كلما أهم بالكتابة عن بلدي الأصلي العراق.. ترتسم امامي صورة المواطن اللبناني الذي مضى عليه عشرات السنين وهو يصرخ بلا فائدة ضد المحاصصة الطائفية والفساد والخراب، فقد أصبح العراق توأم لبنان في كارثة المحاصصة وتوزع ولاءات الساسة على دول الخارج على حساب مصالح الوطن.
والسؤال : لماذا نعذب أنفسنا من اجل وطن ميؤوس منه، واصبح بحكم الميت، ونكرر نفس عذابات اللبناني الذي يصرخ منذ عشرات السنين بلا جدوى أو امل بالتغيير؟
ففي العراق تكرست للأبد أقدام القوى السياسية الطائفية والقومية، وأستولت على البلد بعقلية عصابات المافيا التي غنمت حصتها من النهب والسرقة، واصبحت هذه القوى تدافع عن مناصبها ومكاسبها المالية بشراسة ووحشية، وطالما هي مستفيدة من مأساة المحاصصة والفساد والسرقات... فأنها ستظل تدافع عن الأوضاع القائمة وستكرسها أكثر في البلد، وليس هناك ما يشير الى حصول تغيير في الحياة السياسية في ظل غياب النخب السياسية الوطنية الشريفة، والجماهير الواعية القادرة على صنع التغيير، والنتيجة هي استفحال المرض في جسد العراق وتآكله تدريجيا لغاية نضوب النفط أو أكتشاف بدائل له وسيصبح العراق بلدا شبيها بالصومال وجيبوتي تطحنه الأمراض والفقر والمجاعة!
لقد خسر العراق فرصته الذهبية الوحيدة في زمن رئيس الوزراء الأسبق المرحوم نوري سعيد الذي كان الوحيد من الساسة لديه مشروعا سياسيا قادرا على نقل العراق من محيطة العربي والأسلامي ودمجه بالحضارة الغربية واحداث نقلة حضارية شاملة فيه، فقد كان مشروعه يقوم على ربط العراق بالدول الغربية وفي مقدمتها أميركا وبريطانيا والأستفادة من امكانيات هذه الدول العلمية والأقتصادية وغيرها.
ومشروع نوري السعيد كان فرصة العراق الوحيدة لأنقاذ نفسه ووقف تدهوره المتواصل، وبما أن العراق طوال عمره البالغ 700 سبعة آلاف سنة وهو في حالة تراجع وتدهور وتخلف مستمر، فلماذا لانجرب اسلوبا أخر مختلف يخرجه من محيطة العربي ويربطه بالعالم المتحضر الذي ثبت بحكم التجربة نجاح نمط حياته وتفكيره ومشروعه السياسي، وحاول نوري سعيد البدء بهذا المشروع عن طريق عقد التحالفات والمعاهدات مع بريطانيا واميركا، ولكن كالعادة تحركت عقد التدمير الذاتي لدى العراقيين وكذلك الموجودة لدى الشعوب الشرقية بصورة عامة، وهاج الغوغاء والعملاء ضد ه.
المثير للأستهجان ان من أتهم نوري سعيد بالخيانة والعمالة هم أنفسهم عملاء، فالشيوعيون كانوا تحركهم روسيا ضد سعيد وتحالفته مع المعسكر الغربي، والقوميون كانوا تحركهم مصر، اضافة الى الغوغاء الذين ينعقون مع كل ناعق، فجميع خصوم نوري سعيد كانوا أدوات عميلة تحركهم جهات خارجية ومع هذا وبكل وقاحة تشدقوا بالوطنية والشرف.
حينما أرى تكالب تركيا للانضمام الى الاتحاد الأوربي أتساءل : لماذا لايخرج أحد في تركيا ويتهم الطبقة السياسية بالخيانة وبيع تركيا الى أوربا. وما الفرق بين مشروع نوري سعيد وتحالفاته والمشروع التركي، ولماذا لاتتهم الطبقة السياسية في اليابان بالخيانة ويتهم الشعب الياباني بالجبن لأنه قبل بوجود قواعد عسكرية أميركية، ولولا علاقة اليابان بأميركا والغرب هل كانت ستحقق هذه المعجزة في التطور الشامل؟
لقد أضاع العراق الفرصة على نفسه، وقتل نوري سعيد، وبدأ عصر الأنقلابات الدموية والخراب، وأنتهى الى كارثة المحاصصة الطائفية والقومية، واصبح الساسة يمارسون الخيانة الوطنية علنا بلا خجل وهم يسافرون الى دول الجوار يستجدون دعمها لهم مقابل بيع العراق ومصيره والتفريط بثرواته وأنتهى كل شيء، وهذا هو الفرق بين علاقة نوري سعيد بأميركا وبريطانيا من اجل مصالح العراق، وبين علاقات هؤلاء الساسة من اجل مصالحهم الشخصية والحزبية.
أكرر: العراق منذ 700 آلاف سنة وهو في حالة تراجع مستمر ومصائب متتالية... فلماذا لانجرب نمطاً أخر من الحياة ونستفيد من تجارب الدول الناجحة ونربطة بأميركا وبريطانيا وفرنسا والمانيا واليابان؟
يالفجيعتنا بهذا الوطن... وبأنفسنا أيضا !!
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات