أن تكون مواطناً سوريّاً تطالب بالديمقراطيّة والتداول السلمي للسلطة والحريّات العامّة، فهذه جريمة يعاقب عليها القانون البعثوي في سورية على أنّها الخيانة، وتستوجب القتل، وبئس المصير!. وأن تكون ناشطاً سياسيّاً أو حقوقيّاً، تحت سقف تلك المطالب الجدّ وطنيّة، والجدّ معقولة، فتلك أيضاً جريمة وفق ذلك القانون البعثي!. وإذا كنت كرديّاً في سورية البعث _ الأسد، فهذه أيضاً جريمة، إذ لا أحد في سورية إلاّ العرب، ومن بين العرب، لا أحد إلاّ البعث قائداً للدولة والمجتمع، ومن بين البعث، لا أحد إلاّ حفنة تقود البلاد والعباد. وإذا كنت في سورية كرديّاً وناشطاً سياسيّاً أو حقوقيّاً أو ثقافيّاً، فهذه أيضاً من كبريات الجرائم والخيانات الوطنيّة. إذ كيف لك أن تكون خارج قطيع العبيد؟!. وإذا كنت من بين أولئك النشطاء الأكراد، تتبنّى أفكار أوجالان، وترفع صوره في نشاطاتك السياسيّة والقوميّة والثقافيّة...، فتلك جريمة الجرائم، والخيانة التي لا بعدها ولا قبلها، إذ أنّك تخرج عن قطيع النظام، وقطيع الأحزاب _ الحوانيت الكرديّة، وتصبح في مرمى دهاة الكتبة وعتاتهم، ممن إذا كتبوا عشر كلمات بالضادّ، سيكون بينها عشرين خطأ إملائي ونحوي وصرفي...الخ!. وفي الوقت عينه، ستكون في مرمى قبضات الأمن السوري ورصاصه، وأقلَّه رهن أقبيته البشعة!. وعليه، هذه هي لائحة الجرائم _ الخيانات التي يعاقب عليها قانون النظام السوري، وترّهات ولعثمات بعض الساقطين والسفلة من حثالة الكتبة، ممن يعتبرون أنفسهم أكراد سوريين!.
أحد هؤلاء الكتبة، أرسل لي، عبر البريد الالكتروني، ما يعتبره مقالاً، حول الجريمة الوحشيّة التي حدثت صبيحة يوم نوروز المجيد في محافظة الرّقة السوريّة. فلم استطع إكمال قراءته، في مثل هذه الظروف والمحن!، علاوة على سيل الاخطاء النحويّة والإملائيّة الواردة فيه حال دون إكمال القراءة!. والحقّ، أنّ العلَّة ليست في هذا البني آدم، بل كلّ الحقَّ على المواقع الكرديّة التي نشرت له سابقاً، فجعلته يتوّهم أنه كاتب!. لقد جنت بعض هذه المواقع بحقّ هذا المسكين، إذ خلّته يعيش ذلك الوهم على أنه كاتب، ظانّاً منه أنه حقيقة!. وليس هنا مربط الكلمة _ الجواد، وبيت القصيد.
يوما بعد آخر، يثبت النظام السوري أنّه جاني بحقّ أكراد سورية. ويوم بعد آخر، تثبت الحركة الكرديّة، دون استثناء، بأنها عاجزة ومشلولة عن ردّ إجرام هذا النظام عن الأكراد المدنيين العزّل!. والحقّ أن معرفة حقيقة النظام السوري وطبائعه العنصريّة وتطبُّعه، ليست بالكشف الخطير، إذ أن النظام الذي ارتكب المجازر بحقّ العرب السوريين، لن يرفّ له جفن وهو يسفك دماء الاكراد السوريين بدمٍ بارد. يوما بعد بعد آخر والنظام السوري يثبت لنا أنه في مسعى حثيث للانتقام من انتفاضة 12 آذار 2004 التي أطاحت بالاصنام والأوثان المغروسة في المدن الكرديّة السوريّة!. وبالتزامن مع مواصلة النظام مخطط تنشيف كردستان سورية من الاكراد السوريين، عبر القمع والحرمان من التنمية، واستهداف الشباب الكردي، حتّى هو يخدم العلم السوري والوطن السوري، بدأ هذا النظام يتّجه لاستهداف الاكراد الموجودين في المدن العربيّة السوريّة أيضاً. ولماذا الرقّة؟!. لأن الأكراد (غالبيتهم من عشيرة البرازي) ممسكون بعصب الاقتصاد في المحافظة!. وعليه، الدور آتٍ على أكراد حلب، وأكراد دمشق، قريباً، وقريباً جدّاً، إذا كانت الحال السياسيّة الكرديّة، ودون استثناء أيضاً، بهذه الرداءة والبؤس والنفاق والشقاق!.
يوما بعد آخر، يثبت النظام السوري أنّه لا يفهم إلاّ لغة الرصاص والاقبية. ويوما بعد آخر، تسرف الأحزاب الكرديّة، ودون استثناء، فالتعاطي مع النظام، بمنطق الهَرَج والمَرَج، والتسوّل والاستجداء، والشقاق والفوضى البينيّة الفارغة. يوما بعد آخر، يجرّ النظام السوري الأكراد نحو التطرّف. ويوم بعد آخر، يسير الأكراد السوريون نحو البؤس والفقر والبطالة، وتسير حركته السياسيّة نحو الميوعة والعطالة والعطب، ومن فشل إلى آخر. الحوانيت الكرديّة في سورية، لا تعرف اخذ الدروس، لا من انتفاضة 12 آذار، ولا من 20 آذار 2008، ولن تأخذ الدرس والعبرة من 21 آذار 2010 أيضاً.
يدفع النظامبشخص مفلس سياسيّاً ووطنيّاً، ومشتبه به، للعب دوره المعتاد، وغسل أيدي النظام السوري من دماء الشباب الكردي، على شاشة قناة quot;الجزيرةquot; وأطلاق تصريحات مضللة وكاذبة، هنا وهناك، والقول: إن الاحتفال بعيد النوروز كان رسميّاً في سورية؟!. أيّ احتفال؟ وأيّ رسمي؟!. ولماذا هذا التهافت على تنصيع وتبييض وجه النظام كرديّاً وعربيّاً وعالميّاً؟!. ألهذه الدرجة من الرخص وصلت دماء الشباب الكردي لدى البعض، في البازار السياسي بغية كسب ودّ النظام؟!. والأخير، لا يدّخر وسعاً في استخدام هؤلاء أبواقاً، وماسحي جوخ، ثم يرمي بهم الى مستودعاته، إلى إشعارٍ آخر؟!. مرٌّ ومؤسفٌ ومؤلمٌ جدّاً هذا الكلام، لكن، بلغ السيل الذبى، وآن أن نقول لهؤلاء: كفى متاجرةً وتزلّفاً رخيصاً!. كيف ليّ أن أزعم الكردايتي، أو الوطنيّة السوريّة وأنا أرى أبناء شعبي يُقتلون وينحرون ويعتقلون وهم جرحى، ثمّ اسعى، ولو بشكل غير مباشر، إلى تبرئة ذمّة النظام من هذه الجريمة.. كيف؟!. كيف لي أن أزعم الوطنيّة السوريّة، وأنا أسكت على مقتل أو اعتقال مواطن عربي سوري، مدني أعزل، وهو يحتفل بعيده القومي أو الديني أو الاجتماعي؟!. إذا كانت البطولة ليست بالتطرّف، فالوطنيّة والعقلانيّة والموضوعيّة ليست بالميوعة والدجل والمتاجرة بدماء الشهداء، والتزّلف من النظام، كيفما اتفق، وإطلاق تصريحات هوائيّة، كاذبة ومناقضة لواقع الحال، ولما جرى في عيد النوروز القومي الكردي، والوطني السوري؟!. ويا ليت ذلك التزلُّف كان نافعاً، وأدار النظام له أذناً صاغيّة، وكافأ المتزلّف على صنيعه البائس؟!. وعليه، هو تلزّف مجّاني، وهي عقلانيّة كاذبة، وكردايتيّة، تحت طلب النظام السوري، وقت العازة، وهي حتّى أسخف وأسوأ من كردايتيّة quot;TRT6quot; التركيّة!. ويبقى القول: من لا يحترم دماء شعبه، لن يحترمه شعبه، أيّاً كان ماضيه. ومهما كان الماضي وطنيَّاً مشرّفاً، فهذا، لا ولن يشرعن ويبرر الراهن المشبوه للمرء. الناس بماضيها وحاضرها. والتصالح بين الماضي والحاضر هو سرّ اكتساب الاحترام من العدوّ قبل الصديق. ومَن لا يحترمه شعبه، لن يحترمه عدوّه، مهما أوغل في التملّق والتزلّف من النظم التي تضطهد شعبه!. ومَن يهدس على رفاقه وتضحيات شعبه كي يحظى بنيل رضى النظام السوري، لن يحصل على مناله، وسيهدسه التاريخ، ويحشره في خانة العار والخزي والأزلام والأذلاّء.
في تركيا الأتاتوركيّة، المعروفة بسجلّها الوحشي في إنكار وسحق الاكراد، احتفل ملايين الأكراد بعيد النوروز. وحضر كاتب هذه السطور احتفال مدينة اسطنبول الذي حضره اكثر من 300 ألف كردي!. رفع هؤلاء الناس في عموم تركيا، من آمد وحتّى اسطنبول، صور أوجالان وأعلام حزب العمال الكردستاني، ولم يرفعوا صور أتاتورك وعلم تركيا. ولم تجبرهم السلطات التركيّة على رفع العلم التركي وصور أب الأتراك. هتفت الملايين بحياة أوجالان والكريلا، وطالبت بالحريّة للأكراد في كل مكان، في قامشلو ومهاباد وآمد وكركوك...الخ، ولم يُصاب كردي واحد في اسطنبول بخدش. بينما في سورية _ الأسد، يجرف الأمن أماكن الاحفتال، ويصادر أجهزة الصوت، ويعتقل الناس، ويقتل 3 من الشبيبة الكرديّة، ويصيب 41 كردي بجراح...، ثم يقول أحدهم: لأوّل مرّة يحتفل الاكراد السوريون بشكل رسمي بعيد النوروز؟!؟..... فعلاً هزلت!!.
أن مسلك النظام السوري في التعاطي مع الأكراد، عافه وتركه الأتراك، أو هم على وشك إعلان الطلاق منه، بفعل وتأثير النضال الكردي على مدى 30 سنة من الحرب والثورة والدماء والتضحيات الكرديّة. أن هذا المسلك لا يجد لنفسه مثيلاً إلاّ عند حلفائه من الملالي القتلة الحاكمين في طهران.
هكذا كان نوروز 2010 في سورية: بدماء الشباب الكردي، وبرصاص الأمن السوري، وأمام انظار العالم. فهل من منقذ؟!. وأخيراً: لماذا يجبر النظام السوري أكراد سورية على طرح التساؤل التالي: هل من المفروض على أكراد سورية أن يفعلوا ما فعله أكراد العراق وتركيا حتّى نجحوا في انتزاع حقوقهم من أنقرة وبغداد، كي ينتزع أكراد سورية حقوقهم من دمشق؟!.
كاتب كردي سوري
[email protected]
التعليقات