وقفة تقييم ردود الفعل العراقية للأرهاب، للأتفاقيات، للعلاقات مع الدول، ولسرقات الثروة الوطنية، ضرورية وحساسة، لأنها تأتي في أغلب حالاتها، عفوية ضعيفة المفعول والأرادة وتطوف حول دائرة المنافسة المُغلقة بين المسؤولين العراقيين وطموح الجيل الجديد في حياة أفضل خارج أطار القبة المظلمة لتبويبنا وتصنيفنا كشعب متأخر. ولتجاوز هذا الضعف، ينبغي التذكير بأن العراق بوضعه السياسي القديم والجديد لم يتخطى سياسة ردود الأفعال للاحداث التي تمر به وتخنق أبنائه وتُضعف أرادة أجياله.. معظم سياسيه وقادته (القدامى والجدد)، لو وجهنا نقداً لهم، يمارسون ( بعفوية وحمية بدوية) ردود الأفعال لما يدور في داخل العراق وحوله من أحداث المنطقة). حالات عديدة من التوتر والتشنج أوضحت الميل للتناحر و التكتّل ضمن مجموعات ذات دوائر عقائديّة سياسيّة آجتماعيّة ضيّقة النظر والأرادة. بكلمة أخرى، أنّنا نفتقر إلى مفهوم quot;الأمّةquot; و شعورها، أو أنّنا فقدنا أجزاء تاريخية منها، وهو ماينبغي أصلاحه تعليمياً وثقافياً.


دول كثيرة غربية وعربية وأسلامية تتعرض لعمليات الأرهاب وتضع هذه الدول خطط مُحكمة لمحاربته والتعريف العلني بمصالحها أن تضررت دون ردود فعل عفوية. كما أن لها خطط وبرامج أصلاحية لتوظيف مواطنيها وطنياً وأستثمار أنتاجهم وأعطائهم فرص العناية ببلدهم وفرض مصالحها الحيوية فوق أرادة أي حزب أو مذهب أو قوى خارجية أجنبية مهما كانت، ودون ردود فعل أنية أو منافسة في تعريف المصالح كي تتصرف كجسم واحد وتضع العلاج الملائم لخطوات ىحقة. أن الأرهاب بأشكاله وصيغه العقائدية لن يتوقف قريباً كما قد نمني النفس بذلك.


ولقد جاءَ تأكيد المالكي رئيس الوزراء في كلمته مع السجناء السياسيين العراقيين مؤخراً (ان السياسات الجاهلة للنظام السابق خلفت حرمانا ومعاناة وتركة ثقيلة لايمكن معالجتها بسرعة او بجرة قلم، وفي مقدمة ذلك فقدان العراق لسيادته في عهد النظام وقبل سقوطه حين كانت فرق التفتيش تدخل غرفة نوم الطاغية وحين كان يوقع على الاتفاقيات عقود الذل في خيمة صفوان وغيرها، الى جانب ماخلفه من حروب ومغامرات داخلية ومع دول الجوار ليس للعراق اية مصلحة فيها) هي النقاط التي لاتلائم القتلة المُجرمين والمُخربين الأرهابيين ولصوص الأمس واليوم.، نقلة جيدة وبداية صحيحة لما يجب أن يصل الى الوعي الشعبي وتقوم الصحافة والأعلام العراقي بالسير على نهجه. والملاحظ أن عثرات الطريق هذه يسهم فيها ويؤكد عليها أكثر من صحفي مغمور أو حاقد، بأضافة نماذج من الحقد والكراهية وروح الأنتقام، تعمل على مضاعفة فترة الولادة العسيرة لنظام طموح جديد ومقبول لطوائف العراق بروح حرة متفائلة.


هذه النماذج الاعلامية تقوم بأنتقاء مايهيئوه للصحافة والأعلام المهني، البعث العشائري الذي حمى النظام السابق بالدم والغدر وطعن بأهداف البعث الوطني نفسها، بأعطاء صيغ جديدة للمجرمين الجدد الذين سحقوا الأرادة العراقية لأكثر من 40 سنة. فمثلاً، كيف تقبل أي مؤسسة حكومية بأعادة وتثبيت ( أشخاص مسلحون، عناصر أرهابية مجرمة، مرتكبوا جرائم قتل وأغتيال وتفجير أسواق ومساجد ) في أدارة شؤون البلاد؟؟ هذه العناصر التي تمثلها بعض النماذج الاعلامية تعتمد على الصيغ القديمة السامة لنشر الخبر وخلط مهنة الصحافة الحرة والأسلوب والعبارة، بالسياسة العامة للدولة في محاربة الأرهاب وفلوله. هذه النماذج الاعلامية الناقمة لاترعى أي أعتبار للأضرار التي تولدها في نفسية المجتمع، مستفيدة من ردود الأفعال بالأجابة عليها بردود أفعال مبتذلة ومشككة، الغرض منها المحاولة في توجيه السياسية العراقية وتوجيه الأنظار الى نواقص وعيوب الدولة الديقراطية الناشئة بوسائل لاتمت الى الأعلام الحرفي بصلة. هذه العيوب والنواقص هي أخطاء الماضي المستورث من نظام همجي لم يعرف له التاريخ مثيلاً وترك أثاره العنيفة في مجتمع سادته ثقافة العنف وعنتريات السيوف.


ولايكاد يمر يوم واحد دون شنّ هجوم مُخادع يتناول أجزاءاً مُجزئة من الحقيقة، فالولادة الجديدة للعراق، في رأيهم المُخادع المبني على تراث من الكذب، هو الهلوسة بأن النظام الجديد شيعي وعميل لأيران، متناسين عن قصد، أن سُنة العراق وشيعته حملوا القرأن الكريم (الذي نزلَ عربياً) الى شعوب عديدة غير عربية دون أي عنصرية. بكلمة أخرى، أن التأثير الطبيعي يأتي من أصل النبته الطيبة التي زرعها العرب الأولون الذين نشروا الرسالة والقيم الأسلامية. وما الثورة العربية ضد التتريك وظلم الدولة العثمانية للعرب والأقليات أِلا دليل ساطع على قوة أصل النبته وجذورها العربية. أضافةً، لقد ترك تراكم الديون الأجنبية على النظام السابق أزمة حقيقية للنظام الوليد، كما تركَ تكررالأنتهاكات التركية و الأيرانية والعربية المؤسفة للحدود العراقية أثارها التي يجب أن تعالج الآن ومن جديد بحكمة ومقدرة دبلوماسية وخبرة، على قمتها تحليل ومراقبة مايجري في هذه الدول من أضطرابات وصراع وتصفيات داخلية لاشأن لنا بها ولا ينبغي أن نكون أطراف فيها أِلا بقدر مايحقق مصلحة العراق، ولاينبغي أن يحثّنا أحد بردود أفعال متشنجة ( كما يدعو أليها مثقفوا السيوف ) لدفع خيرة شبابنا الى محرقة حرب جديدة عنصرية الطابع.


ففي أيران، حيث تبدو وكأن الثورة الأيرانية بدأت تأكل نفسها، تتسارع الأحداث بشكل دراماتيكي ويتزايد الأقتتال الداخلي ونقمة الطبقات الشعبية المثقفة ضد ثيولوجية الأحزاب الدينية وفشلها في نقل التحول الأجتماعي الى وضع أفضل. ويبدو من أستقراء الأحداث، أن التدهور السياسي بدأَ منذ أن تم أعادة أنتخاب أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية والتشدد الديني الظاهر.


وسياسو العراق في مهمة صعبة في الأقرار والتمسك بتعريف موحد لمصالح العراق الحقيقية مع الدول المجاورة أيران، تركيا، الكويت، سوريا، والأردن دون الأخذ بردود أفعال ثورية خطابية للأثارة الشعبية المقتبسة من نظريات فرعون العراق السابق. وهنا نتسائل عن تعريف القوى العراقية في تحديد مصالح العراق ومن يقوم بصيانتها. أليس التعريف بمصالح العراق الحيوية مهمة مشتركة للدولة العراقية تمخضتْ منذ ولادة أرض الرافدين ومنذ الأستقلال الوطني بعد عام 1920؟ أن أي تجاوز أو مساس للخطوط الحمراء لهذه المصالح من قبل أي دولة مجاورة أو تبريرها تجاوزها من قبل أي كتلة سياسية عراقية هي خدمات مجانية لقوى الشر والأرهاب المتربصة بالدولة العراقية والنظام الديقراطي الذي نطمح لتحقيقه.


وبلا شك، فأن السنوات الماضية، كانت تراجعاً واضحاً عن الولاء للوطن بقصور فعلي من قادة العراق في الشمال والجنوب والوسط / لستُ في مجال تسميتهم / حيث كان الولاء للمذهب والمنصب قبل الولاء للوطن قد أعمى بصيرة العديد داخل وخارج المجالس النيابية والمؤسسات الرسمية، أضافة الى طرق المخادعة في تمسك البعض بأذيال الاسلام السياسي الذي لم يتوقف أستغلاله منذ وفاة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم).

النقطة الأخرى، كما أتضحتْ هي هيستريا رفض موعد أجراء الأنتخابات واللجوء الى النقض التي لم تكن أِلا ردود فعل شاذة من أعلى المسؤولين في الحكومة. لايستطيع مجلس الرئاسة بخلافاته وصراع الرؤوس الثلاثة وتناقضات تصريحاتهم رغباتهم من وضع أولويات مشاريع القرارت والتصديق عليها بالصورة التي يتشكل منها هيكلياً. وستبقى العدالة الإجتماعية، الخدمات الأساسية من صحية وتقنية والقضاء على الفساد وأنتشار المحسوبية والفساد الأداري مطالب معلقة، وسلطة مجلس الوزراء التنفيذية، تسيير وتوجيه المسؤوليات خاملة على النحو الذي سادت عليه سابقاً مالم يتم أجراء تعديل دستوري لألغاء منصبي( نائبا رئيس الجمهورية). فصلاحيات مجلس الرئاسة شكلية، ولاتحقق أي أنسجام أو ضرورة فعلية بل هي عائق رئيسي في تسيّر وتيسير عمل الحكومة في توظيف الأموال ووضع خطط الأستثمارات الأجنبية وقراراتها ومن الأفضل توحيد الصلاحيات وتعديل الدستور لتكون رئاسة الجمهورية في عهدة رئيس واحد منتخب كما هو الحال في معظم دول العالم.


أن سلطة القرار العراقي والخطط السياسية الحكومية وسلوكيتها تعتمد على ردود أفعال يرسمها حالياً قادة تقليديون يمارسون العمل السياسي وتقتصر قراراتهم على ضوء أراء عامة وأتهامات تتناثر شرقاً وغرباً حسب الأنتماءات السياسية والمعتقدات المذهبية دون تحقيق دقيق أو شامل. موظفو حكومات وعملاء يتفاخرون بأنكار عروبتنا وأنتمائتنا الوطنية في محاولات أقناع الجهلة بأننا العدوّ المفترض في عمل مُبيت يثيرون فيه تناحرنا الداخلي لأهداف قصيرة الأمد. لقد كان ذلك أحسن سلاح فضله صحفيو فرعون العراق السابق وأبواقه الرسمية.


لقد أرتسم للعراق بعد سقوط الدكتاتورية العشائرية خطان رئيسان أستساغته الجماهير بمضاضة وتقبلته القيادات الحكومية وسايرته بين الشك واليقين، وهما:
1.المشاركة في قبول أتخاذ قرارات تقوم على مبدأ الطائفية والمذهبية والقومية.
2.القبول والخنوع الى المليشيات والفرق الأجنبية والمرتزقة وتحّكُمهم بشكل أو بأخر في الأوضاع الأمنية العامة.
لم تَرسم أي جهة عارضتْ النظام الدكتاتوري السابق هذان الخطان وأنما ظهرا تلقائياً بعد الموجة العارمة التي هزت المنطقة بدخول القوات الأمريكية والمعارضة العراقية والقرار بمنازلة النظام عسكرياً وتفكيك كيانه التنكيلي. الأمر الذي أدى الى عدم أستقرار الأوضاع وأنتشار الفوضى والسرقة والأحتيال والتزوير والتهريب، وصعوبة ترسيخ النظام الديمقراطي تحت مثل هذه الظروف
.

ويواجه العراق تحت أدارة أية حكومة قادمة تحديات الخط الأول من أعلام حاقد، وخصوم لأي خطوة تغيير تتخذها الدولة بسبب طائفيتهم وأمراض المذاهب والرايات التي يتسترون خلفها. لقد أنتفتْ الحاجة الى الخرفات والأساطير والتيه واللغط الأعلامي الرخيص الذي يخلط فيه صحفيون محليون عملهم بمهمات سياسية تتعلق بعلاقات العراق مع الدول العربية والأجنبية. أن أخطاء الماضي القريب يجب أن تُصحح وتُقَوّم بسرعة دون ردود أفعال وألأمتناع عن المشاركة في اتخاذ قرارات تقوم على مبدأ الطائفية والمذهبية أو القومية. والدعوة لعدم القبول بها كحالات أستثنائية، وهو واجب شرعي وقانوني وأنساني لكل القوى التي تُؤمن بجهود عراقية نقية.


لقد تراكمت هذه العلل المذهبية والطائفية خطأً بتراكم ألتباس مبادئ التثقيف والتعريف، للحقوق الأنسانية والديمقراطية الحديثة والفيدرالية والحريات الفردية الممنوحة. فأننا نرى الدولة الحديثة حيادية وعادلة، وسيكون دورنا ومثقفو الصحافة والاعلام مراقبة ونقد أداء الحكومة والمجالس المنتخبة القادمة، أستقلاليتها، حيادها، تشريعاتها عدالة قضائها ونظافة أيديها عند معالجتها للأزمات بجهود عراقية من المُنتخبين بالأرادة الشعبية.


ويرفض الكثير منا النكسات المتتالية وحملات العار التي يريد أن يُلحقها بالعراق بعض السياسيين والصحفيين المُخضرمين الذين مازالوا يعيشون في حُفر الجهالة ويوزعون منها صكوك الغفران وأوامر محاربة شعب العراق وتدمير بنيته الأجتماعية في غياب مذهل للضمير والحقيقة.

[email protected]