الافلام او المسلسلات المصرية تزخر العديد منها بمشاهد معينة تؤکد على عمق الترابط بين الاقباط و المسلمين في مصر وان الذي يثير أية احتكاكات او مواضيع تصب في سياق الاختلاف و المواجهة فهو أکيد ليس بمصري!

إنها اذن نظرية المؤامرة بأکثر صورها سذاجة و سطحية، ذلك أن هناك فعلا ثمة مشکلة عويصة تکاد أن تتبلور في صورة أزمة معقدة من حيث إتجاه سياق الامور بين الجانبين نحو المزيد من التصعيد و التوتر وان کثرة تواتر التقارير الخبرية المتباينة بصدد حوادث مختلفة بين الجانبين هي بمثابة أدلة و براهين محددة على أن للموضوع أرضية واقعية وليست بمجرد تخمينات او تصورات او تأويلات يطلقها (أعداء مصر)کما تسعى العديد من أجهزة الاعلام المصرية الى قولبتها.

إلقاء نظرة على التأريخ المصري المعاصر، يبين بوضوح أن مصر لم تشهد أبدا هکذا حوادث غريبة عنها و عن تأريخها العريق في التعايش السلمي بين مختلف الشرائح و الطبقات و الطوائف و الاديان و الاعراق وان ثقافتها الثرة و الوعي المميز لأبنائها، قد لفتت الانظار دوما الى مصر کواحدة من الدول المهمة جدا في المنطقة من هذه الناحية ناهيك عن أنها کانت بمثابة منبر او قلعة من قلاع الحرية و الفکر و الثقافة على مختلف الاصعدة، وان تعکر أجوائها و هبوب سحب داکنة على سمائها الزرقاء الصافية، يبين بجلاء أن هناك فعلا ثمة خلل کبير يحدث ومن الاجدر التمعن فيه و السعي لإکتشاف مواطنه. وقطعا، لسنا نميل الى تصور الامر بأنه مجرد تآمر خارجي بحت من دون أن يکون له جذور قوية على أرض الواقع المصري، لکننا نلفت الانظار الى أن مشکلة الاختلاف و المواجهة بين الشريحتين الاساسيتين للشعب المصري (المسلمين و الاقباط)، قد بدأت بالتواجد و التبلور شيئا فشيئا بعد عقد الثمانينيات تحديدا حيث طفقت التيارات الإسلامية المتطرفة و التکفيرية تجد لها أکثر من موطئ قدم في مختلف دول المنطقة والمشکلة الکبرى قد تجلت في ان هذه التيارات المتشددة و المتعصبة من مختلف الوجوه قد بدأت تفرض خطابها بصورة أو بأخرى على الشارع الشعبي وصرنا نجد أناس عاديين يرددون وبکل بساطة تنظيرات و رؤى فيها الکثير من الغلو مصدرها الاساسي يعود الى تلك التيارات.

تلك التيارات المتطرفة، سعت و تسعى لربط مسيحي البلاد العربية بشکل خاص(ومن ضمنهم أقباط مصر)، بما يسمونه الصليبيين الجدد او غيرها من التسميات التي تضعهم في نهاية المطاف في خانة التآمر او على الاقل إعتبارهم على أنهم طابورا خامسا، وللأسف فإن هکذا تخرصات و إتهامات باطلة تطلق بحق مسيحيي البلدان العربية الذين يعتبرون(الاعرق)تواجدا على أراضي أوطانهم قياسا للبقية، هو أمر يثير الاشمئزاز و القرف و يدعو للسخرية وان المواطنة لا ولم و لن ترتبط بثمة دين او طائفة او عرق محدد دون غيره، ومن سعى لتصويرها بهذا الشکل فقد ضل ضلالا بعيدا ويعاني من مشکلة ما في وعيه و فکره و فهمه للامور.