الضرورات quot;الحقوقية لا تبيح quot;المَحظُورَات العنفية quot;

مروة كريديه

quot; إنسانٌ يصرُّ جهرًا على quot;امتلاكهquot; الحقيقةَ إنسانٌ خَطِرquot;
جان ماري مولر

تأخذ السِّجالات الفكريَّة والسياسيّة طابعها الحادّ العنيف عند تقابل quot;المقدساتquot; خلال طَرِح القضايا المعاصرة، حيث يَعمد كلّ فرد من موقعه على تقديم quot;مقدسهquot; ليواجه quot;مقدسquot; الآخر، وتأخذ quot;الحقيقةquot; عندها بُعدًا quot;لاهوتياquot; quot;انطولوجيًّا quot;، وتعلو أصوات quot;التكفيرquot;، أو quot;التَّخوينquot;، أو quot;التنكُّر للأصلquot;. وعندما يستدل الفرد بنصوص توصف بquot;المقدَّسةquot; سواء كانت قدسيتها quot;لاهوتيةquot; مستمدة من نصوص quot;الدينquot;، أو كانت quot;قدسيتها قانونيةquot; مستمدة من quot;نصوص دستوريةquot;، او كانت قدسية quot;اجتماعيةquot; مستمدة من quot;الاعراف والتقاليد quot;... فإنه يقدَّم quot;مجرد آراءه quot; على أنها quot;مسلّمات بديهيةquot; لا تقبل النقد ولا حتى التحليل ناهيك عن النقض.

و عندما تتحول مفاهيم quot;الحقيقةquot;، إلى مفاهيم أنطولوجيَّة يَتحوَّل التأويل معها إلى مفهوم إبستمولوجي. فالخطاب الدِّيني المُعاصر كما السياسيّ، مازال يتعثّرُ في محاولاته لتجاوز الإزدواجية المفاهيميّة، من خلال الإيمان بحرفيَّة الدَّلالات، ونَجد أنَّ الخطاب السائد اعلاميًّا، سواء في دور العبادة أم الفضائيّات، ينفي عن عالم quot;اللاهوتياتquot; و quot;الشرعيات quot; خاصيَّة الإزدواجية الدَّلالية، والأخطر من ذلك أنّه يُمارس تأثيره على مستويات بنية الوعي كافَّة بما فيها الاجتماعي والحضاري.
ويصف جان ماري مولر مدعيquot; امتلاك الحقيقةquot; بالخطر كونه quot; لا يتوانى عن الإغارة على الضلال وعن مطاردة الكافرين والزنادقة والمرتدين. فالإنسان الآخر الذي لا يفكر على شاكلته هو عدوه حتمًا: فهو ضال وتجب هدايتُه؛ وإذا رفض الاقتناع، يجب إكراهه على ذلك. عندما تتجمد الحقيقة في معرفة عقائدية dogmatique تصير عامل تفرقة ونزاع وإقصاء وعنف. فالإيديولوجي العَلماني والأصولي الديني يشنَّان المعركة quot;التفتيشيةquot; نفسها ضد المنحرفين والضالين والمنشقين والخونة؛ فكلاهما لا يتورع عن اللجوء إلى العنف لإحقاق الحقيقة. بذا تصير الحقيقةُ لاإنسانيةً وقاتلة: يقتل الإنسانُ باسم الحقيقة.

إن الإيديولوجي والأصولي، في الواقع، هما اللذان يضِلان وينحرفان. إذ إن حقيقة الإنسان لا يُكوِّنها مذهبٌ عقائدي يصير سلاحًا لقتال الآخرين من البشر. إنها، قبل كلِّ شيء، محل لبحث وتقبُّل لطلب. تكمن الحقيقة في حكمة عملية تتطلب إعمال العقل والإرادة لبناء علاقة مع البشر الآخرين، عِبْرَ النزاعات نفسها، على أساس الاحترام وحسن النوايا. ومثل هذه العلاقة تستبعد كلَّ سوء نية وكلَّ عنف. إن الإنسان، في طلبه للحقيقة، يصطدم بشكوك كثيرة. لكنه، حتى دون أن يعرف الحقيقة، يتعلم ما هو نقيض الحقيقة: عكس الحقيقة هو العنف الذي يبرِّح بالإنسانية. وبهذا المعنى، يؤسس اللاعنفُ حقيقةَ الإنسان؛ وهذه الحقيقة، ما من أحد يجوز له أن يزعم quot;امتلاكهاquot;، بل ليس لأحد سوى الاجتهاد للتقرب منها.

ما إن تُتصوَّر الحقيقةُ وتُدرَك كإيديولوجيا موجودة خارج الإنسان حتى تصير العلاقة التي يقيمها الفرد مع الحقيقة كالعلاقة التي يعقدها مع غرض تمامًا. إذ ذاك يمتلكها كمن يحتفظ بشيء في حوزته؛ يعدُّ نفسَه مالكًا الحقيقةَ، فيأخذ على عاتقه واجبَ الدفاع عنها كمن يدافع عن ملك له. وهو لن يتورع عن اللجوء إلى العنف، بل القتلُ إذا لزم الأمر، دفاعًا عن الحقيقة. quot;
التعددية الدلالية والحوار التواصلي
إن فكرة quot; التجديد اللاهوتي quot; ndash; التي طرحها محمد أركون في معظم أبحاثه من الأهمية بِمَكان إن أردنا تقدّمًا فعّالا على مستوى الفكر البشري عامة، لتوحيد الفعالية المعرفية في المجال الحاسم عن آثار المعنى، أي انفتاح العقائد على مكتسبات علوم الإنسان والمجتمع مع التحضير لكي ندخل في حوارات خصبة حول عمليات اختزال الذات البشرية، وحلّها، ونفيها، وتدميرها...

إن عملية الخروج من دائرة العنف يفترض أن يتحمل علماء الأديان النقديين، والفلاسفة،والمفكرون،والنُخب مسؤولياتهم في البحث في مشكلات المضمون quot; المعنى quot; ليس داخل الموروث الحيّ الخاص بدينهم أو بطائفتهم و إنما في تراث جميع الأديان، حيث يتمّ تجاوز العقائد المغلقة quot;الدوغماquot; لكل الأطراف، بِهَدف تحقيق قواعد التواصل ما بين quot; الذوات الحرةquot; والتداخل فيما بينها لاسيما وأن quot;الحكمة quot; هي الموروث الروحي المشترك لكافَّة الاديان والفلسفات والتي تجسدت عبر الأزمنة وما فتئت تتبلور في تعاليم العرفاء والحكماء عند كل الشعوب.

ان عودة الانسان الى روحه الحقة تجعله quot;أخًاquot; حقيقيًّا لكلّ الكائنات الانسانية، بل وأبعد من ذلك تجعله متناغمًا متواصلا وجزءًا من لا يتجزأ عن مفردات الطبيعة والكون فالمشترك الروحي الحكيم بين quot;الذوات الحرةquot; هو أساس التوصل إلى فعل لاعنفي كونها العاتق الأكبر المحرر من سجن quot;الأنويةquot;، وهذه المشتركات الكونية تُطبّق فيما وراء إكراهات أنظمة التصوّر والقيم الخاصة بكل نطاق جغرافي تاريخي موصوف باسم الحضارة.
إن اللاعنف هو تأكيد على إنسانية الإنسان والعمل على اعادة الروح الى منبعها بعيدًا عن كل إكراه وان بدا أن العنف quot;ضروريًّاquot; لاستعادة quot;حقquot; فهذا لا يعني انه quot;مشروعquot; فالضرورات الحقوقية لا تبيح المحظورات العنفية ولا تشرعن لها بحال من الأحوال !

http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/