لست في صدد الدفاع عن طارق الهاشمي او التطرق الى تفاصيل القضية التي أتهم بها، وانما أنا في صدد التطرق لأصل و جوهر الموضوع و القضية وهو نظام الحکم في العراق بعد سقوط البعث عام 2003.
البحث في جرائم النظام السابق، موضوع من السهل الشروع به، لکن من الصعب تماما الوصول الى نهاية محددة له، فهو موضوع طويل طويل(کعمر الاموات)، وقد کان أهم الاطياف و المکونات السياسية الحالية و أکثرها تضررا من النظام السابق، قد جعلوا من جرائم النظام السابق بمثابة قميص عثمان ولکن مع فارق کبير، إذ أن قميص عثمان و بعد أن أثار الفتنة قد نزل و أخفي عن الانظار، أما قميص عثمان العراقي، فقد بقي و سيبقى مرفوعا، لأنه کان و لايزال ورقة التوت الوحيدة التي بإمکانها إخفاء العورات البشعة لهذه الاطياف المتلاعبة بالالفاظ و الکلمات و المتسابقة في الفساد و الکذب و التزييف و التحريف من أجل مآربها و أجندتها الضيقة الخاصة.
رئيس الوزراء نوري المالکي الذي يمثل رأس حربة الطيف الشيعي و هو على رأس zwnj;أهم و أکبر و أقدم تنظيم سياسي شيعيquot;حزب الدعوةquot;، مستعجل من أمره جدا و يلقي تصريحات الکثير منها على عجالة مفرطة بحيث يخلط فيها بين ماهو محق و ماهو باطل، هو يريد أن يبدو بمثابة بطل اسطوري للشيعة العراقيين، لکنه في الواقع الامر سينتهي کما إنتهى أبو موسى الاشعري في مسألة التحکيم و سيظهر ليس ضعيفا وانما حتى هزيلا أمام السياقات التي ستظهر على أرض الواقع و التي هي بالتأکيد أکبر بکثير من الحصان الايراني الذي يراهن عليه بکل مايملك من رصيد.
المالکي الذي فجر أزمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، بإهتهامه بضلوعه في عمليات إرهابية، يبدو أن الزعيمين الکرديين قد إحتضنا الهاشمي وکأنهما قد عثرا على کنز مفقود، وهما يسعيان لتدبيج عملية (المحافظة عليه) وکأنها إنتصارا للحق و العدالة لکن الحقيقة و الواقع غير ذلك تماما، إذ مثلما أن نوري المالکي قد قام بلعبة هي أشبه بمکيدة ضد الهاشمي، فإن الطالباني و البارزاني قد قاما أيضا بلعبة أخرى بهذا السياق وان أختلفت الاهداف و الغايات في نهاية المطاف.
السنة العرب، أو حکام العراق الفعليين منذ تأسيس الدولة العراقية في عام 1921، يجدون في قضية إتهام طارق الهاشمي من جانب غريمه نوري المالکي، فرصة ذهبية لکي يسلطون الاضواء على الظلم الفاحش الذي يتعرض له السنة العرب على يد (الرجل القوي) في العراق، و يحاولون منح تلك القضية حجما أکبر منها، ولذلك فقد طفقوا يطبلون و يزمرون للهاشمي و بمختلف الطرق و السبل حتى يکادوا أن يحولوه الى رأس الحربة التي ستزيح المالکي عن (عرش صدام) الذي يبدو أنه في صدد إجراء ترميمات مطلوبة و مناسبة عليه کي يعود للعمل باسلوب و آلية جديدة في الظاهر لکنها في المضمون هي ذاتها!
الموقف الرسمي الکردي من قضية الهاشمي و رد الفعل السني العنيف، و الاستهجان الدولي الذي قوبل به تصرف المالکي، و ماطرح خلال الايام السابقة من إحتمال عودة أبراهيم الجعفري لکرسي رئاسة الوزراء، کانت بمثابة عين حمراء للمالکي و الذي يبدو أنه قد فهمها و استوعب المطلوب فسارع لکي يعيد التحقيق في قضية الهاشمي بدعوى أن قضية الاتهام قد جريت من من قبل قاضي واحد!
المفروض أن طارق الهاشمي متهم بضلوعه في عمليات إرهابية، لکن، لو تسنى للجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق إجراء تحقيق بخصوص دور القادة السياسيين العراقيين من مختلف الاطياف و الاعراق في قضية الارهاب (وحبذا لو يحدث ذلك في الواقع)، quot;ولندع الفساد جانبا فهو أم المهازل العراقية في العراق اللاجديدquot;، فإن النتائج ستکون حتما کارثية، وعندها فإن طارق الهاشمي الذي يحاول الاعلام العربي بشکل خاص إظهاره و کأنه (مريم المجدلية)، لن يکون هناك من يرميه بحجارة حيث أن الجميع مثقلون و متورطون بهذه القضية، وعندها ستعود الاوضاع الى المربع الاول و کما يقول المثل العراقي(تيتي مثل مارحتي جيتي)!
الذي يجري على المسرح العراقي، هو عرض ممل ولکن مکلف لمسرحية فاشلة من أساسها، و کل الممثلين تظهر الرکاکة و الإفتعال المفرط على أدوارهم، لکن الابطال الثلاثة الرئيسيين، و الذين يمثلون ثلاثي أضواء المسرح السياسي في العراق، هم بحق ثلاثي أضواء مسرح مظلم لم تنجح أضوائهم المنکسرة و المتداخلة في بعضها في إنارة ولو جزء صغير منه!
التعليقات