نتابع في بعض الأحيان نقل المحاكمات التي تبثها قناة الفضائية العراقية بحق عدد من أركان النظام السابق وأثار إهتمامنا الجلسات الأخيرة المتعلقة بملف قضية أغتيال الشيخ طالب السهيل في بيروت،والشيخ طالب السهيل عراقي مقيم في لبنان منذ أكثر من 38 عامآ ومتزوج من لبنانية ويحمل الجواز الأردني والسعودي على أغلب الظن ومع أن قضية أغتياله التي حدثت في تسعينيات القرن المنصرم يشوبها الغموض والكثير من علامات الأستفهام لكونها قضية مخابراتية صرفة زادها تعقيدآ نكران المتهمين الذين يحاكمون الآن أية علاقة لهم بهذه القضية وهي تختلف عن القضايا الأخرى التي عرضت على المحكمة الجنائية وذلك لأنها قضية تمت خارج العراق ولها أبعاد أقليمية يجب أن تأخذ بالحسبان، إلا أن المحكمة العراقية أرتأت فتح هذه القضية وباشرت بتوجيه التهم الى عدد من أركان النظام السابق والمتعاونين معه والمثير في هذه القضية هي أهمال المحكمة الجنائية للرسالة التي بعثها الشيخ المغدور الى السلطات السابقة والتي يفهم من محتواها إبتعاد الشيخ السهيل عن موقع المعارضة المباشرة ضد النظام السابق وأستعداده لفتح صفحة جديدة والعمل مع ذلك النظام حسب طبيعة الرسالة ومحتواها.

نحاول هنا تذكير المحكمة الجنائية العراقية بجملة من الحقائق والمعطيات والدلائل المرتبطة بقضية الشيخ طالب السهيل المنظور فيها الآن ومنها رسالة الشيخ طالب كما أسلفنا الى السلطات العراقية السابقة التي نشرت في وسائل الأعلام قبل فترة وأحدثت ضجة كبيرة، إضافة الى أن هنالك بعض المصادر شبه المؤكدة والتي تفيد بأن هنالك أكثر من طرف أقليمي مستفيد من أغتيال الشيخ السهيل فحمله للجواز الأردني أو السعودي في تلك الفترة من تاريخ لبنان كان يثير البعض بصفته مقرب من أنظمة الحكم في هذين البلدين سيما وأنه شخصية عشائرية معروفة، أضافة الى أن هنالك شبهات أيضآ حسب قول بعض المصادر تحوم حول دويلة خليجية صغيرة كانت تستقتل لدوام الحصار على العراق وأحداث أكبر الأضرار بالشعب العراقي وهذه الدويلة الخليجية كان لها نفوذ أقتصادي واضح وعملاء كثر يتحركون على الساحة اللبنانية وقد إستشعرت خطرآ بأن نظام العقوبات الذي فرض على العراق بدأ يتآكل وسياستها المعلنة هو غلق أي منفذ في جدار هذا الحصار المضروب على العراق، لذلك قامت بتدبير عملية الأغتيال حسب قول هذه المصادر لقطع الطريق أمام تحسن العلاقات اللبنانية العراقية والعودة بهذه العلاقات الى مرحلة التوتر ومع كل هذا وذاك لا نستبعد ولا نسقط التهم بحق أعوان النظام السابق.

لسنا بصدد التشكيك بالشيخ الشهيد طالب السهيل بتاتآ أو ضد كشف المتورطين بهذه الجريمة البشعة وسوقهم الى العدالة لينالوا جزاءهم العادل،لكننا نستغرب من تجاهل المحكمة وقفزها على بعض القضايا الأخرى البالغة الأهمية ومنها قضية عام 1970 الواضحة والتي تماثل قضايا الأنتفاضة الشعبانية، وأعدام التجار، وضرب حلبجة بالكيمياوي، وغيرها من القضايا الكبرى، حيث تم في عام 1970 تنفيذ حكم الأعدام الجائر التعسفي بأكثر من 300 أنسان عراقي أعدموا بهمجية وبطرق وحشية وبدون أن يكون لهم حق الدفاع عن أنفسهم وهذا الملف من أهم ملفات النضال العراقي ضد الدكتاتورية القمعية وهو محطة من المحطات البارزة في تأريخنا الوطني، ذلك لكونها الجريمة الأولى التي سالت فيها دماء عدد من رجالات العراق الذين أبدوا معارضة وتذمر على اللبنة والنواة الأولى للفردية التي كانت في طريقها للتبلور والتشكل وذهب ضحية أخفاق هذه المحاولة التي كانت تهدف الى أنقاذ الوطن والشعب وبوقت مبكر العديد من الرموز الوطنية منهم على سبيل المثال لا الحصر (الشيخ راهي الفرعون، والشيخ مفتن جارالله الساعدي، والشيخ صفوك ريكان ونخبة من الضباط وآخرين لا تسعفنا الذاكرة لذكر أسمائهم أضافة للسيد مهدي الحكيم الذي تم أغتياله في الخرطوم في ثمانينات القرن المنصرم.

أن ربطنا بين قضية الشهيد طالب السهيل وقضية حركة عام 1970 هو ربط قصدنا منه المقارنة بين قضيتيين الأولى واضحة وضوح الشمس وهي حركة عام 1970 التي تماثل كثير من القضايا التي حدثت فيها جرائم كبرى والتي نظرت وتنظر فيها المحكمة والثانية قضية مخابراتية غامضة تشير أصابع الأتهام فيها الى جهات عديدة وهي قضية الشيخ الشهيد طالب السهيل ومع هذا قامت المحكمة الجنائية بفتحها والنظر فيها وتقديمها على قضية أكثر وضوحآ ودموية،ومن هذا نستنتج أن العدالة التي تمارسها المحكمة الجنائية وبعض الجهات الداعمة لها هي عدالة أنتقائية تنقصها المهنية والتوازن والنظر الى الجميع نظرة متساوية بعيدآ عن المحسوبية والواسطة والعلاقات الخاصة.

لذا فمطالبة القائمين على المحكمة الجنائية العراقية بفتح ملف قضية حركة عام 1970 وتسليط الضوء عليها أسوة بقضية الشيخ الشهيد طالب السهيل وغيرها من القضايا ومعرفة كل الحقائق المتعلقة بهذه القضية هو أحقاق للحق وهو واجب وطني لمعرفة هذه المحطة من تاريخ العراق وماذا حدث فيها وأعادة الأعتبار لرجالات هذه الحركة وشهداءها الذين بلغ عددهم المئات فتقادم الزمن لا يسقط الحقوق، وقطع الطريق في الوقت نفسه عن المتاجريين بهذه القضية الذين يحاولون تجيرها لصالحهم ليصنعوا لهم مجدآ سياسيآ على أكتاف أصحاب القضية الأصليين حيث يعمل هؤلاء بجد على تزييف بعض محطات التأريخ الوطني العراقي.

[email protected]