كم يخدعنا سياسيو العصر بالتكاذب. فالاحداث الاقليمية بقدر تمايز أماكنها ومواقيتها بقدر ما تتشابك تفاصيلها، وفي قمة مأساة واقعنا الجيوسياسي quot;الشرق اوسطي quot; الذي لم نختر يومًا الولادة فيه او العيش على مساحته الجغرافية، نجد أنفسنا مضطرون لتجرّع الشّدة في موقفٍ يصبح معه الحليم حيرانًا.

وفي غيبوبة آلام العنف الممتد من السودان الى افغانستان ومن ايران الى لبنان وما بينهما منquot;ممالكquot; لم تهدأ يومًا يبقى سؤال محوري من قلب الإنسانية ينبعث: متى من أتون الصراع ننعتق وقد سئمنا quot;نظرياتquot; وتجرعنا ما يكفينا من quot;النكباتquot; ؟! وماذا عسانا فاعلون في ظلquot;أنظمة quot; لم تُعمِل الديموقراطية يوما ولم ترع في الانسان حقًّا، وفي ظل quot;سياسات دول اقليمية quot; لها حساباتها ومصالحها؟

نعم سئمنا كل شيئ: سئمنا تكرار المكرر.. مللنا مقالات ونظريات ووصفات quot;فكرية quot; لأزماتنا، لقد شبعنا خطابات الادانة والشجب للمواقف quot;الاميركية quot; وquot;الاسرائيلية quot; كما شبعنا مقالات تعرض علينا ليل نهار quot;اطماع ايران في الخليجquot;.... فالانسان العادي لم يَعد مهتما لا بمستوطنات اسرائيل وعنفها ودمويتها، ولا بجبروت الولايات المتحدة و بلطجتها، ولا بإيران وحسابات نوويِّها ! فيما شرور جميع المحاور السياسية تطحن الانسان طحنًا ولم تقم للأخلاق وزنًا.

نعم ليس بوسعنا عزل العمل السياسي عن حياتنا بحالٍ من الأحول وعن اوجه معاشنا الاخرى، فالعقل البشري ليس مقسما الى دكانين منفصلة احداها اجتماعية واخرى اقتصادية،فكلها تتفاعل فيما بينها ولا يمكن ان نفصل الاخلاق عن الشأن العام بما فيها السياسات الخارجية، وان كانت معظم السياسات الدولية والمحلية الحالية عارية عن كل اخلاق، مما ينذر بانهيار الحضارة الانسانية برمتها.

ان مبدأ المنفعة والاستهلاك و الجبروت أدى الى اختلال عظيم في توازن سيرورة الحضارة البشرية كما غيّر في منظومتنا البيئية، وما الكوارث الطبيعية الا مؤشر عن محاولة الأرض لاستعادة توازنها البيئي من جديد. وربما كثرة الحروب مؤشر على ان الحضارة الانسانية آيلة للأفول، فربما quot;انسان العصرquot; لم يعد جديرا بنقل المروث البشري بعدما تجرّد من انسانيته لأجل انانيته.

الأوان قد فات حقًا، ونقف بصمت نتأمل واقعٍ بئيس ونتمنى ان يتحلى قادة الدول بالحكمة والأخلاق ويقدموها على حساب اي مصلحة كانت بما فيها المصالح الاقتصادية والامنية والسياسية والعسكرية....وغيرها من الذرائع التي يتخذها السياسين شعارات كquot;الوطنية quot; وquot;الأمن القوميquot;، وندعوهم للحظة تأمل يمارسون فيها تمام انسانيتهم ويتبصرون فيها حال quot;أخلاقهم quot;.

وان كنت قد اشرت في اكثر من موضع الى ضرورة فصل quot;الدينquot; عن عمل الدولة، فإنما عنيت به تحييد quot;اسقاطاتquot; رجال quot;الدينquot; ممن منحوا انفسهم صلاحيات منح صكوك الغفران وفرض المفاهيم والتفاسير quot;الجهادية quot; وادخلو البشرية في خرم تقسيماتهم العقدية، تمامًا كما ادخلنا رجال quot;السياسة quot; في ضيق تقسيماتهم الجيوسياسية تحت مسميات متعددة بحجة تقسيم جغرافي او ذريعة quot;وطنيةquot;...
تحاشيت في الآونة الأخيرة كتابة المقالات السياسية المباشرة، وهذا حال كثيرين ممن يتلافون الصراعات المؤدلجة الفجة ويأنفون السجالات السياسية وتنظيراتها، فلعل فاعلية الفن والادب تترك في النفس سحرا لا تتركه مقالات المواقف السياسية واصطفافاتها الطائفية.

http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/