يدعي تسفي برئيل في صحيفة هآرتس ( 17 أكتوبر ) أن إسرائيل ما كان لها أن تبدي كل هذا الاهتمام لزيارة رئيس الجمهورية الإيرانية للبنان، ولا أن تظهر انزعاجها بها إلي الحد الذي أبانت عنه تحركاتها الداخلية والخارجية.. لماذا؟؟.. في رأيه أولاً لأن الزيارة في خد ذاتها لا تمثل أي تهديد لها !! فالجنوب اللبناني الذي ركز عليه الضيف الكبير quot; يسيطر عليه حزب الله منذ عدة سنوات quot;، وبنت جبيل لا تختلف عن أي بقعة أخري هناك.. وثانيا لأن الحكومة اللبنانية لا يمكن لها أن ترفض أن يقوم رئيس جمهورية إيران بزيارتها بعد أن استقبلت طهران الرئيس اللبناني quot; بحفاوة واحترام شديدين quot;..

حتى الرسائل التي بعث بها أحمدي نجاد إلي واشنطن وإلي إسرائيل وإلي اللبنانيين والي السنة والشيعة، ليس فيها جديد في رأيه.. فالكل يعرف منذ بضع سنوات أن إيران تريد أن يكون لها دور جيد في quot; ساحة الملاكمة الإقليمية quot; وليس أفضل من لبنان لكي تستعرض من فوقها مهاراتها علي مستوي الحرب الباردة التي تتسيد الساحة في هذه الأيام..
ساحة الحرب الباردة في الشرق الأوسط كما يراها الإعلام الإسرائيلي، تضم أطراف عدة..
إيران.. التي لا يهمها لبنان في خد ذاته ndash; كما أشارت صحيفة معاريف يوم 18 اكتوبر ndash; كدولة أو شعب لأن إستراتيجيتها تتعامل معه كرهينة سياسية لا بد أن quot; تقع في فخ عملياتها الظاهرة والباطنة quot; لخدمة أهدافها..

زيارة أحمدي نجاد ndash; في رأي معاريف - أبرزت اعوجاج الأوضاع اللبنانية وذَكرت متلقي رسائله من هناك بإخفاق الغرب في تأييد ودعم نظام حكمه الذي وصف مرارا بأنه حر ويتمتع برعاية فرنسية / أمريكية علي أعلي مستوى !! وقالت لهم محصلتها أنهم غير قادرين علي التحكم في اتجاهات القوي الإقليمية في الشرق الأوسط.. لا بالقوة ولا بالسياسة..
أمريكا.. كانت تتعامل مع لبنان طوال فترة ولايتي الرئيس جورج بوش الابن باعتباره النموذج المثالي القادر علي تطبيق الديموقراطية الغربية في المنطقة العربية، لذلك حرصت علي تحريره من النفوذ السوري.. ولما تحقق لها ذلك أورثت الوضع المعلق لإدارة الرئيس أوبانا، التي لم تبذل جهد يذكر حتى اليوم لكي تستكمل مهمتها، لأن القوات الإسرائيلية التى هاجمت لبنان منتصف عام 2006 فشلت ndash; كما تري صحيفة معاريف - في تفكيك قوات حزب الله، الأمر الذي أدي إلي وقوف واشنطن شبه عاجزة عن أن تخفف ضغطه ( حزب الله ) علي النظام الحاكم في لبنان..

سوريا.. يراها الإعلام الإسرائيلي من زاوية تعاملاتها المتحفظة مع أبعاد الزيارة وملامحها.. الصحف السورية لم تفرد لها الصفحات الطوال.. اهتمت بزيارة رئيس الوزراء العراقي نور المالكي لدمشق أكثر من تتبعها لما كان يجري في لبنان.. ربما لأنها لا تريد أن تسقط ثمرة لبنان الناضجة في حجر القيادة الإيرانية حتى لا تجد نفسها بلا أوراق قوة في مواجهة إسرائيل وأمريكا والعواصم العربية الأكثر اعتدالاً، أو ربما لأنها لا تريد للتوازن الإستراتيجي المتجدد بين دمشق وبيروت أن يهتز لصالح أي من القوة الداخلية اللاعبة في الساحة اللبنانية حتى لا تسئ لمستقبل علاقاتها سوريا بالولايات المتحدة..

في لعبة السياسية لا بد ان تدفع هذه النتائج إسرائيل لتفعيل ملف المفاوضات مع سوريا.. خاصة وان الرئيس السوري أعلن ndash; كما يقول المحلل الإسرائيلي ndash; أن طهران تؤيد استئنافها من حيث انتهت مع الجانب التركي منذ بضعة أشهر، المطلوب هو أن تبدي حكومة نتيناهو قدرت من المرونة يتناسب مع استعدادها لدفع ثمن السلام مع دمشق، أخذا في الاعتبار أن هذه المفاوضات لن تؤدي إلي قطع العلاقات بين النظامين الحاكمين السوري والإيراني ولن تؤدي إلي تحجيم سلاح حزب الله بالكيفية التي يرغب فيها الطرفان الإسرائيلي والأمريكي، ولكنها ستقود حتما إلي..

أ - تقليص شديد لحجم التهديد الذي يمكن أن تمثله الجبهة الشمالية في حالة قيام حرب بين إسرائيل وطهران، ربما يشارك فيها أطراف آخرون غير القوات المسلحة السورية..
ب ndash; قيام معادلة إستراتيجية محورها حياد سوري يمثل ثقلاً اكبر بكثير من ثقل عقد اتفاقية سلام مع الجانب الفلسطيني في الوقت الراهن..
إسرائيل يهمها التحديث الذي يجريه حزب الله علي قدراته القتالية، ولا يهمها لبنان إلا من زاويتين.. الأولي.. أن لا تكون أرضه منصة لإطلاق صواريخ ناحيتها.. الثانية.. أن لا تصبح بيروت شيعية ومن ثم يتحول لبنان كله إلي قاعدة إيرانية..

هذه الأهمية تعكسها دارسة إسرائيلية نشرت مؤخراً، ركز الباحث يوئيل جوزينسكي ( معهد الأمن القومي الإسرائيلي للدراسات الإستراتيجية ) بشكل مكثف من خلال عرض مدخلاتها ومخرجاتها علي أن امتلاك إيران للسلاح النووي يُمثل من وجهة النظر الإسرائيلية / الأمريكية..
1 - تهديداً إستراتيجياً بالغ الخطورة علي مستوى الشرق الأوسط ككل..

2 ndash; زيادة قوة محور الشهر الذي تتزعمه طهران ويضم سوريا ndash; حزب الله ndash; حماس ndash; منظمات إسلامية راديكالية أخري..
3 ndash; سيجعل منها أسطورة تملك مقومات جذب قوي أخري إلي ساحتها..
4 ndash; سيساعد علي تقوية الأواصر التي تجمع بين هذه الأطراف تحت قيادة طهران..
يقول الباحث أن هذه الأهداف تعكس مصلحة إيران العليا في تقديم نفسها للمنطقة وللعالم باعتبارها القوة القادرة علي حفظ التوازن وعلي استتباب الأمن وعلي وقف الاستنزاف الذي تعاني منه القوي الأخرى كإسرائيل وأمريكا..

في ضوء هذه التوقعات، يؤكد الباحث أن مجموعة محور الشر من دول وتنظيمات ربما تشجعها ظروف المنطقة أن تتحول إلي ما يشبه الحلف الدفاعي الذي تقوده نظرية العمل الجماعي العلني، التي تفترض أن يهب الجميع للدفاع عن أي طرف منهم يتعرض لاعتداء من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة..

ليس حلفاُ عسكريا معلناً حسب الفهم الكلاسيكي للمصطلح ضمن علوم العلاقات الدولية، ولكنه تجمع لقوي مناوئة لأمريكا وإسرائيل يعمل لخدمة إيران التي تعد بكل المقاييس الرأس المدبر لتحركاته.. لأن الرد ndash; في رأي الباحث ndash; علي تعرض إيران لهجمة عسكرية غير الرد في حالة تعرض حماس لضربة عسكرية.. كما أن مصدر الضربة التي ستوجه إلي إيران يعني الكثير بالنسبة للأطراف الأخرى، فحساباتها إذا كانت أمريكية يختلف تماماً عن كونها آتية من جانب القوات الإسرائيلية..
في الأولي ستلتزم الأطراف الداخلة في الحلف مبدأ السلامة الذي يجعلها تتوخي الحذر قبل الإقدام علي أي رد فعل، أما في الثانية فاحتمالات قيامها جميعاً بفتح النيران من كل الجبهات في اتجاه حدود إسرائيل وفي عمقها أمر غير مستبعد بالمرة..

من هذا المنطلق تفرض المعطيات علي إسرائيل أن تعمل علي إضعاف قوة إيران العسكرية.. لأنه سيؤدي بالتالي إلي quot; تغيير سياسات سوريا المتهورة quot;.. وسيؤثر علي quot; دائرة صنع القرار العدواني quot; علي مستوى حزب الله.. وسيعيد quot; القضية الفلسطينية إلي حجمها الحقيقي quot; بعد ـن تتراجع إلي حد كبير قدرات الدولة الأكثر دعما لحماس..
في موازاة ذلك تزعم الدارسة أن تعرض حزب الله في لبنان أو حماس في غزة لعملية عسكرية محدودة أو موسعة من جانب القوات الإسرائيلية، لن يقابلها رد فعل لا من جانب القوات السورية ولا من جانب القوات الإيرانية..

bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]