العقلية العربية وبسبب غياب المعايير المنطقية، والأخلاقية، ومفاهيم حقوق الأنسان عنها.. هذه العقلية مجهزة بأستعدادات لقلب الحقائق والنظر للأمور بشكل اعتباطي غوغائي منفلت من أي معيار سوى الأستجابة للأحكام الجاهزة العدوانية، فالعقل العربي على سبيل المثال يصف حق أختيار الأنتماء لبلد معين والرحيل عن وطن المولد بالخيانة الوطنية وغيرها من الأوصاف، بينما الأمر وفق المقاييس الأخلاقية يعتبر الأخلاص والأنتماء لبلد الأختيار عملا في منتهى الوفاء والعرفان بالجميل للبلد الذي فتح ابوابه ووفر كل شيء لنا!
والفرق بين وطن المولد ووطن الأختيار.. هو في ان وطن المولد لم نختره نحن بأرادتنا الحرة وقناعاتنا، وقد تم فرضه علينا في لحظة قدرية لانجد لها تفسيرا حينما ولدنا فيه، وهذا الوطن ليس بالضرورة ان يكون ملائماً لنا في توفير حاجاتنا الأنسانية الأساسية، وكذلك ليس بالضرورة ان ينال أعجابنا والموافقة على تمضية العمر فيه، فهو وطن خرج لنا في لعبة مقامرة دون علمنا واختيارنا، بينما وطن الأختيار الذي نهاجر اليه ونقرر الأقامة فيه، والأخلاص والأنتماء له.. هو وطن تم أختياره بأرادتنا ووعينا، ومن الجميل أخلاقيا ان نشعر بالولاء والأنتماء للوطن الذي أستقبلنا ووفر لنا كل الفرص المفيدة والحياة الكريمة، ومنحنا حق المواطنة، فالولاء والأخلاص للوطن الذي نهاجر اليه ليس خيانة للوطن الأصلي، بل هو موقف نبيل يعبر عن الشكر والعرفان بالجميل.
حينما وصلت الى الولايات المتحدة الاميركية.. كنت مثل أكثرية الرأي العام العربي أحمل الأفكار الغوغائية المشوهة نحو أميركا التي بثت سمومها الأحزاب الشيوعية والقومية والتيارات الأسلامية، وشعرت بالصدمة والأستفزاز عندما وزع علينا دليل المهاجر الى أميركا قبل السفر بعدة أسابيع ووقع نظري على تعبير (( بلدك الجديد )) لم أستطع هضم المسألة ورفضت الفكرة في داخلي وانا معبأ بالدعاية الهمجية ضد أميركا المنتشرة في الوطن العربي، وبعد وصولي رفضت في بداية الأمر التقدم بطلب الحصول على الأقامة الدائمة والجنسية، وقررت العودة الى بلدي الأصلي حال تغيير نظام صدام الذي كنت معارضاً له، علما أمضيت بحدود 15 عاما ومازلت في الكتابة عن وطني الأصلي العراق والدفاع عن مصالحه، وبسبب كتاباتي النقدية هذه جلبت على نفسي كراهية وحقد جميع الأطراف السياسية في العراق، وأصبحت لاأستطيع زيارة أهلي خوفا على حياتي من القتل.
نقطة التحول التي زلزلت كياني، وأحدثت التغييرات الفكرية والدينية الكبرى في حياتي هي جريمة 11 سبتمبر الإرهابية التي دفعتني الى القيام بمراجعة نقدية شاملة نتج عنها الخروج عن أطار القومية العربية والأسلام، والأنطلاق الى رحاب الأنسانية.. عندها تمكنت من رؤية أميركا على حقيقتها وأكتشفت عظمتها وفضلها على الحضارة البشرية، ويكفي ان أميركا أهدت للأنسانية أختراعات الهاتف والطائرة والكهرباء والأنترنت وغيرها من الأختراعات والأكتشافات العظيمة.
وصلت درجة حبي لأمريكا وشعوري بالأنتماء اليها الى أنني صرت أشعر بالألم والفرح لكل محطات تاريخها منذ تأسيسها ولغاية الآن، فقد أصبح كل شيء أميركي يعنيني وجزءا مني، وقد جربت صدق مشاعري هذه أثناء خوض المنتخب الأميركي لمباراة كأس العالم الأخيرة بكرة القدم مع المنتخب الجزائري، فأثناء المباراة حدثت هزة أرضية وأرتجت طوابق العمارة التي أسكن فيها، وقررت الهرب بسرعة خوفا من سقوط البناية، وبينما أنا ممسكا بقبضة باب وقع نظري على شاشة التلفزيون ورأيت الفريق الأميركي مازال يواصل اللعب فقررت خلال ثواني سريعة البقاء داخل الشقة وعدم الأهتمام بالهزة والموت ومتابعة المباراة، وأكتشفت أن ما أحمله من مشاعر حب وانتماء لهذا البلد تجاوز الشعور بعقدة الذنب من جريمة 11 سبتمبر التي نفذها المسلمون، وان مشاعري هذه هي تعبير عن أختياري الحر في العيش والأنتماء وحب هذا البلد العظيم الذي أصبحت أحمل جنسيته ومواطنا فيه ولست عميلاً له، فما أقوم به من واجب الدفاع عن أميركا هو واجب وطني مقدس بالنسبة لي.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات