ترتبط العلامة ارتباطا وثيقا بمرجعها الثقافي، البيئة التي تنمو وتعيش فيها كما يقول بورس. وقد شدد اللغوي السويسري فرنناند دو سوسير على ضرورة دراسة العلامة من الناحية الاجتماعية، والبيئة التي تعمل بها بنشاط مستمر. العلامة نتاج العلاقة بين الدال والمدلول، ولا يمكن ان يعمل احد أركانها بعيدا عن الأخر. الصورة الذهنية التي تنتجها العلامة عند المتلقي، لا تنفصل عن البيئة التي يعيش بها. يؤولها بسلاسة لأنه اعتاد عليها من خلال معايشته لها بيئيا، وبالتالي ترسخت بذهنيته البيئية على مختلف الأصعدة. تبقى علامات المجتمع صعبة القراءة من قبل الأخر، الوافد الجديد على ثقافة/ مجتمع العلامة، مما يشكل انزياحا لقصديتها. والعلامة تشتغل داخل المجتمع الذي نشأت فيه دون الحاجة لشروحات قصديتها، والمعضلة الكبيرة تكمن بعدم اشتغال العلامة نفسها عند انتقالها إلى ثقافة أخرى، غير ثقافتها الأصلية.
يمتاز المجتمع الهولندي،مثله مثل المجتمعات الأخرى،بتواجد كثيف للعلامات الاجتماعية، والتي لا نجد لها نظيرا في مجتمعات أخرى، وان وجدت فلها أسلوبها وطريقتها الخاص، فلكل مجتمع خصوصيته، عاداته، تقاليده، وبالتأكيد علاماته، التي من الصعب على الأخر تفكيك شفراتها، و فهم قصديتها. سنحاول التعرف على بعض العلامات الاجتماعية داخل المجتمع الهولندي، والتي شكلت جزء مهما من ذاكرته البصرية. وليس من السهل على الوافد الجديد أو الزائر قراءتها وتأويلها، لأنها كما قلنا سابقا ترتبط بمرجعيتها الثقافية، وهذه المرجعية، ثقافة هولندية بحت.

الولادة
عندما تستقبل العائلة الهولندية مولودا جديد، يكون ذلك حدث استثنائي للعائلة، لان العوائل الهولندية غير معروفة بتعدد افرادها،كما هو الحال عند العوائل العربية، لهذا تترقب العائلة ذلك الحدث بفارغ الصبر، ويتابعون وضع ألام الصحي، منذ الأشهر الأولى للحمل، ولا يهتمون كثيرا كما هو الحال عند المجتمعات العربية، بجنس الصبي، اذ كان صبيا او صبية، المهم هناك مولود جديد.

عند الولادة، يعلق في البيت شريط مليء بالأعلام الوردية اذا كان المولود صبية، واللون الأزرق إذا كان المولود صبيا، ويقدمون للضيوف الكعك ويسمى Beschuit ويضعون فوقه شكولاته صلبة بالوان مختلفة، وتكون بشكل دائري وتسمىMuisjes.

علامة الولادة- صورة 1

علامة الوليد
في السنوات الأخيرة، ظهر تقليد جديد داخل المجتمع الهولندي عندما تحصل العائلة على طفل، يضعون شكل طائر خشبيOoievaar في الحديقة الأمامية للمنزل، حتى يعرف كل من يمر من أمام المنزل بأنهم رزقوا بطفل، وإذا كانت العائلة تسكن في شقة بإحدى العمارات فأنها تضعه في باب الشقة، ويبقى هذا الرمز لمدة أربعون يوما. (انظر الصورة رقم 1).

علامة الكارت
بعد الاطمئنان على صحة ألام والطفل، ترسل العائلة بطاقات الى كافة معارفهم وأصدقائهم،تخبرهم بأنهم حصلوا على طفل، وهو بصحة جيدة، ويذكرون فيه اسم الطفل، وإنهم مستعدون لاستقبالهم للتهنئة، او بأنهم يقيمون حفلة لكل المدعوين، وتكون هذه الحفلة في يوم تعميده، حتى لا تتعب العائلة والمولود من ضوضاء الضيوف، وأيضا يكتبون ببطاقة الدعوة، إذا لم يكن المولود هو طفلهم الأول، يذكرون بان Erik على سبيل المثال (إذا كان هذا هو اسم طفلهم الأول) أصبح له أخ / أخت، وأسميناها Marleen، بحيث يحضر الضيوف وهم على علم بكل شيء، هذا التقليد يكون له دلالة أخرى، وهي معرفة الضيوف بجنس المولود، حتى يشترون له الهدية وفق جنسه، من اجل دعم العائلة ومساعدتهم في تكاليف المولود الجديد،(انظر نموذج بطاقة الدعوة).


نموذج بطاقة الدعوة

أجتياز البكلوريا

تشكل الامتحانات النهائية (البكلوريا) رعبا حقيقيا للطلبة في كل دول العالم تقريبا، لأنه يحدد مصير الطالب في أي اتجاه سيسير مستقبله العلمي والحياتي، لأن شهادة البكلوريا، تمنحه بطاقة المرور لعالمه الخاص، هذا العالم الذي تحدده الدرجات النهائية التي يحصل عليها، والمجموع ككل، لهذا نجد اغلب العوائل توفر طقسا خاص لأولادهم أثناء التحضير للامتحانات، و أثناء الامتحانات، ويكون شعار ( التركيز والاسترخاء) هو المفضل داخل العوائل، من اجل توفير الجو المناسب للطالب، كون هذه الفترة هي الفيصل في تحديد مصير الابن أو البنت، مخافة من الفشل، وإعادة عام كامل من التعب والتكلفة العالية للدراسة.

في هولندا تكلفة الدراسة مرتفعة مقارنة بالبلدان الأخرى، حيث يحصل الطالب على منحة دراسية، وهي أشبه بالقرض البنكي من منظمة خاصة وتسمى IB-GroeB، وكلما كان دخل العائلة مرتفع تُقلص المنحة، او لا يحصل عليها أبدا، والعائلة مطالبة باسترجاع المنحة كلها مع قيمة الضرائب على القرض، لكنها بسيطة مقارنة بقروض البنوك، او يدفعها الطالب نفسه على شكل دفعات، بعد تخرجه وحصوله على وظيفة، لكن بكل الأحوال على العائلة او الطالب إرجاع المبلغ بكامله.

يختلف النظام في هولندا تماما حتى عن باقي الدول الأوربية، في توزيع نتائج امتحانات البكلوريا، لان الطالب لا يحضر إلى المدرسة من اجل معرفة نتيجة الامتحان، وإنما تعلق إدارة المدرسة إعلانا، مفاده بان المدرسة ستقوم بالاتصال بالطلبة الناجحين فقط وتحدد لهم ساعة الاتصال والتي تكون في اغلب الأحيان لمدة خمس ساعات، وفق عدد الطلبة الذين يجتازون الامتحانات، تأخذ إدارة المدرسة الاتصال بكل الطلبة الناجحين وتهنأ هم بالتفوق، ولا تخبرهم بالدراجات التي حصلوا عليها، فقط بالنتيجة، والطالب الذي لم تتصل به إدارة المدرسة، فهذا يعني بأنه لم يجتز الامتحانات، لهذا تجد العوائل التي تنتظر نتيجة أبنائها لا تستخدم الهاتف الأرضي في هذا الوقت مهما كان السبب، لأنها تنتظر بشغف اتصال المدرسة.

علامة النجاح
عند نجاح الطالب، واجتيازه امتحانات البكلوريا، يعني هذا بإنه مؤهل لدخول الجامعة، او الاختصاص الذي اختاره منذ بدا مرحلة البكلوريا وهو (علمي او أدبي)، بعد اتصال المدرسة وفرحة النجاح، يذهب الطالب مباشرة لتعليق العلم الهولندي، ويعلق على صاريته حقيبته المدرسية وبداخلها بعض الكتب الدراسية، تقريبا لا يخلوا منزل من منازل هولندا، من أنبوب يُعلق فيه العلم الهولندي في الاحتفالات الرسمية، ويكون العلم في مواجهة المنزل مقابل الشارع الرئيسي للمارة، بحيث كل من يمر من أمام المنزل يعرف في هذا البيت طالب قد اجتاز امتحانات البكلوريا، هذه العلامة لأنجد ها في البلدان الأخرى، وهي علامة هولندية بامتياز، اما لماذا العلم الهولندي والحقيبة، فهذا الفعل له دلالاته الرمزية، وهي:

العَلم: هو رمز للامتحان الحكومي بكل محافظات المملكة الهولندية، وبما ان العلم هو رمز المملكة الهولندية الرسمي، فهذا يعني بأنه اجتاز الامتحانات الحكومية، وهي البكلوريا.

الحقيبة: وهي رمز لأيام الدراسة، والتي كان يستعملها أيام الدراسة، وكونها تمثل فترة من حياته وهي فترة المراهقة او اكبر بشيء قليل، ومعناها الدلالي بأنه أكمل مرحلة مهمة من حياته، وبالتالي سيذهب لمرحلة اكبر واهم. ولهذا يعلق حقيبته، كوداع ابدي لتلك الفترة ألعمريه والدراسية، وانه ألان أصبح في مرحلة جامعية، سيختلف فيها حتما مستوى تفكيره ووعيه.

الكتب: لها أيضا نفس معنى الحقيبة الدلالي، وإنه سوف لا يحتاج لها أبدا، كونها لا تنتمي للفترة القادمة في حياته، وهي الفترة الجامعية. (انظر الصورة 2).

علامة النجاح- صورة 2


يحصل الطالب على نتائج دراجاته في احتفال رسمي تقيمه إدارة المدرسة وتدعوا له كل الطلبة مع عوائلهم، وتكرم إدارة المدرسة الطلبة الأوائل، ويكون الإعلان عن أسمائهم مفاجأة للجميع وللطالب نفسه، كونه في تلك اللحظة يعرف أرقام الدرجات، ويسلم شهادة بذلك، ويستدعى الطالب الذي حصل على أعلى نسبة في المدرسة لإلقاء كلمة ارتجالية، تعبيرا عن مشاعره في هذا الحدث، وأيضا من ضمن كلمته يشكر الأساتذة على الجهد الذي بذلوه مع الطلبة، لكنهم يبدأ بالتعبير عن حزنه لأصدقائه الذين لم يجتازوا البكلوريا.
بعد الحفل الرسمي، يذهب الطلبة مع عوائلهم لمنازلهم، ويحتفلون سوية كعائلة في نجاح ابنهم.
تعطي العائلة لابنها الحاصل على البكلوريا الكثير من الهدايا، والاهم تدفع له تكاليف حفلة يقيمها لأصدقائه داخل البيت، كمكافأة على الجهد الذي بذله طيلة العام الدراسي.

ملاحظة: هولندا بلد متعدد الثقافات، حيث يقيم فيه الكثير من الجاليات الأجنبية والعربية، عندما يكون الطالب أجنبيا وقد اجتاز امتحانات البكلوريا، فأنه يعلق علم بلده الأصلي بجانب العلم الهولندي، كرمز دلالي، بأنه اجتاز الامتحان الأصعب داخل المملكة، وهو أيضا كتعبير لإثبات ألذات، فأحيانا نجد العلم السورينامي، والتركي والمغربي، والعراقي، بجانب العلم الهولندي.