احترام حق اختلاف الاخرين في الفكر والمشاعر والسلوك... يعني الاعتراف بالفروق الفردية للانسان وتميزه الوراثي والبيئي والعقلي والنفسي والثقافي... ومما يؤسف له ان أكثرية أفراد المجتمعات الشرقية حتى الذين يعيشون في الدول الغربية المحتضرة لايحترمون حق الاختلاف، ونقصد بالأختلاف المشروط بعدم التعدي على حرية وحقوق الاخرين، وبالمجتمعات الشرقي جميع القوميات والأديان.

والشرق مكانا، وافرادا، وجماعات، ومؤسسات، وثقافة... عبارة عن سجن كبير تُسحق فيه فردية الانسان وتُذوّب بالأكراه والأجبار وفق أهواء ورغبات العائلة والعشيرة والطائفة والقومية والمجتمع، وتلغى ملامح الفرد الأصيلة، وتُنتهك أستقلاليته، ويُصادر حقه في التعبير عن فرديته، ويتم دمجه ( في القطيع - الجماعة ) منذ ولادته لغاية مماته!

وويل للفرد في المجتمعات الشرقية اذا ما حاول التمرد على قوانين القطيع - الجماعة، وممارسة حقه في الاختلاف والتعبير عن افكاره ورغباته ومشاعره وأحلامه الخاصة به.. فكل من تسول له نفسه الخروج من سجن الجماعة سيكون بأنتظاره الجحيم على الأبواب ويتم تدميره بشتى أنواع الأساليب الهمجية كالتسقيط الأخلاقي، والتكفير، و التخوين، وصولا الى التصفية الجسدية والقتل!

في المجتمعات الشرقية يبدأ مسلسل جرائم القمع من العائلة التي تقمع وتجرح مشاعر الطفل الذكي الذي يسأل كثيرا ويحاور أفراد أسرته، بل الكارثة ان مثل هذا الطفل الذكي المستقل يُتهم من قبل عائلته بأنه طفل غير مؤدب مع الكبار ولايلتزم بأدب الصمت في حضورهم، وهكذا يستمر مسلسل القمع في المدرسة والعشيرة والمؤسسة الدينية والسياسية وعموم المجتمع.

فهذه المجتمعات لاتعترف بوجود الفروق الفردية بين البشر، وتريد أستنساخ كل الناس على شاكلتها وتمحي ملامحهم الفردية، وفي مجتمعات ليس لديها ثقافة ادراك وجود فوارق وراثية وبيئية وثقافية... وفي مجتمعات تغيب عنها الحرية الفردية، وحتى لو عاشت في الدول المتحضرة في أوربا واميركا فأنها لاتستطيع التخلص من موروثها الشرقي وتطهير نفسها بقيم حقوق الأنسان، ومفاهيم العقل والعدالة... هذه المجتمعات هي مقبرة تدفن فيها الحريات الفردية، وحقوق الانسان، ويُصادر فيها حق الأختلاف.


والسؤال : لماذا هذا التعامل الهمجي مع حق الأختلاف الطبيعي؟

أساس المشكلة سايكلوجي - نفسي.. فالشرقي يشعر بأهتزاز واضطراب مشاعر الأمان في داخله عندما يجد امامه شخصا ما يعبر عن نفسه بحرية وعفوية ويمارس حقه في الرفض والقبول والأختلاف... أذ يشعر الشرقي نفسيا بالنقص والإهانة لأن الطرف الأخر يختلف معه في الأفكار والسلوك، ويقع في أوهام الأعتقاد ان أختلاف الأخرين عنه هو رسالة موجهة له تخبره بأنه غبي وافكاره خاطئة، وبالتالي يفقد شعوره بالأمان النفسي والطمأنينة، وتبدأ في داخله ضغوطات وآلام وأوجاع مشاعر النقص التي تتحول الى كراهية وأحقاد، وتُترجم على شكل سلوك عدواني لفظي أو أعتداء جسدي وقتل للأخر المختلف مثلما تجري الآن الصراعات السياسية والقومية و الطائفية والدينية وجرائم الإرهاب!


[email protected]