي بعديد العمليّات الإرهابيّة، من بينها تنفيذ إغتيال اليساري شكري بلعيد والضلوع في تصفية محمّد البراهمي، إضافة إلى ذبح 8 جنود في جبل الشعانبي.

وإستنادًا إلى وزير الدّاخليّة لطفي بن جدّو فقد قتلت قوات الأمن الداخلية (شرطة وعناصر الدّرك) 23 إرهابيّا و قدّمت قرابة 1343 متهمًا بالضلوع في الإرهاب إلى القضاء، كما تمّ حجز 249 قطعة كلاشنيكوف و118 بندقية صيد و217 قنبلة يدوية الصنع و16661 من الذخيرة و1320 صاعقاً و25 لغمًا و270 قذائف حربية.

وتم إلقاء القبض على 293 شخصًا من العناصر المتورطة في شبكات تسفير الشباب التونسي إلى سوريا للجهاد ومنع سفر أكثر من 8000 شاب وفتاة إليها.

دهشة السّلطات

في ذات السّياق، قال الخبير في الحركات الإسلاميّة محمّد القوماني خلال لقاء مع quot;إيلافquot;: quot;رأينا تعاظم التشدّد الديني من إعتداءات على فنّانين إلى إغتيالات سياسيّة وذبح لأفراد الجيش الوطني أمام دهشة السّلطاتquot;.

ويتابع القوماني: quot;ثمّ بدأت قوّات الأمن والجيش تردّ الفعل بصفة أقوى بعد أن إستردّت عافيتها وتأكّدت أنه لا سبيل لتفادي المواجهة مع المجموعات الإرهابيّة، فكشفت عن مخابئ الأسلحة والمجموعات الإرهابيّة وبعض مخطّطاتهم مؤخّرًا، وكانت هناك مواجهة مفتوحة مع إحدى الخلايا الإرهابية والقضاء على أفرادها ومن بينهم المتّهم الأول في الإغتيالات السياسيّةquot;.

أجندة الإرهاب معقّدة

ويستنتج القوماني أنّ quot;كل هذه المعطيات تؤكّد أن الخطر الإرهابي لا يزال قائمًا رغم النجاحات الأمنيّة الميدانيّة لأن إكتشاف مجموعات يعني وجود أخرى، خاصّة أن أغلب الخلايا التي وقع تحديد مكانها تمّ عن طريق الصّدفة أو بلاغات من المواطنينquot;.

ويذهب الخبير في الحركات الإسلاميّة إلى القول إنه لم يقع الكشف بعد عن الشّبكة الحقيقيّة للإرهابيين والمموّلين، وبالتالي يمكن أن يضرب الإرهاب مرّة أخرى وبنسق أقوى وفي أي وقت خاصّة أن quot;اجندة الإرهاب دائما ما تكون معقّدة وأغلب تفاصيلها غامضة ومخفيّةquot;، على حدّ تعبيره.

القضقاضي حلقة إرهابيّة

ويرى القوماني أنّ الخطر الإرهابي رهين الوضع السياسي، ويقول لـquot;إيلافquot;: quot;بصفة عامّة، البلاد شهدت إنفراجًا سياسيًا ولكن لا شيء يؤكّد أن أزمة الثقة بين القوى السياسيّة ولّت نهائيًّا، وقد رأينا أنّه كلّما تعثّر المسار السياسي يتحرّك الإرهاب، وأعتقد ان القضقاضي ورفاقه هي نهاية من حلقات الإرهاب وليس الإرهاب برمّته ويبدو أن الجهات التي تحرّكه أرسلت رسالة تهدئة موقّتة عبر وضع حدّ لهquot;.

واغتيل شكري بلعيد ومحمد البراهمي بالرصاص امام منزليهما، الاول في 6 فيفري/فبراير 2013 والثاني في 25 جويلية/يوليو من العام نفسه، ممّا ادخل البلاد في أزمة سياسيّة حادّة.

واتهمت السلطات جماعة انصار الشريعة الجهادية بالوقوف وراء هذين الاغتيالين وصنّفتها تنظيمًا إرهابيًّا، إلاّ أن هذه الجماعة المتهمة بالارتباط بتنظيم القاعدة لم تتبنَّ أيًا من الإغتيالين، كما أنها لم تتبنَّ أي هجوم مسلح آخر.