لا شيء يمشي في العراق بصورة منتظمة و مرتبة و ممنهجه و متقنة بإحكام مثل مواكب اللطم و التعزية و التطبير و بقية المناسبات الدينية الأخرى و التي تشغل أجندتها التقويمية معظم الواقع الميداني العراقي، فبين كل مناسبة وفاة أو ولادة لإمام من الأئمة أو لصالح من الصالحين و الأخيار هنالك مناسبة ! و حيث تنشغل الأجهزة الأمنية و العسكرية للدولة العراقية ( الملصقة و المتهالكة ) بحماية الحشود البشرية و بتوفير وسائل المواصلات لها وبتهيئة بقية الأمور اللوجستية الأخرى حتى ليحسب المراقب للوضع العراقي بإن تلك الجماهير الغفيرة لا يوجد ما يشغلها أو يستنزف طاقاتها غير تلك الطقوس الدينية و التي تعدت بكثير حتى الدول ذات ألأنظمة الدينية الصارمة مثل إيران التي ينتج شعبها و يعيش الحياة و يمارس كل الطقوس دون أن ينعكس ذلك على أوضاعه العامة بصورة سلبية كما هو الحال في العراق؟ تصوروا حتى البرلمان العراقي فشل في عقد جلسته المنتظرة لمحاولة حل الإشكال الدستوري و محاولة طمطمة فضيحة عدم القدرة على تشكيل حكومة عراقية بعد أربعة شهور من الإنتخابات بسبب عقلية الهيمنة و التسلط و الصراع المريض على الكراسي ( الطايح حظها ) بين القوى السياسية العراقية الجوعانة والمتهالكة على السلطة و التسلط؟ و يبدو أن أهل البرلمان مشغولين بالزيارة الشعبانية لذلك فلا وقت لديهم يضيعوه لكي يحلوا مشاكل الشعب العراقي ( التافهة )؟ في الأمن و الطاقة و الحياة!

لقد تحولت الديمقراطية الرثة السائدة في العراق للأسف لعمل تعويقي كبير، و تشوهت المفاهيم الديمقراطية بالأيدي العراقية بطريقة تاريخية غير مسبوقة و أثبت العراقيون و بما لا يدع مجالا لأي شك على مصداقية نظرية العقيد معمر القذافي في الديمقراطية كما ورد في ( الكتاب ألأخضر )؟ حينما وصف الديمقراطية بالتدجيل و الدجل!! ووصف الحزبية بالخيانة!!؟ على إعتبار الشعار القائل ( من تحزب خان )؟.. و هكذا أثبتت الأحزاب العراقية التعبانة مبدانيا صدق نظرية العقيد الجماهيري الخضراء! و بصورة ميدانية رائعة لا مثيل لها؟

بربكم.. هل تحرك عرق في ضمير الحكومة العراقية وهي ترى الإرهاب تتسارع خطاه في تمزيق ما تبقى من أشياء لم تتمزق بعد في العراق؟ ألا يمثل تفجير قناة ( العربية ) في قلب بغداد الحساس شيئا في العرف الأمني و المنهجي للحكومة العراقية؟ و إلى أين تسير القوى السياسية و الطائفية في العراق بالبلد وهي تسحبه من مصيبة لمصيبة و من كارثة لأخرى ومن حفرة لهاوية وهي تتصارع على المناصب و الإمتيازات فيما الشعب يذوي و يموت من الحر ليضع كل همومه و طاقاته في خدمة اللطم بدلا من البناء و تعويض سنوات الرصاص و الدمار و العذاب؟ لقد أثبتت النخب السياسية العراقية عن إفلاسها التاريخي وعن كونها مجرد تجمعات عصابية لا علاقة لها بأي عمل حداثي و عصري و بأن نوعية الديمقراطية المشوهة و الخربة في العراق ليست سوى وصفة سريعة و جاهزة لتمزيق العراق و تشظيته و الإجهاز عليه!!

تصوروا المهزلة الكبرى.. إنهم يطلبون ( من الحافي نعال )؟ أي أن المجاميع المتسلطة في العراق ببركات جنود العم سام و تضحياتهم و دمائهم باتوا يطلبون الحلول الديمقراطية من انظمة لا علاقة لها أصلا بالديمقراطية من بعيد أو قريب كنظامي دمشق!!! و طهران، و بالنسبة للنظام السوري فقد دخل على الخط العراقي بقوة وهو يحاول كما قال جمع الشمل و إنقاذ الديمقراطية العراقية!! بينما يمارس هو في الداخل السوري دكتاتورية سوداء لا نظير لسخفها و سقمها و إرهابها؟ كيف يطلب من فاقد الشيء أن يعطيه؟ و كيف يمكن للمرء أن يطلب غطاءا لستره من عريان؟ إنها المهزلة التاريخية الكبرى و قد تشكلت صورتها الكاريكاتيرية في العراق؟ أنظمة متأزمة تصارع من أجل البقاء تتدخل لحل المعضلة في العراق فيما العراقيون غارقون في أوهامهم وخرافاتهم وصراعاتهم التي لا تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها أو نشهد نهاية قريبة للعراق بفضل حماقات أبنائه و نخبهم السياسية التي لا تستحق أصلا صفة النخب لكونها مجرد عصابات مريضة و متخلفة تفرز إفرازات ضارة بالبيئة و التاريخ و الحضارة، لقد تدخل النظام السوري في القضية العراقية لأن الأدوات الحاكمة في العراق جميعها و بدون إستثناء مرتبطة بأجهزة المخابرات السورية سواءا تلك القوى القديمة المعروفة أو تلك التي أستحدثت و ظهرت بعد الإحتلال والنظام السوري يمارس راحة ستراتيجية كبرى وهو يسخر من الديمقراطية العراقية التي تحولت لمهزلة بعد أن بات يسيرها ضباط المخابرات السورية.. و المفجع في الأمر إن السوريين وهم يتطارحون الغرام الديمقراطي يمدون يد العون لرفاقهم البعثيين العراقيين في الشام من أجل تقريب يوم العودة!! أي أن السوريين قد باتوا ( يثرمون بصل براس العراقيين )؟ و تلك هي المهزلة؟ إذ كيف يطلب الحل من طرف هو بمثابة جزء مركزي و فاعل من المشكلة!!

لقد أثبتت الأحزاب العراقية التعبانة عن عقم الديمقراطية في العراق للأسف بعد أن إختلطت الفوضى بالخرافة بمؤامرات العملاء حتى باتت طهران و دمشق تقرران مصير الديمقراطية العراقية؟ فيالبؤس تلك الديمقراطية....؟


[email protected]