تتردد بصورة لافتة عبارة quot;بدو سيناءquot; على صفحات الصحف المستقلة والمعارضة في مصر، وبصورة أقل في الصحف الرسميةquot;القوميةquot;. والعبارة تثير التأمل، إذ قلما يوصف أهل الصعيد بأنهم فلاحون أو ريفيون، وأبناء القاهرة والاسكندرية وبقية المدن على أنهم حَضَر. توصف الفئة الثانية والثالثة باللفظ الصائب: مواطنون. أما أبناء سيناء(نصف مليون نسمة) فيجري وصفهم على أنهم quot;بدوquot;. ولو جرى استخدام هذا الوصف في حقل دراسات سوسيولوجية، أو حتى انثربولوجية عن أصول السكان- المواطنين لكان الأمر مفهوماً ومسوغاً.غير أن نعت شريحة واحدة تنتمي لجهة ومنطقة بعينها بهذا التصنيف يثير التساؤل. والأدعى للغرابة بعدئذ أن أبناء سيناء يرتضون هذا التصنيف الحصري لهم، ويرددونه بدورهم وبالطبع لغايات أخرى.
منذ أواخر عقد التسعينات يقترن ذكر بدو سيناء بحملات مداهمة لهم واعتقالات في صفوفهم ومواجهات مع الشرطة، وكذلك بحملات إفراج عن معتقلين منهم كما حدث في الأسابيع الأخيرة، وبلقاءات بين مسؤولي وزارة الداخلية وممثلين لهؤلاء هم في العادة رموز قبلية. وقد بدأت المشكلات الأمنية في الظهور بالتزامن مع موجة المشاريع السياحية في المنطقة، وبلغت ذروتها مع تفجيرات وقعت في فنادق شرم الشيخ السياحية.من الطبيعي أن تقوم حملة مداهمات واعتقالات مع كل إخلال خطير في الأمن، غير أن تلك الحملات لا تشبه ما يجري في بفية بلاد المحروسة. فلا يتم في سيناء استهداف تنظيم سياسي ما أو شخصيات معارضة ذات لون ما أخضر كان أم أحمر أم سواه. ولكنها أي الاعتقالات تتجه الى تجمعات سكنية او قبلية، ويتم توقيف أعداد كبيرة تتم غربلة أعدادها على مدى شهور وأحيانا على مدى سنوات. ذلك أنتج كما تحدثت تقارير صحفية متواترة وشبه متطابقة منشورة في مصر حالة من الاحتقان، تحت وطأة شعور بالتعرض المتكرر لعقاب جماعي، لم تتعرض له منطقة بعينها من قبل، ولا هو أي العقاب الجماعي وللحق من أساليب عمل السلطات المصرية.
وبالنظر لمحاذاة سيناء للحدود المصرية مع قطاع غزة ومع الدولة العبرية، فقد ثارت تقولات عديدة حول مصادر تسلح جماعات بدوية، وبرزت تسريبات أخرى عن مشكلات ناشئة تتعلق بالاتجار المخدرات.
لكن الثابت بعدئذ أن منطقة سيناء هي الأقل نمواً وتنمية وتواصلاً مع بقية انحاء البلاد. ليست هناك محطة تلفزيون محلية ولا صحف تصدر في تلك المنطقة ولا وجود لأحزاب حتى للحزب الوطني الحاكم، فضلاً عن بقية التنظيمات السياسية.. وليس هناك كما هو بادٍ مشاريع لتوطين السكان الرحل، وتأمين الخدمات الأساسية لهم. أي ان تلك المنطقة quot;متروكة على حالهاquot; كما في شعار لمدونة عن سيناء. باستثناء فنادق فخيمة على أطرافها تشهد على البؤس العام المحيط بتلك quot;الصروح السياحيةquot;.
تفاقم هذا الوضع أدى الى نشوء جماعات مسلحة تتحدى السلطات وتمنع وجود أجهزتها، وبات مطلوبون ينظمون مؤتمرات صحفية ويكشفون عن هوياتهم بصورة علنية. ومع ازدياد حدة المشكلات تشتد وتيرة المعالجات الأمنية، التي تؤدي بدورها الى حلول مؤقتة مع مزيد من التوترات، والدوران في دائرة مفرغة.
معلقون مصريون يرون ان مفاعيل اتفاقية كامب ديفيد بخفض الوجود الأمني الوطني في المنطقة، أدى الى خفض وجود أجهزة وإدارات الدولة التنموية، ونشأ ما يشبه الفراغ الذي كان من الطبيعي أن تملأه قوى اجتماعية محلية بقدراتها الذاتية ومحدودية خبراتها، وبالأخطاء الصغيرة والكبيرة التي يمكن أن تقع في ظل هذه الحالة.وأسوأها وربما أخطرها هو اعتياد غياب السلطة باستثناء الوجه الأمني لها، وتشبث السكان بسلطات بديلة وخاصة بعدما يلحظ رموز السلطات المحلية الامتيازات والمنافع التي قد تتوافر لهم سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة.
تمتلك المنطقة (نحو 61 الف كيلومتر مربع) حساسية خاصة، فقد سبق أن احتلها الاسرائيليون في العام 1956 ولم يلبثوا أن انسحبوا منها تحت ضغط أميركي آنذاك، ثم جرى احتلالها ثانية في العام 1967 وتم الانسحاب منها بعد 12 عاماً وفقاً لاتفاقية كامب ديفيد. وفي ضمير المصريين والعرب أن سيناء ارتوت بدماء أبطال الجيش المصري، وعانى ابناؤها مر لمعاناة من الاحتلال وتدهور مستوى معيشتهم المنخفض أصلاً. وبمتاخمتها لقطاع غزة والدولة العبرية فإنها تحتل مكانة شديدة الأهمية والحساسية في اية حسابات للأمن الاستراتيجي المصري. غير أن هذه هي أوضاع المنطقة وأبنائها بعد مضي ثلاثة عقود على استعادتها.
والخشية كل الخشية أن تتحول سيناء الى كعب اخيل يهدد الأمن القومي، اذا ما بقيت متروكة لحالها، وإذا لم يتم دمجها على جميع مستويات التنمية والاتصال الإداري ببقية المناطق وبسائر المواطنين،حتى لا تظهر في المستقبل دعوات او quot;اجتهاداتquot; تدور حول تمايز سيناء عن بقية أنحاء البلاد وتمايز أبنائها عن بقية أبناء شعبهم، بدعوى وجود ارتباط وامتداد لهم بقبائل خارج الحدود، والنفخ في دلالات الهوية الخاصة التي يغذيها البعض بحسن نية أو عن غفلة بمنح هؤلاء المواطنين صفة بدو سيناء لا غير، فلا هم مواطنون ولا هم مصريون طبقاً لهذا التصنيف المبتسر والمضلل.