إذا كان هناك مسوغ سياسي في تنازل الكتلة العراقية عن موقع رئاسة الحكومة وهو حقها الدستوري وإستحقاقها الانتخابي لنائب رئيس المجلس الاعلى عادل عبدالمهدي المنتفجي، نكاية بنوري المالكي وسد الطريق عليه للعودة من جديد الى رئاسة الوزراء، فان الكتلة ترتكب خطأ سياسيا قاتلا اذا تنازلت عن رئاسة الجمهورية لجلال طالباني، لان الاخير أثبت شخصيا وسياسيا وميدانيا أنه لا يملك إرثا أو تراثا وقد قارب الثمانين من عمره، وقد صارت المجاملاتعنوانا له على إمتداد نصف قرن، والتقلب.

والسؤال الذي يطرح نفسه على أهل (العراقية) تحديدا هو: كيف ينسجم شعار (التغيير) الذي رفعته القائمة قبل الانتخابات وخلالها، مع التجديد لطالباني وهو الذي كرس نفسه وجهوده ضد جمهور العراقية وانصارها ومن ساندها وشجع على إنتخاب مرشحيها؟ والجميع بات على قناعة ان الذين فوَزوا العراقية وحصدوا لها أعلى المقاعد وهزموا نوري المالكي بكل امكاناته ومناصبه وسطوته وجوره، هم السنة العرب والتيار القومي ومجتمع حزب البعث، هذه حقيقة لا يملك أحد الهروب منها او تجاوزها. واذا كان مبررا لـ(العراقية) ان تلجأ الى إسلوب التاكتيك المرحلي، وهو مشروع في العمل السياسي، وتعمل على تغيير المالكي وإقصائه عن المشهد الحكومي والسلطوي لتنفيذ جزء من شعار التغيير الذي رفعته، فان من أولى مهماتها دحرجة طالباني الى خارج المسرح السياسي، لانه فائض عن الحاجة على الصعيد الشخصي، وغير مؤهل لاشغال منصب هو أكبر منه على الصعيد السياسي، ثم انه مختلف عليه من بيئته القومية ومنطقته الجغرافية ومكروه من أكثر الاطرف السياسية الكردية، فلا يعقل ان تخاصم (العراقية) حركة التغيير والجماعات الاسلامية الكردية من أجل سواد عيني جلال وأبقائه خصوصا وان السنوات الخمس المنصرمة التي كان فيها (رئيسا) اثبتت ذلك. أما ان يجدد له مرة ثالثة بعد ولايتين كئيبتين ومن قبل (العراقية) فان ذلك إهانة لعرب العراق وهم رأس العراق وعامود بيته، وإساءة للاكراد أنفسهم، كما ان الامر يشكل إجحافا للملايين العراقية الذي تحدت المفخخات في بغداد والحلة وقنابل القنص في الموصل وكركوك، وأقبلت على الانتخابات في السابع من آذار(مارس) الماضي واختارت مرشحين توسمت فيهم الحرص الوطني والاخلاص للعراق والدفاع عن وحدته وسيادته ضد الانفصاليين العنصريين وطلاب الأقلمة والفدرلة والتقسيم.

ان البيعة الانتخابية التي أعطاها جمهور (العراقية) لمرشحيها الذين فازوا ووصلوا الى قبة البرلمان - كما تسمى- هي عقد بين طرفين، وأي إخلال بشروط العقد وضوابطه من طرف العراقية يرتب عليه نتائج ليس في صالحها، فالجمهور الذي جاء بها ودعم منهجها وعبد طريقها وانتخب مرشحيها، لن يسمح لها ان تكون (رافعة) لشخص مثل طالباني ولن يقبل لها ان تكون بمثابة (غرفة إنعاش)، وبالتأكيد فان هذا الجمهورعندما إندفع وانتخب (العراقية) فانه كان يضع في أولياته تغيير نوري المالكي وجلال طالباني ولن يرضى بانصاف الحلول (إبعاد المالكي وإبقاء طالباني) وكأن المساعي التي بذلها جمهور (العراقية)على مدى قرابة عام متصل قبل الانتخابات وخلالها في إقناع فئات وقطاعات شعبية واسعة كانت عازفة ومقاطعة للانتخابات وتشجيعها على الذهاب الى مراكز التصويت، والجهود التي قدمها في تهيئة الاذهان وتقوية النفوس وتشديد العزائم وتوحيد الخيارات لانتخاب قائمة ليست طائفية ولا عنصرية، فيها العربي السني والشيعي والكردي والتركماني والمسيحي والصابئي واليزيدي، ستذهب سدىً، وهذه قضية لن تمر بسهولة كما يتوهم بعض القائمين على الكتلة (العراقية) أوالمحسوبين عليها، ممن يريدون تمشية الامور ولفلفتها بطريقة ملتوية.

ان الحل الامثل الذي يجب على (العراقية) ان تتبعه إذا قررت التنازل عن حقها الدستوري وإستحقاقها الانتخابي في رئاسة الحكومة المقبلة للسيد عادل عبدالمهدي، هو تسلم رئاستي الجمهورية ومجلس النواب، ومنح التحالف الكردي (حزبي طالباني وبارزاني) أربع حقائب وزارية لا أكثر حسب إستحقاقه الانتخابي، ومنح قائمة التغيير والكتلة الاسلامية الكردية حقيبة وزارية لكل منهما.

وليس دفاعا عن طارق الهاشمي ولكن من الانصاف ان يأخذ موقعه المناسب له ويتبوأ رئاسة الجمهورية، لانه ظهر في كثير من الاحداث كرجل دولة في موقعه وأدائه وسلوكه، وتصرف بوطنية وإيثار على عكس طالباني وما يحمله من عنوان سيادي ورمزية وطنية، فقد تعثر كثيرا في مهامه وأخفق أكثر في مسؤولياته وظل ذلك الحزبي الذي يقدم حزبه على الشعب العراقي العظيم، ويقدم منطقته على العراق، ومثل هكذا شخص لا يصلح ان يكون رئيس جمهورية بمساعدة من القائمة العراقية.

لقد تضرر العراق كثيراً كبلد مفصلي في المنطقة والعالم من رئاسة طالباني، على الاصعدة السياسية والدبلوماسية والتعاون القائم على المصالح المتبادلة مع الدول، وقد حان الوقت ليصبح منصب رئيس جمهورية العراق، راقيا وموقراً له صلاحيات يخدم من خلالها العراق من زاخو الى الفاو ومن مندلي الى الرطبة، يكون حصة للشعب باكمله وليس للحزب الذي يرأسه، وعلى اياد علاوي وطارق الهاشمي ورافع العيساوي واسامة النجيفي وصالح المطلك ما داموا في موقع قيادة (العراقية) ان ينتبهوا الى ان من جاء بهم وأوصلهم الى صدارة الفائزين في الانتخابات الاخيرة، قادر اليوم وغداً أن يطيح بهم إذا لم يلتزموا بما وعدوا الناس التي انتخبتهم، واول الوعود هو التغيير في المشهد السياسي الحالي الذي بات يئن من وطأة الفساد والاختلاسات والارهاب والمعتقلات السرية.