هل كانت ألأحداث الغامضة التي جرت في بغداد يوم الثلاثاء 11 يناير محاولة إنقلاب عسكري لم يتسن لها النجاح كما أشيع؟ أم أن كل ماجرى لم يتعد إجراءات إحترازية أمنية كثيرا ما تتكرر في ظل الفوضى الأمنية و السياسية التي يشهدها العراق منذ الإحتلال الأمريكي عام 2003 وحتى اليوم؟ وهل من الممكن فعلا أن يستيقظ العراق ذات يوم على رنين المارشات العسكرية ( الله أكبر فوق رأس المعتدي )؟ و أن يقوم العميد ( أكس ) بقراءة البيان الإنقلابي رقم واحد و الذي يعلن في أول قراراته إعتقال من لم يهرب من طبقة السياسيين العراقيين وزعماء الأحزاب و الميليشيات!! فيما يكون القرار الثاني مصادرة جميع الأموال المتقولة وغير المنقولة لأولئك القيادات رغم أنها ليست كثيرة لأن غالبية الأموال محفوظة في بنوك الخارج أو مستثمرة كعقارات في شوارع لندن و أخواتها، و أسواق دمشق و دبي و فنادق البحر الميت!!

و يكون القرار رقم 3 تشكيل محاكم ثورية خاصة تقوم بمحاسبة كل الذين مارسوا جرائم شنيعة بحق الشعب العراقي بمختلف طوائفه و ملله و نحله و تشكيل لجان حكومية خاصة تقوم بإسترداد كل المنهوبات التي سطا عليها أهل أحزاب الصدفة التاريخية؟... لربما يبدو السيناريو السابق مجرد حلم ليلة صيف في عز الشتاء القارص، ولكن مسألة حصول إنقلاب عسكري في العراق ليست من الأمور المستحيلة كما يشيع البعض و أبرزهم وزير الداخلية الحالي السيد جواد البولاني و الذي هو أصلا ضابط عسكري مفصول من جيش النظام السابق؟ في العراق لا وجود لكلمة أو مصطلح مستحيل!! فكل الخيارات ممكنة هناك حتى ما كان منها ميتافيزيقيا ووزير الداخلية الحالي الذي جاء للمنصب تحت عباءة المجلس الأعلى وهي المنظمة السياسية ذات الجناح العسكري الشديدة الصلة بالنظام الإيراني يخوض الإنتخابات وقد إنفصل عن المجلس بالكامل مؤسسا لحزبه الدستوري و مسوقا لنفسه كمنافس محتمل بل وحصان أسود لمنصب رئيس الحكومة العراقية القادمة وهو المنصب الذي باتت تتطلع إليه اليوم كل الرؤوس التي أينعت في العراق!!

تاريخيا كان العراق الحديث هو الدولة العربية الاولى التي فتحت عصر الإنقلابات العسكرية وكان ذلك كما هو معروف في خريف عام 1936 وحيث قام الفريق بكر صدقي العسكري و كان كرديا بالإنقلاب على حكومة السيد ياسين باشا الهاشمي و تسليم الحكومة للسيد حكمت سليمان و كان عهد الإنقلاب قصيرا أستمر حتى صيف عام 1937 حيث أغتيل صدقي من قبل الضباط القوميين في مطار الموصل ليدخل العراق مرحلة من الهيمنة المباشرة للعسكريين وخصوصا مجموعة الضباط العقداء الذين عرفوا بالمربع الذهبي خصوصا بعد مصرع الملك غازي عام 1939 لتنتهي تلك المرحلة ويختتم ذلك الصراع بالحرب العراقية/ البريطانية في مايو 1941 ثم الإحتلال العسكري البريطاني الثاني للعراق و حيث تم إعدام الضباط المتورطين دون أن يعني ذلك تخفيف دور العسكريين الكواليسي في السياسة العراقية و الذي إستمر في الصعود و الهبوط حتى تمخض عن إنقلاب 14 تموز / يوليو 1958 و الذي كان الفاتحة الحقيقية لعصر الإنقلابات العسكرية الذي توالت فصوله المتتابعة، ففي ربيع 1959 فشلت محاولة إنقلاب العقيد الشواف في الموصل وحيث كانت النتيجة مجازر و صدامات مؤسفة للغاية بين القوى الوطنية العراقية، ثم جاء الإنقلاب العسكري الكبير صبيحة الثامن من شباط فبراير 1963وحيث كان التحالف بين حزب البعث و مجموعة الضباط القوميين قد أدى لقيام وضع عراقي جديد و هش و دموي تميز بالتصفيات الجسدية و أبعد حزب البعث عن السلطة في نوفمبر 1963 عبر إنقلاب عسكري آخر قاده الرئيس عبد السلام عارف و الذي تعرض بدوره لمحاولات إنقلاب بعثية عام 1965 و بعد مصرعه بحادث طائرة عام 1966 جاء محله شقيقه الرئيس عبد الرحمن عارف الذي تعرض بدوره لإنقلابات عدة قام بها رئيس الوزراء عارف عبد الرزاق الكبيسي وهو ناصري النزعة، قبل أن يطيح بحكم عارف الثاني حزب البعث في إنقلاب عسكري هو بمثابة إنقلاب قصر تم بالتعاون بين ضباط عارف القوميين وحزب البعث في 17 تموز/ يوليو 1968 ليحدث إنقلاب آخر بعد أسبوعين و في 30 تموز 1968 ليطيح بالكامل بالضباط القوميين و ينفرد حزب البعث بقيادة الرئيس السابق أحمد حسن البكر و نائبه صدام حسين بالسلطة التي تعرضت هي الأخرى لمحاولات إنقلاب من الداخل كان أهمها محاولة إنقلاب اللواء ناظم كزار مدير ألأمن العام في 30 حزيران / يونيو 1973 و التي إنتهت بمجزرة حزبية كان أبرز ضحاياها القيادي البعثي المتميز و المفكر المرحوم عبد الخالق السامرائي، وظل وضع التوثب و القلق قائما بالرغم من تأمين المؤسسة العسكرية العراقية عبر تبعيثها بالكامل و طرد اي وجود لأي حزب آخر في صفوفها و خصوصا التيار الشيوعي، وفعلا لم ينته عام 1979 حتى كان الإنقلاب الأكبر في العراق عبر إبعاد البكر و ترؤس صدام و حملة التطهير الكبرى في صفوف الحزب الذي كلفته فقدان أكثر من 22 قيادي حزبي كبير لحياتهم و تسليم العراق بأسره لهيمنة شخص واحد هو صدام حسين و لعشيرة ذهبية واحدة هي عشيرة الرئيس و الذي بدأت مع عهده مرحلة الحروب الإقليمية الكبرى في إيران و الكويت وحيث كانت تقمع محاولات الإنقلاب و التبرم العسكرية بعنف مفرط كما حصل في المحاولات الإنقلابية التي أعقبت الهزيمة في الكويت عام 1991، ورغم كل الدمار الذي حل بالمؤسسة العسكرية العراقية تمكن نظام صدام من تحصين نظامه من أي محاولة إنقلاب حتى جاء الإحتلال الأمريكي عام 2003 ليغير المعادلات الداخلية بقوة بعد أن تم حل المؤسسة العسكرية التي تلاشت تحت الأرض دون أن يختفي أعضائها الذين تحول بعضهم للإنخراط في التشكيلات العسكرية الجديدة و التي كانت تحت مراقبة الحلفاء! لتنتهي مؤقتا مخاطر الإنقلاب العسكري دون أن تتلاشى بالكامل، فأمام الفشل السلطوي و فساد الطبقات و النخب السياسية الجديدة و إرتباطات العديد منها بأجندات خارجية!!

و أمام التحديات الأمنية الخطيرة التي يمثلها تعاظم القوة العسكرية الإيرانية و إنتهاكها لحرمة الأراضي العراقية و الحقول النفطية و المياه الإقليمية ساد شعور عميق بالشارع العراقي بضرورة إحياء المؤسسة العسكرية العراقية وهو ما يستدعي بالضرورة إستعادة مخاوف الإنقلاب الذي لا يمكن حدوثه حاليا دون الرغبة الأميركية و التي لوحدها فقط يمكن تحقيقه وهو موضوع يبقى مؤجلا و لكنه ليس معدوم بالمرة، فلو تطلبت المصلحة الستراتيجية الأمريكية العليا تدبير إنقلاب عسكري في العراق فسيحدث ذلك بكل تأكيد و لن تفيد أية تطمينات لأي طرف سياسي عراقي، كما أنه في حالة الإنسحاب العسكري الأمريكي الكامل من العراق فإن الإنقلاب العسكري يصبح عنذاك مسألة وقت فقط، فالعراق الذي يتميز بأن جيشه قد تأسس في 6 يناير 1921 كان قد سبق تأسيس المملكة الهاشمية العراقية في 23 أغسطس 1921؟ أي أن العراق بمثابة جيش قد صنعت له دولة...! وهذا التراث التأسيسي سيظل هو العامل الأكبر في تحديد المستقبل السياسي في العراف... الإنقلاب العسكري قادم... قادم.. تلك هي الحقيقة العارية و التي لا جدال في واقعيتها...!

[email protected]