شيع في لبنان يوم أمس الثلاثاء جثمان احد ابرز مراجع الاعتدال الشيعي lsquo;السيد محمد حسين فضل الله lsquo;اللبناني الأبوين العراقي المولد والنشأة و الهوى lsquo; والذي كان قد توفي في يوم الأحد 22 رجب1431هـ الموافق 4يوليو2010م الماضي عن عمر ناهز الـ 74 عاما قضاها في معترك الحوزات الدينية و مشاق العمل السياسي في كل من العراق ولبنانlsquo; وقد خاض فضل الله معترك الخلافات بين تياري التطرف واعتدال في الطائفة الشيعية واستطاع ان يسجل اسمه في سجل القيادات الدينية و السياسية الشيعية التاريخية التي انتهجت الاعتدال والانفتاح على التيارات الإسلامية والمسيحية في لبنان والوطن العربيlsquo; وقد لعبا دورا بارزا في تكوين مدرسة شيعية جديدة تقوم على نبذ الغلو الى حد بعيد واستطاع كسب ود العديد من رجالات ومؤسسات الثقافة والسياسة الشيعية العلمانية في لبنان وخارجها lsquo; من خلال انفتاحه على الجميع بأسلوبه الحواري الذي اتصف بقبول النقد والابتعاد عن القطيعة مع الآخر الذي يختلف معه بالرأي . و بذلك فقد شكل فضل الله ظاهرة فريدة من نوعها في الساحة الشيعية رغم ما لقيه جراء ذلك من محاربة واسعة من قبل كبار المرجعيات الشيعية التقليدية التي رأت في وجوده وآراءه خطرا على الفكر الشيعي حسب زعمها حتى بلغ الأمر بتلك المرجعيات lsquo;واغلبها إيرانية lsquo; وصفه quot; بالضال المظل quot;lsquo; وذلك لنبذه الغلو وبعض الخرافات التي تشكل العمود الفقري الذي تستند إليه تلك المرجعيات لتحّكم بعواطف وعقول أتباعها. لقد كانت حوزة قم الدينية المؤتمرة بأمر المرشد الأعلى للنظام الايراني آية الله quot; علي خامنئي quot; من اشد الحانقين على فضل الله حيث شن عددا من مراجع قم ومنهم الشيخ quot; وحيد الخراساني quot; و الشيخ quot; علي الكوراني quot; والسيد quot; جعفر العاملي quot; و الميرزاquot; جواد التبريزي quot; فتاوى ضد السيِّد محمد حسين فضل الله تتهمه بضلال lsquo;حيث وصف ميرزا جواد التبريزي lsquo; فضل الله بأنّه ضال مضل ، وحرّم التعامل معه والترويج له ، وشراء وبيع كتبه ،كما أفتى بعدم علميته . أما السيد كاظم الحائري وهو من مرجعيات قمlsquo; وردا على سؤال لأحد السائلين من أتباعه عن علمية ومرجعية فضل اللهlsquo; بالقول ( السيد فضل الله ضعيف في مستواه الفقهي وبعيد عن مستوى الاستنباط والاجتهاد، وهذا الضعف هو السبب في تورّطه في بعض الأخطاء الفكرية ) . ويضيف الحائري حسب زعمه ( ان السيد فضل الله رجل مثقّف ثقافة عالية ولكن يوجد في أفكاره أخطاء كبيرة من سنخ قوله في كتابه (من وحي القرآن) بشكلية الشفاعة ويبدو أن تورّطه في الأخطاء الفكرية ناتج أيضا من ضعفه الحوزوي باعتبار بُعده عن مستوى الفقاهة والاجتهاد). كان هذا قيض من فيض ما صرح به مراجع حوزة قم بحق السيد فضل الله lsquo; أما في الساحة العراقية فقد تعرض فضل الله الى حملة اقل شراسة من تلك التي شنت عليه من قبل الحوزة القمية lsquo; فلم يعلن مرجع ذو مكانة موقفا علنيا ضد فضل الله وان كان الخطيب المنبري الشيخ quot; فاضل المالكي quot; قد شن حملة شعوا ضد فضل الله في بعض بلدان الخليج العربي ووصف بالسيد quot; البيروتي quot; و كذلك فعل الخطيب المنبري السيد quot; ياسين الموسوي quot; و الشيخ quot;جلال الدين الصغير quot; المعروف بغلوه وتطرفه الطائفي lsquo; فما عدى هؤلاء النفر لم يصدر أي مرجع أو رجل دين شيعي عراقي معروف رأياً معاديا لفضل الله lsquo; أما الخلاف الذي كان بين فضل الله وأسرة آل الحكيم lsquo;فهو خلاف سياسي نابع من تأييد السيد فضل الله لحزب الدعوة ودعم الحزب في خلافه مع المجلس الأعلى بقيادة الحكيم .

طبيعي ان الحملة العواء التي تعرض لها السيد محمد حسين فضل الله لم تكن لتجري لولا موافقة القيادة الإيرانية وعلى رأسها المرشد علي خامنئي lsquo; على الرغم من ان آراء فضل الله العقائدية و الفقهية التي تعرض بسببها لتشهير لم تكن حديثة فبعضها صدر منه يوم كان الخميني على قيد الحياة لكن لم يتجرأ أحدا على مهاجمته آنذاك لكون فضل الله كان من المقربين للنظام الايراني وكانت إيران بحجة إليه لإعطاء شرعية ودعما معنويا لحزب الله الحديث التأسيس وللمقاومة الشيعية التي بدأت تتبلور على يد حزب الله lsquo; فكان السيد فضل الله يوصف آنذاك بالأب الروحي لحزب الله ولم يكن فضل الله بعد قد طرح مرجعيته الدينية في الساحة الشيعية فكان دوره المرجعي مختصرا في وسط حزب الدعوة و حزب اللهlsquo;و حين خير من قبل إيران بين الحزبين فقد اختار فضل الله حزب الدعوة . وبعد موت الخميني طرح فضل الله مرجعيته الدينية والسياسية في الساحة الشيعية عامة مما اعتبرته القيادة الإيرانية تحديا صريحا لمرجعية المرشد quot; علي خامنئيquot; وعدم الاعتراف بولايته المطلقة التي يعبر عنها بولاية أمر المسلمين .


منذ مطلع التسعينيات وحتى وفاته أي لمدة عشرين عاما لم يقم فضل الله بزيارة واحدة لإيرانlsquo; و ذلك على الرغم من الدعوات التي كانت توجه له من قبل السلطات الإيرانية lsquo;حيث كان يرى فضل الله ضرورة ان تقوم القيادة الإيرانية بوقف حملة التشهير التي تشنها مرجعيات حوزة قم ضده قبل تلبيته لتلك الدعوات lsquo; وفي ذات الوقت كانت هناك جهات quot;ومنها حزب الدعوةquot; تحذره من زيارة إيران بسبب تخوفها من مكيدة قد يتعرض لها من قبل السلطات الإيرانية lsquo; ولكن مع ذلك فان المسؤولين الإيرانيين لم يقطعوا زيارتهم له حيث كل ما قام مسئولا إيرانيا ما بزيارة للبنان كان يعرّج على زيارة فضل الله و ذلك كنوع من ذر الرماد في العيون للتغطية على الخلافات الشديدة بينهم . ان عمق هذا الخلاف يمكن لمسه في الموقف المخزي الذي وقفته الحوزة الدينية في مدينة قم الإيرانية التي لم تكتفي بعدم نعيها وفاة فضل الله وإعلان الحداد حسب ما درجت عليها العادة في حال وفاة احد المراجع الشيعية lsquo; بل ان ستة من كبار مراجع تلك الحوزة و فور نشر نبأ وفاة فضل الله قاموا بترك مدينة قم وذهبوا الى مدينة مشهد هروبا من تلقي التعازي بوفاته.


أما تعزية خامنئي بوفاة فضل الله فكانت هي الأخرى أكثر خزيا حيث حاول خامنئي ان يظهر ان مرجعية فضل الله كانت محدودة ومختصرة على شيعة لبنان فقط lsquo; وذلك بحسب نص برقية التعزية التي نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية lsquo; حيث جاء فيها ( نعى سماحة قائد الثورة في رسالة التعزية العالم المجاهد آية الله السيد محمد حسين فضل الله رحمة الله عليه، معزيا أسرة الفقيد الکريمة وجميع مريديه ومحبيه في لبنان والجاليات اللبنانية في افريقيا و امريکا اللاتينية والشيعة في لبنان بهذا المصاب) lsquo;علما ان مقلدي فضل الله من الشيعة العراقيين والخليجيين وبعض الشيعة الباكستانيين والإيرانيين lsquo; يفوق عدد مقلديه من الشيعة اللبنانيين .


من المؤكدة ان وفاة السيد فضل الله سوف لن تكون نهاية لمدرسة الاعتدال والإصلاح الفكري الشيعي بقدر ما تفتح مرحلة جديدة لتطوير تلك المدرسة واستمرار المنهجية العقلانية التي تقدمت مع فضل الله والتي نأمل لها ان تتطور مع من سوف يخلفه lsquo; خصوصا وان هناك وجوه بارزة في مدرسة الاعتدال lsquo;من أمثال السيد عبدالله الغريفي والسيد محمد علي فضل الله والسيد علي الأمينlsquo; وغيرهم من زملاء و تلاميذ فضل الله قادرين على تطوير المنهج الإصلاحي وتقوية خط الاعتدال في الفكر الشيعي لإزاحة التطرف في المنهج الصفوي والعودة بمدرسة آل البيت الى منابعها الأساسية lsquo;الكتاب والسنية النبوية الشريفة lsquo; والتمسك بالمنهج الفقهي لمؤسسها الإمام جعفر بن محمد الصادق .


كاتب احوازي