تنشر إيلاف مقالا لأحمد عبدالله موفد قناة العربية في مصر الذي القي القبض عليه الاربعاء وتعرض للضرب، قبل ان يطلق سراحه.


أولا الكل يعرف أن المعركة التي تدور الآن في مصر هي بين الرئيس مبارك وجيشه مدعوما من أمريكا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل وكافة الدول quot;الهيبوقراطيةquot; الكبرى وبعض الدول العربية ضد الشعب المصري الذي فعلا لا يريده. السؤال الأول: من سيحسم المعركة رغم عدم توازن القوتين عسكريا وسياسيا؟ الاجابة هي: إن الشعب يظل هو الأقوى وسينتصر لو واصل التظاهرات والاحتجاجات؟ أما السؤال الثاني الذي يطرحه الكثيرون هو: لماذا لم تصل رسالة الشعب الى الرئيس مبارك فيتنحى وينهي هذه المأساة وينقذ حياة الأبرياء بعد ثلاثين سنة حكم؟ الاجابة عن السؤال لها شقان: شق دولي وهو أن الغرب يريد مبارك تجنبا للاسلاميين خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر والخوف من تعاطف الشارع المصري مع الاسلامين ولو كان في وسعهم لزودوه بامدادات عسكرية لقمع انتفاضة الشعب: الآن لا حديث عن نظرية مؤامرة والعارفون بحقيقة الأمر يعلمون تماما أن أمريكا والغرب لم يحركوا ساكنا لتخفيف معاناة الشعب المصري ومنحه حقوقا انسانية وحرية وديمقراطية طيلة ثلاثة عقود كما أنهم أوقفوا دعم المنظمات المدنية وغير المدنية المطالبة بحقوق الانسان والتغيير الديمقراطي دعما لنظام ديكتاتوري يحميهم من الاسلاميين؟ فاسرائيل على عتبة مصر ولو جاءت حكومة مصرية غير موالية للغرب كان الخطر الأعظم. الخطر حقيقة أعظم لأمريكا واوربا واسرائيل لأن هناك فرصة لتعود مصر الى المصريين وهذا ما يخفيهم!
إن اسرائيل سمحت لمصر بدخول قوات عسكرية في مناطق محظورة في سيناء لحماية حدود اسرائيل من الشعب الغاضب حتى لو كان الهدف المعلن غير هذا، كما أن الغرب وعلى رأسهم أمريكا يمنح مبارك وقتا كافيا لعله ينجح في اخماد وقمع ثورة المصريين...
لكن ما قد لا يعرفه البعض هو أن شخصية مبارك وعناده مع شعبه هي أيضا السبب الثاني الرئيسي لتحدى مبارك للمصريين. علينا الآن أن ننظر في ماضي الرجل وشخصيته من خلال مواقفه وتصريحاته وأيضا رد فعله على التظاهرات الأخيرة...
تحليل نفسي لشخصية الرئيس:
بداية يبدو أن الرئيس مبارك فاته كل الاستعراضات العسكرية منذ مقتل الرئيس السادات أثناء واحد منها (يوم السادس من اكتوبر عام واحد وثمانين) وبعد أن ألغى كل العروض العسكرية تشائما منه. على أية حال قرر الرئيس هذا المرة أن يدير العرض بنفسه بل امعانا في اذلال الناس قرر أن يتم تصويره في غرفة عمليات القوات المسلحة التي غالبا لا يدخلها الا في حالة حرب والآن هو فعلا في حالة حرب مع شعبه الذي من وجهة نظره لم يكن وفيا لما قدمه الرئيس من تضحيات في حرب ثلاثة وسبعين ولا الحرية الكلامية التي منحه اياها ولا الخير الذي عم في عهده (من جسور ومدن جديدة والانترنيت وأجهزة الموبايل ومراكز التسوق وحرية اعلامية وسينمائية)... إنه شعب حقير غبي وغير ممتن يقلد التونسين بشكل همجي ولا يعرف مصلحته!...إنه شعب لا يعرف معنى الوفاء هكذا أتخيل ما يدور في ذهن الرئيس والا لماذا هذا التحدي وغضبة الناس من نظامه واضحة وضوح الشمس...؟
هذه الأفكار كانت أيضا أفكار رفيقه السادات في حرب 73 فرغم الفارق الكبير في شخصيتهما خاصة في مجال المناورات العسكرية والسياسية التي ميزت السادات أكثر بكثير من مبارك فإن العامل المشترك بينهما هو الغرور والعناد وعدم الاستسلام وهي صفات الرجل العسكري خصوصا في مصر فهو يرى أن الشعب لابد أن يكون وفيا له حتى آخر يوم في حياته...ولا يحاول أن يفهم أن الحياة بشكل عام لا تسير بهذه الطريقة... فالشعب يقدر الوطنية والبطولة والوفاء لكن لا يقدر استغلالها في الاستفادة من حكم البلاد خصوصا وإن حياتهم تزداد بؤسا وفقرا وبطشا من قبل أجهزة أمن الدولة على وجه الخصوص...
أولا كان المصريون يتمنون أن يشاهدوا استعراض القوة العسكرية للجيش المصري في ظروف أفضل ليجدوا ما يفخرون به على الأقل في ظل تطورات المنطقة العربية ...العرض العسكري هذه المرة لم يكن لبث الرعب في نفوس الأعداء بل لبث الرعب في نفوس الشعب الذي رأى طائرات عسكرية من طراز اف 16 أو اف 18 تحلق فوق سماء القاهرة لتحمي الوطن من الشعب العدو اللئيم غير الممتن لخدمات الرئيس...!
لم يفهم أحد استراتجية الرئيس ولا خططه فهو يعلم تماما أن الجيش يسانده كما تسانده كل الدول الهيبوقراطية الكبيرة...كما تسانده وزارة الداخلية فهو معروف عنه عدم تغيير قيادات تلك الوزارارت الأمنية الا quot;للشديد القويquot;... ومن ثم هم يتمتعون بالقوة والنفوذ في مقابل حمايته وولائهم المطلق له...للأسف راهن الناس على حصان خاسر (الجيش) مهما كانت تصريحاته وهم لا يعرفون:
دعونا نأخذ خطوة الى الوراء أو نطبق فلسفة ديكارت في محاولة لفهم موضوعي لشخصية الرئيس مبارك ربما نفهم ما فشلت عقولنا وعقول الملايين داخل وخارج مصر في فهمه وهو باختصار: لماذا يتحدي الرئيس شعبه؟ وسألت نفسي: هل يحمل الرئيس ضغينة تجاه الشعب المصري: دعونا نرجع الى الوراء قليلا:
عندما تولى الرئيس مبارك السلطة بعد مقتل السادات في عام واحد وثمانين قال في خطابه إنه حزين كل الحزن لمقتل السادات وسعيد كل السعادة بثقة الشعب فيه لتولي الحكم ثم قرأنا على صفحات الأهرام والصحف القومية عناوين ريئيسة وغير رئيسية تقول: إن الرئيس طلب ألا يعطل موكبه المرور في شوارع القاهرة ثم قال إنه لا يريد أحد أن يتحدث عن السيدة الأولى وهكذا كانت بداية الرئيس بداية أعجبت الناس الذين تعودوا على quot;عنجهية الساداتquot; وأخيرا جاء رئيس مصري يشعر بنبض الشعب... سرعان ما دخل الرئيس في سلسة من الزيارات المفاجئة (المعدة مسبقا!) وتحولت زيارته الى منتدى اجتماعي تضحك وتبكي الناس في آن واحد ووزع الرئيس تصريحاته السياسية والاقتصادية وهو يسير في الطريق وذاكرة المصريين تعج بتلك المواقف التي انتشر الكثير منها خارج مصر وداخلها: كأن يسأل سيدة (عندك أولاد يعني متزوجة؟) أو يسأل مواطنا أثناء زيارة quot;مفاجئةquot; عن راتبه ورغم محاولات المواطن المتكررة تذكير الرئيس بأنه ليس مواطنا quot;عادياquot; بل من quot;طاقم حراستهquot; ألح الرئيس quot;الحاحا!quot; حتى اعترف المواطن الحارس الأمين لسيادته...! أو كأن يسأل الرئيس وزير الصناعة لماذا الثلاجات (المبردات) مرتفعة الثمن؟ فيرد الوزير بأننا نستورد قطع الغيار فيرد الرئيس: quot;طيب ما تصنعوها هناquot; ناسيا إن مصر لا تملك ماكينات التصنيع اللازمة لمثل هذه القطع أو ربما نسي الرئيس أن مصر ليس بلدا صناعيا!!! والا كانت من الدول المشاركة في قمة الدول الصناعية الكبرى! لكن الوزراء كانوا يعرفون وربما يتوقعون مفاجآت الرئيس الكلامية وتدخله في أعمالهم بشكل غير مدروس من أجل أن يبدو قريبا من الشعب!
أما أحاديثه عن الخيار والبطيخ وقطع الغيار الملزوقة بتف...ةquot; فهي موثقة في خطابات أمام مجلس الشعب... الرئيس تعجب من أكل المصريين للخيار في الشتاء بينما هو يأكله في الصيف والبطيخ الذي لم يشتريه الا عندما أصبح الكيلو باثنين جنيه! كما أن قطع الغيار quot;ملزوقة بتف...ةquot; وطبعا حذفها في المونتاج المونتير المخضرم صفوت الشريف... أما على الصعيد الدولي فحدث ولا حرج فالرئيس ذات مرة شبه القضية الفلسطنية بالحذاء في أحد لقاءاته الصحافية في الخارج عندما رد على صحفي قائلا: أترضى أن يخلعك أحد حذاءك بالقوة؟ وذكريات المصريين كثيرة تشوبها بعض التحريفات أحيانا، لكن ورغم روح الفكاهة التي يتمتعون بها فإنهم يفهمون مدلولات هذه المواقف على الصورة التي تترسخ لديهم عن رئيسهم...!!!
سرعان ما أخذت النكات المصرية طريقها الى شخصية الرئيس نفسه بدون مبالغة والكل يعرف هذا... لكن متى وقع التحول الكبير الذي جعل الرئيس يحمل ضغينة تجاه الشعب...؟
كان ببساطة عندما أخذ الناس يقارنون صورة احدى المنتجات الغذائية بصورة الرئيس وهنا وقعت الكارثة؟ بداية توقف بيع المنتج ثم استبداله بمنتج مماثل باسم آخر وشكل آخر...؟
طبعا لا يفخر أحد بما حدث ولا يجب أن يكون والرئيس من هنا كان لديه كل الحق فعيب كل العيب أن يقول المصريون مثل هذه النكات رغم أنهم معروفون بها وفي الواقع كان هذا رد الرئيس الذكي على صحفي أجنبي سأله مرة عن سبب رواج وصف المصريين له باسم هذا المنتج الغذائي! أثناء رحلة له في الخارج...!!!
رغم أن الرؤساء والشخصيات العامة أحيانا ما يلقون بالطماطم والبيض كما حدث مرارا مع رئيس الوزراء الأسبق توني بلير وغيره كثيرون، ففي عالم السياسة من يقبل أن يكون مسؤولا أو رئيسا يخضع الى المسائلة والمحاسبة والانتقاد والسب والشتم فهو حق عام للشعب والسبب بسيط لأنه ببساطة قبل بهذا المنصب ومن ثم فهو لا يقدم معروفا لشعب عندما قبل أن يحكمه!
تطورت الأحداث منذ ذلك الوقت ودخل الرئيس في حالة عناد مع الشعب منها مثلا تنحية وزير الداخلية السابق ذكي بدر والقصة معروفة وأتذكر الجدل على صفحات الصحف الشعبية والرسمية بنفسي...وعندما أقاله كان بفضل حسن تفكيره وقيادته الحكيمة لمصلحة الوطن وليس بناء على رغبة الشعب...
الكل يتذكر أيضا ثورة الأمن المركزي في عام ستة وثمانين وبعد أن أحكم الجيش قبضته توقع الكثيرون من وزير الدفاع آنذاك المشير ابو غزالة المحبوب من الشعب والجيش أن يعلن انقلابا سلميا ويتولى مقاليد الحكم لكن أبو غزالة كان أضعف من مبارك الذي لم ينتظر طويلا للاطاحة به...والاشاعات كثيرة في أسباب الاطاحة به بينما ظلت الحقيقة طي الكتمان!
ثم عمرو موسى الذي بالطبع فقد الكثير من مصداقيته بعد قبوله منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية...فعندما شعر الرئيس ومستشاروه أن موسى رجل ذكي ويتحدث بشكل كارزماتي يعكس نبض الشارع وقد يسبب له مشاكل مع أمريكا واسرائيل بل إنه حاز على اعجاب الشارع المصري والعربي سرعان ما أقاله من منصبه...طبعا هناك نظرية أن الأمريكيين والاسرائيليين لم يكونوا راضين عنه بسبب تصريحاته الجريئة وهذا صحيح بتوصيات من مسؤولين غربيين منهم مادلين أولبرايت... بالاضافة الى أغنية شعبان عبد الرحيم المعروفة quot; أنا باكره اسرائيل وأحب عمرو موسىquot;... فقضي على عمرو موسى الصوت الوحيد الجرئ القريب من نبض الشعب والذي تمناه الناس آنذاك أن يكون رئيسا!
موقف آخر مهم: رغم الحديث الكثير جدا جدا جدا عن تعيين نائب رئيس واقتراحات من هنا وهناك وهو مطلب دستوري لم يوافق الرئيس عليه الا quot;للشديد القويquot; مرة أخرى، أليس هذا عنادا؟
ماذا عن قانون الطوارئ؟ لا أريد أن اذكر مدى مطالبة معظم طوائف المتجمع ونخبه بالغاء قانون الطوارئ لكن الرئيس بعناده لم يعلق حتى على هذه المطالبات بعقل وحكمة؟ رغم أن الكل يعلم أن في مصر لا تحتاج الشرطة وأمن الدولة الى قانون طوارئ لتفعل من تريد في شعبها؟ ولا ننسى أن الرئيس بعدما تشاءم من مقتل الرئيس السادات في العرض اعسكري فألغى كل العروض العسكرية واصبح يحضر فقط أحيانا التدريبات والمناورات العسكرية للجيش فهو يشعر فقط بالأمان وسط جيشه... هو تشاءم أيضا لأنه عندما عين السادات نائبا له قتل ولذا لم يعين مبارك نائبا...
البديهي أن الرئيس مبارك قائد حربي والقادة الحربيون معروفون بقدراتهم على المناورة لكن ما يذهل الملايين أنه لم يجيد حتى فن المناورة وقت اندلاع الأزمات وهو ما يجب أن يتمتع به أي سياسي واداري جيد؟ مناورات تفيد مصلحة البلد! الرئيس واصل عناده على كل المستويات...
المواقف كثيرة جدا تكررت مع آخرين ولا داعي للخوض فيها لأنها كثيرة...
سأقفز حتى لا تملون الى خطابه الأخير...
الذي تابع خطاب الرئيس ربما لاحظ أن مبارك ذكَر سامعيه بمجهوداته في الحرب quot;حرب ثلاثة وسبعينquot;... اسمعوا الخطاب ثانيا حتى تتأكدوا بأنفسكم! اذن الرئيس لا يصدق أن ينهض الشعب ضده بعد كل هذه التضحيات التي قدمها للوطن!
إن quot;العرض العسكريquot; للقوات المسلحة في الشارع المصري (وليس أمام المنصة) مهما كان مديح الكثيرين لها يعكس شخصية مبارك التي لم يحللها الكثيرون بشكل موضوعي ...من يريد أن يفهم ما يدور الآن فليتذكر مواقف الرئيس منذ توليه الحكم في عام واحد وثمانين وعلاقته الوثيقة بالجيش:
شخصية الرئيس مبارك عنيدة تؤمن بالتفاؤل والتشاؤم ونظامي جدا، لا يجيد التعبير عن أفكاره، لا يحب القراءة ومن ثم يتابع الاعلام التلفزيوني أكثر...هو مثله مثل كثيرين من المسؤولين المصريين تتمتع شخصياتهم بما يعرف في علم النفس الاجتماعي بنمط quot; الشخصية الفهلويةquot; التي لها سلبيات وايجابيات لكن سلبياتها غالبا ما تطغى عل ايجابياتها عندما تتوفر السلطة المطلقة...
إن لمستشاري مبارك دورا كبيرا في المصير الذي يواجهه الآن لأنهم ملأوا رأسه بأفكار سلبية عن الشعب منها على سبيل المثال quot; ياريس نعمل ايه المصريين كده شعب يحب ياكل كثير نجيبله أكل منين بس؟ quot;تعداد السكان مشكلة يا ريسquot; quot;الناس لو اديتها متر تطمع في كيلومتر!quot; أو quot; دي طبيعة الشعب يا ريس، ماذا نفعل له؟quot; إن مستشاري الرئيس عزلوه عن النخبة المفكرة المحترمة التي تعكس نبض الشارع بشكل صحيح...
أما الارهابيون فهم أي أحد يعارض النظام وهكذا استغل quot;هذا الشعارquot; رجال الأمن...! الرئيس قرر أن يجعل الجيش، الذي هو واحد من أفراده، حاميه وصديقه وهذا ما فعل وترك الآخرين يعبثون بداخل مصر حتى عاثوا فيها فسادا... واستمر الوهم: وهم انجازات الرئيس الذي تحول الى قائد حرب 73 فجأة... وهم ILLUSION غالبا ما تغذيه طبقة المستفيدين والمستغلين وهي كبيرة جدا في مصر تصل الى الملايين وهي التي تحارب الشعب الآن في مصر مساندة لمبارك وجيشه وجهاز أمنه...إن ما يحدث يذكرني باسطورة: إن أرى الملك عاريا!!! من فرط الوهم وتصديق الحاكم لدائرة المستشارين المستفيدة من حوله سار الملك عاريا أمام موكبه ظنا منه أنه يرتدي أفضل ثوب قدمه له مستشاروه، فهل يمشي الرئيس الآن عاريا؟
الرئيس ذكي لكنه عنيد ويعرف ما يفعله في ضوء امكاناته وثقافته والأهم أنه يعرف جيدا أن الجيش سيحميه لآخر قطرة دم... حتى لو كانت القطرة من دماء شعبه!!! الرئيس السادات قتله الغرور والرئيس مبارك سيقتله مستشاروه ودائرة المنتفعين أو الأصح حقيقة إن مبارك سيقتله عناده!!!

أحمد عبدالله كاتب مصري