خوف يطوق العالم، وتوتر يسود المطارات، والناس تفتش مثل اللصوص وحرامية الآثار في اليمن، وقراصنة عند ساحل الصومال يخطفون، مقابل أوربا تسبح في السمن والعسل والرفاهية، وعالم عربي حطام، وشكله هباب وسخام، وعالم إسلامي فرقة وخصام، وجامعة دول عربية جثة تنتظر الدفن، ومجلس أمن بيت مكانه الرعب وظله الشك والتشاؤم، وجملوكيات تدفع بالغلمان إلى قيادة سفن تسكنها أمم مسكونة بالرعب مخطوفة مثل قراصنة الكاريبي، وشعوب عربية بائسة فقدت الأمل في المستقبل، وشوارع تستقبل ملايين العاطلين، وأرحام تدفع وقبور تبلع وكون ينمو وينهار، وجمعية أمم متحدة للديكور لا أكثر..
وانتحاريون يتكاثرون على أبواب الموت؟؟ وعالم ينقسم إلى مركز وأطراف لا مكان فيه للعرب، ويلتهم التنين الصيني كل شيء...
فإلى أين يمضي العالم..
إن من يحلل العالم والتاريخ يخرج بسيناريوهات مختلفة فلنسمع؟؟
هناك نوعان من السيناريو على الأقل يحاول أن يتقدم به عالم ألماني وآخر أمريكي؛ فالسيناريو الأول نشره المؤرخ الألماني (رولف بيتر سيفرليه ROLF PETER SIEFERLE) من مدينة مانهايم (MANNHEIM)(حول تبدل العالم)(1) فرسم الصورة التالية:
ـ سوف يشكل عمالقة الاقتصاد من نموذج شركات هوكست (HOECHST) أو سيمنس (SIEMENS) التي تبحث عن الذهب في كل مكان، تعيث في القارات بحثاً عن الصفقات ولم يعد لها مسكن ثابت، سوف تشكل النظام العالمي الجديد، سوف تقسم الأمم مثل الأفراد الى رابحين وخاسرين، والبلد الذي خرجت منه حيث عدالة التوزيع والسلام الاجتماعي سيتحول الى موقع دفاعي، وسوف تتنكس (DEGENERATION) وظيفة الدولة من دولة قطرية ذات سيادة، ومن وضع السيد الحاكم، الى إداري لمنطقة اقتصادية لا يزيد (من نوع المراقب المحلي)، وقد يحدث تطور مريع في هذا السيناريو في احتمال وارد عندما تشتد قبضة هذه الديناصورات الجديدة.

ديناصورات العهد الجديد
إذا مشى ملف الديناصورات الجديدة (عمالقة الاقتصاد والشركات متعددة الجنسيات) في عصر ما بعد الصناعة على نحو سلبي فسوف يصبح منظر العالم بائساً على الشكل التالي:
ـ في عام 2050 سوف تلعب الحكومات دوراً هامشياً، والمؤسسات المالية هي التي ستُحكِم قبضتها على الكرة الأرضية.
سوف تقدم للمرتبطين بمصالحها جزر خيالية من الرفاهية مطوقة بحراسة خاصة ضد العالم الخارجي، وخارج (جيتو الرفاهية) هذا تنحط الطبيعة وتتوقف الحكومات عن الإنفاق لحماية البيئة بسبب التكاليف الباهظة التي لا تتحملها، ستنتج المواد الغذائية في البيوت المحمية المسقوفة. ولرومانسي الرحلات ستنشأ قبب زجاجية هائلة تتسع لعشرة آلاف شخص يتمتعون بكل سحر أشعة الليزر وتشكيلات الهولوجراف!!
ومن أراد الخروج على هذا النظام أو التمرد عليه أو رفض طاعته فهناك حراس غلاظ شداد لا يعصون الأوامر ويفعلون ما يؤمرون؛ فيزربون العصاة الى محابس يقضون فيها وقتاً مريراً، بين تنظيف المفاعلات النووية الخطيرة أو مجمعات القمامة، بلا أمل من الخروج من هذه الجهنم الالكترونية.

البدو الرحل الجدد والسلع المرتحلة
السيناريو الثاني يراه البروفسور الأمريكي الاقتصادي (توماس مالوني THOMAS MALONI) عن تطور ساحر، خلاف سيرة ديناصورات العهد الجديد؛ فكما انقرضت ديناصورات العهد السحيق وانمحت من الوجود قبل 65 مليون سنة، بسبب عدم مرونتها وثقلها وعدم تكيفها، تحت قانون البقاء للأصلح، فأخلت المكان لثدييات ضعيفة صغيرة تقفز برشاقة في الليل رعباً من دمدمة ووقع أقدام الديناصور، ليمضي قانون (أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) فهذا هو مصير الجنس البشري على ما يبدو.
وبذلك فإن المستقبل سيقع في أيدي مجموعات صغيرة فائقة القدرة على التكيف، ويضرب (مالوني) مثلاً في هذا عن شركة (توبسي تيل TOPSY TAIL) التي تتاجر بالأمشاط وبكلات الشعر في أمريكا بثلاث موظفين ثابتين ورأسمال ( 80 ثمانين) مليون دولار!!
إن هذا لرزقنا ماله من نفاد!!
وكل النشاطات الاقتصادية من الإنتاج الى التسويق والإدارة ستكون في قبضة مجموعات متدرجة من المؤسسات الصغيرة، ينسق نشاطها شبكة كمبيوترات هائلة، كلمح البصر أو هو أقرب، برساميل صغيرة وفعالية رهيبة، وحسب (مالوني) فإن هذه الكائنات (الثديية الاجتماعية الجديدة) الصغيرة سوف تحتل المستقبل وتبني لها جزراً في العالم، نشيطة تجارياً تبنى أو تنحل حسب سوق العرض والطلب، أو كما تصورها الكاتب الفرنسي جاك أتالييه (JACQUES ATTALI) على صورة البدو الجدد، خيامهم الكترونية، وعصيهم أدوات بسيطة ماوس وكي بورد وسكانر، وأجهزة تصلهم بكل العالم، ومراعيهم سوق اقتصادي حر نشيط، يرعون فيه مواشيهم في الكلأ الالكتروني الجديد.

أغنياء وفقراء: التصدع الجديد في العالم..
لعل أعظم مشكلة في التطور العالمي الجديد هو التحدي المريع في مواجهة العالم العربي الإسلامي؛ للتكيف مع النقلة النوعية الجديدة ؛ فمن وجهة نظر جاك أتالييه الكاتب الفرنسي (2) أن خمس مخاطر تحيق بالجنس البشري: المخدرات، والسلاح النووي، وتقنية الجينات والتلاعب بالمورثات، وتلوث البيئة، والتصدع الجديد بين الشمال والجنوب.
ويعتقد أتالييه أن الخطر الخامس أهمها وأبعدها أثراً؛ وهو ما يفسر هرب شباب العرب وبناتهم إلى أصقاع المعروفة الأربعة من جزيرة سخالين حتى أرض النار في بيتاغونيا وغابات بوليفيا والأرجنتين، بعد أن لم يبق وطن ومواطن بل غابة وعصابة..
والآن فإن خُمس العالم يأكل خيرات ثلاثة أرباع العالم، وهو من يحافظ ويمون ديكتاتوريات العالم الثالث بخيل ورجال، و80% من الجنس البشري يعيش تحت حزام الفقر، ويملك 4% من سكان أمريكا يملكون أكثر من ربع العقارات، وثلاثة أخماس أسهم الشركات، وثلث نقود الأمة، وكمية مرعبة من سندات الخزينة، وبعد تسديد الديون يبقى في جيوبهم المنفوخة أكثر من تريليون دولار (ألف مليار) وهو مبلغ يمكن به شراء منتجات أمريكا كلها وسويسرا والدول الاسكندينافية.. هذا رزقنا ماله من نفاد، بل ويمكنهم التهام كل الشركات والصناعات وتوجيه سياسة أمريكا لإنتاج الأبله المعتوه بوش سيء الذكر وقرينه رمسفيلد..... كما ذكر ذلك (بيتر فارب) في كتابه (بنو الإنسان) فصل الأعلون والأدنون (The Lowly and the Mighty) (3)..
والمصيبة ليست في أمريكا بل يمكن ذكر أكثر من ذلك في الشرق المنكوب، فكما كانت أمريكا هبل الأعظم، فهي من تعطي الشرعية للديكتاتوريات الترانزستور وأنظمة العصور الوسطى السوداء التي ما زالت تعشش بكل عفنها على صدور العربان، ولكن ذكر بعض الأسماء سيجعل اسم جلبي حجرا محجورا، فيطير أيضا من المواقع الإلكترونية كما يطيروه من الحين للآخر من الصحف، مذؤوما مدحورا مذموما مخذولا.. ولذا فأنا أكتب كل مقالة كتابة مودع من الموقع والحياة، كما هي في مقالتي هذه..
وينتسب العالم الإسلامي في جملته الى هذا الحزام الخطير، ومعه كل مخاطر الانفجارات، والمشكلة الحيوية هي أنه عالم خارج حركة التاريخ والجغرافيا ومركبة الحضارة، مثل أي قطار تعرض لكارثة حضارية، فركابه الجرحى والمصابون بدأوا يتأملون طبيعة هذه الكارثة، وأمامهم رحلة طويلة لإعادة القطار الى سكته، كي يبدأ رحلته بعد إصلاحه.
العالم الإسلامي أمامه ثورة إصلاحية خطيرة، وهي ثقافية قبل أن تكون سياسية ليمضي ضمن السياق الكوني؛ فالمفتي والطاغية في جيب واحد،
والمواطن الأخرس بين فقيه مدجن غائب عن العصر وسياسي أطرش كذاب أشر، الكل يعزف سيمفونية الشخير العام..
الأمر كما نرى جد، وهو أمر مرير يبعث على التشاءم خاصة عند الفريق الذي يرى موت المجتمع العربي الإسلامي موتة قد شبع منها، ولا يناسبه إلا توديع التاريخ ودخول القبر، وهو قول فريق لا يستهان برأيهم لا أشاطرهم فيها الرأي، كما شرحت ذلك في مقالتي عن موت المجتمعات وتجلي مظاهر الموت في مقارنة بيولوجية اجتماعية.
ولعل من أبرز مظاهر الجثة العربية هي استفحال ضراوة وانتشار الجراثيم الفكرية، وحين يكون الجسد يعمل فيه الجهاز المناعي كما هو الحال في أوربا فإن الجراثيم لا تلتهم الجثة كما في عالم القبور، ولكن العالم العربي هو أقرب لوضع الجثة، ومثالي على ذلك كيفية سرقتنا من حرامية الأفكار، وعدم انتباه المواقع والجرائد للصوص الفكر والكتب فهم يسرحون ويسرقون مثل القراد والقوارض..
وبالأمس وقع نظري على عشرات المقالات التي نشرتها وقد قرضها لص ظريف اسمه صبحي درويش ونشرها أحيانا بعنوانها في مواقع شتى، وهو لص خطير يجب أن يلقى القبض عليه ويوضع خلف القضبان، ولكن العالم العربي بجثته المتعفنة يسمح بنمو جراثيم وقوارض من هذا الحجم؟؟


الانفجار السكاني والعجز الاقتصادي
كما أن الانفجار السكاني لبلد عاجز في الأصل متخلف صناعياً يمثله تماماً نموذجي غانا وكوريا ففي عام 1960 ميلادي كان متوسط دخل الفرد السنوي في كلا البلدين للفرد 230 دولار وهو بعد ثلاثين سنة نفس الشيء لغانا، في حين قفز عند الكوريين الى اثني عشر ضعفاً (4) وحتى يعرف كل فرد أين مكانه في الخريطة العالمية فليقارن وضعه أيضاً بموجب هذه المقاربة، فعندما تنهار العملات وينزل دخل الفرد عشرين مرة الى الحضيض، في مخطط لا يرحم، وتطور لا يلحق هذا الانفجار الديموغرافي.

ولادة العالم الجديد
أمامنا ثلاث ملاحظات ونحن نرى القرن العشرين قد ولى وانقضى أجله وسبحان الدائم، والقرن الواحد والعشرون يدخل عقده الثاني...

1 ـ لهاث وتسارع في الأحداث:
على الشكل الذي رواه ألفين توفلر في كتابه (صدمة المستقبل SHOCK OF FUTURE ) ستكون ليس من نوع الصدمة الثقافية، بل يتعرض الانسان للصدمة وهو لم يغير مكانه، فالصدمة هي تغير البيئة والوسط المحيط بنا بشكل متسارع نفقد معها قدرة التكيف وتلائم منعكساتنا الشرطية.
تحدث الصدمة ليس بتغيير المناخ العقلي والثقافي والعادات مع الانتقال الى وسط غريب جداً عنا، ولكنها تحدث في نفس المناخ الذي نعيش فيه، ولكن الوسط هو الذي يبدل مواقعه وأشكاله بشكل يجعلنا نفقد التلاؤم معه فنصاب بالدوار الحضاري، كما هو الحال مع أولادنا الذين يلعبون بالانترنيت والكمبيوتر ونحن نتفرج عليهم.
النوع الثاني هو الذي عناه الكاتب الأمريكي توفلر.

- 2 الميل والتصاعد الى التعقيد:
فالمحطات الفضائية نحتاج فيها الى من ينظم لنا قنواتها لنتمتع بمتابعة برامجها، ولم يعد منذ زمن بعيد يصلح منا أحد سيارته كما كان يصلح عربته الخشبية، وسيارة المرسيدس الحالية لم يعد ينفع فيها حتى الميكانيكي الماهر، بل لابد من الورشة الالكترونية باهظة التكاليف.
بل إن السيارات والطيارات بموجب البرمجة الكمبيوترية يمكن الإمساك بها وإيقافها في السماء أو تحت الأرض السابعة بكبسة زر؟؟
عالمنا تحول الى عالم تخصصات تزداد شبكة التعقيد فيه بدون توقف، والتنظيم يضغط هامش التدخل مع كل حركة ويوم وحدث، والعالم ديجتال. جيد أن تسحي نقودك من المغرب وباريس بالدرهم واليورو سيء لمخابرات أمريكا التي تمسك الناس على الملامح السيميائية فقط؟؟
صدق أو لا تصدق.. فهناك 14 مطار يلقون القبض على الناس على الملامح وتعبيرات الوجه كما علمهم الكاهن الكبير ايكمان؟؟
لقد أمسكت الكمبيوترات بالمواطن بما تعجز عنه أعتى أجهزة الأمن وهذا يعكس خطورة فظيعة بنقل التقنيات الحديثة لأنظمة شمولية استبدادية، وحاليا في الجملوكيات العربية يلقى القبض على المواطن لأنه اطلع على مقالتين ونصف، وأرسلها لشخصين ونصف، فحكمته محكمة المخابرات الذين يلبسون عباءات القضاة السوداء مثل الغربان المحجلة، سنتين ونصف، وأكملوها بحرمانه من الحقوق المدنية عشر سنوات، ولم نصدق أنه خرج بعد تمام المدة، وفي قناعتي أنه خرج من ضغط منظمات حقوق الإنسان، وحاليا حكم على النيني محرر جريدة المساء بثلاث أشهر حبس، لثلاث كلمات ونصف، طبعا في كشف وزير فاسد، ومتنفذ مرتشي، ومسئول مرابي أو موظف إصبعه في الدعارة والحشيش والمحششة؟؟
كما يعكس خطر الأسلحة المتطورة بيد أنظمة بدائية بوليسية؛ فهي ستفتك بمواطنيها، وتحطم كل روح معارضة، مقابل فشلها في تحدي أنظمة أخرى تقدمية عصرية.

- 3 التسارع الكمي يقود الى انقلاب نوعي..
وهذا يعني أن العالم يولد ولادة جديدة كل عشر سنوات مما يمكنه من كنس خرافات كثيرة. النقود المباشرة سوف تختفي. الاستنساخ سوف يمكننا من إنتاج قطع غيار بشرية بكمية لا تعرف النفاد. المصانع ستنقل الى الملأ الأعلى فلا تلويث للكرة الأرضية. ستتحول الأرض الى جنة فعلية. ستقوم دولة عالمية موحدة تلغي الحروب والمجاعات في ضربة مزدوجة. سيبدأ نشوء انسان عالمي الثقافة، يعيش التعدد والتنوع في كل لون.
أما الانفجار السكاني فقد قامت بدراسته مؤسسة هدسن الأمريكية لتخرج بنتيجة مذهلة عن استقرار العدد حول 15 مليار نسمة خلال الثمانية آلاف سنة القادمة، كما كان عدد البشر مستقراً ضمن الثمانية آلاف التي سبقت الانفجار في القرن العشرين (5)
أما مصير المقرودين العربان؛ فالأمل بالله كبير أن يلتهمنا الاتحاد الأوربي بعد أن يمد رقعته إلى المشرق والمغرب، فيطول دولة العصملية والعلوية والجملوكيات إلى أبد الآبدين.. ونخلص من الأحكام العرفية المروانية من أيام يزيد ذابح الحسين..
آمين يا رب أمين نسألك اللهم بكل اسم سميت به نفسه أو استأثرت به في علم الغيب أو علمته أحدا من خلقك.. أن تنكس أعلام الجملوكيات والمملوكيات وأنظمة الشيطان، وتدخلنا في الدين الأوربي؛ دين العدل والمساواة والحرية الفكرية واحترام المرأة، وحقوق الإنسان، والوقت والإبداع والإنتاج..
آمين آمين..

مراجع وهوامش:

(1) رولف بيتر سيفرليه ـ تبدل العصر ـ نشر دار بروبيلين ( ROLF PETER SIEFERLE - PROPYLAEN VERLAG 368 SEITEN )(2) آفاق المستقبل ـ جاك أتالييه ترجمة محمد زكريا إسماعيل ـ نشر دار العلم للملايين ص 31 (3) كتاب بنو الإنسان ـ بيتر فارب ـ سلسلة عالم المعرفة رقم 67 ـ ص 359 (4) الاستعداد للقرن 21 ـ باول كندي ـ ص 249 (5) العالم بعد مائتي عام ـ تأليف هيرمان كان ـ ترجمة شوقي جلال ـ عالم المعرفة رقم 55 ص 85 عن المجلة العلمية الأمريكية سبتمبر 1974 ص 36 - 37