سعادة الحظ وتعاسة ليست مرتبطة بالذكاء والإجتهاد وإقتناص الفرص فقط. بل هناك عوامل غيبية قاهرة أيضا تتدخل لتعديل المسارات أو عرقلتها، فكيف تفسر عقيدة تناسخ الأرواح الى أسباب الحظ السعيد والتعيس؟ وأيضا لعل هذا يجيب عن تفسير سر هذه العلاقة القوية الحميمة بين الإنسان وبعض الحيوانات والحشرات وإهتمامه الغريب بها، اذ ربما هو حنين لاشعور من الإنسان لحياته السابقة معها. وكلنا يلاحظ كيف تتشابه تصرفات بعض الحيوانات مع سلوك البشر، فهذه الحيوانات هي عبارة عن إنسان ممسوخ يقضي فترة عقوبته ومازال يتمتع ببعض صفات البشر. أقترح على الذين لايقتنعون بهذا الكلام عدم رفض أي شيء يتعارض مع قناعاتهم أو يجهلونه، ومن الأفضل بدل النفي والرفض الإطلاع عليه ودراسته، فنحن لانعرف كل شيء عن الإنسان والحياة والكون، ومازالت الكثير من الأسرار الغامضة التي لانعرفها.
بداية تقوم فلسفة عقيدة تناسخ الأرواح على فكرة العدالة، فالمبرر المنطقي الذي منح المصداقية لهذه العقيدة هو إجابتها عن سؤال: عدالة الله، اذ ليس من العدالة ان يخلق البشر في العصور الجليدية والكهوف والغابات ويتعرضون لأقسى العذابات، بينما نحن نخلق في عصر العلم والتقدم والرفاهية، وليس من العدالة ان يولد إنسان في عائلة ثرية ومثقفة توفر له كافة مستلزمات السعادة، بينما يولد آخر في عائلة فقيرة متخلفة.عقيدة تناسخ الأرواح تجيب عن هذا السؤال الكبير: أين عدالة الله من هذا؟
فتقول: ان أرواح البشر تنقلت من جسد الى جسد بعد موتهم، وهذه الارواح تمر في كافة الظروف والازمنة والأمكنة.. بمعنى ان الانسان الذي خلق في العصر الحجري وتعذب في تلك الحياة.. روح ذاك الانسان إستمرت في التنقل من جسد الى اخر وقد تم تعويضها عن تلك الحياة الصعبة بحياة جميلة ممتعة اذ من الممكن ان نجد انسان الغابات والكهوف يعيش الان في لندن وباريس ونيويورك مرفها ومستمتعا بالحياة بعد انتقال روحه الى جسد احد ابناء هذه المدن، وان الفقير المعذب سيخلق مرة أخرى في كنف عائلة ثرية مالية وسيعش مرفها، ويحدث العكس من باب العدالة تحول الثري وصاحب المنصب الكبير الى شخص فقير بسيط في حياته اللاحقة من باب توزيع العدالة والتعرض لكافة أنواع الحياة، وهكذا يتم التعويض وتتحق العدالة بين جميع الناس، وان جميع البشر يعيشون متنقلين في كافة مناطق العالم، ويعتنقون كل الأديان والطوائف، وينتمون الى جميع القوميات والشعوب.
هذا فيما يخص عدالة الله وكيفية توزيعها على البشر.
اما بخصوص تأثير أفعال الإنسان على حظه السعيد والتعيس خلال مراحل حياته المتكررة بعد كل مرة يموت ويخلق من جديد، فإنه كل مايقوم به من سيئات سيعاقب عليه في حياته الجديدة اللاحقة، وكل ما يقوم به من فعل الخير والفضيلة ستتم مكافأته لاحقا أيضا. على سبيل المثال: من ظلم المرأة في حياته الماضية تجده تعيسا معها في حياته الجديدة وغير ناجح في الحب والزواج، ومن سرق واصبح ثريا سيعاقب بالتعرض للمشاكل بسبب المال، ومن تعرضت للظلم من النساء على يد الرجل سيتم تعويضها بحياة سعيدة مع الرجل، ومن أضطهد من قبل عائلته سيعيش في احضان عائلة جميلة وهكذا تسري عملية التعويض والعقاب.
وعقيدة تناسخ تذهب بعيدا في موضوع العقاب، وتتحدث عن عملية مسخ المذنبين والمجرمين والأشرار الى حشرات وحيوانات لمدة زمنية ثم بعد إنتهاء فترة عقابهم يعاد خلقهم كبشر، ولعل هذا يجيب على سؤال: عن سبب زيادة ونقصان أعداد سكان العالم، وعن سبب التشابه الذي نشاهده بين وجوه وسلوك بعض البشر والحيوانات والحشرات، اذ يبدو انهم لم يتخصلوا بعد من بقايا حياتهم السابقة التي قضوها في العقوبة.
وطبعا لابد من التحذير: ليس كل ماتقوله عقيدة تناسخ الأرواح صحيحا، وانما نحن نأخذ لب العقيدة الخاص بفكرة العدالة، والتفاصيل تظل غير دقيقة وليست هامة.
- آخر تحديث :
التعليقات