انها آنَة يتوقف الفكر فيها تمامًا أمام ضمير انسانية تعطّل!
اسبوع يمرّ داميًا تسيل فيه الدماء بالمئات وصمت رسمي عربي وعالمي يكاد يكون مطبقًا. وبالرغم من كل الجراح المشرّعَة على مصراعيها فإن مصالح quot;شركات النفط العالميةquot; و أصحاب quot;القواعد العسكريةquot; التي تلوّث بحار الارض تأبى ان تعلق على مجازر ترتكب بحق البشر هنا وهناك.

مروة كريدية

وان كنت يومًا لا أعوّل على quot;إنسانيةquot; الدول الاوروبية ولا غيرها ولا على quot;ديموقراطيتهاquot; لأن الدول - كلّ الدول ndash; تتعاطى مع الدول الأخرى وفق مصالحها التجارية والاقتصادية والسياسية بما فيها تلك المسماة quot;اخلاقياquot; مما يجعلها تكيل العدالة بألف مكيالٍ ومكيال.

تقف اليوم دول شمال المتوسط متوجسة مراقبة تغضُّ الطرف عما يحصل في الضفة المقابلة لا تريد ادانة مجزرة هنا او انتهاكا لآدمية البشر هناك، ولا ان تتدخل في أنظمة تضمن لها quot;حصتها النفطيةquot; وتكفيها شر فزاعة quot; الاحزاب الاسلاميةquot; لا سيما بعد ان لوح لها نجل القذافي بالامس بقيام quot;امارتين اسلاميتين quot;! ومن يضمن لها شرّ الا quot;سيف الاسلامquot;؟!
لاأريد تحليل الامر سياسيا وتبعاته وتداعياته فهذا أمر تكفل به أهله ويشبعونه عرضًا على شاشات الفضائيات، بيد أن انسانية الانسان تحتم علينا أن نقف أمام ذواتنا البشرية عراة عن كل معتقد ومذهب واتساءل :ألا تكفينا آدميتنا حتى ندين العنف والمجازر والقتل الدامي الذي سال ولا زال في ليبيا والبحرين واليمن...... أليس من حق الانسان الكرامة؟ اليس العصيان المدني أمر مشروع لرفع المظالم؟

لقد صمت العالم امام دماء البحرين بحجة ان القتلى تُحرضهم quot;ايران الشيعية الارهابيةquot; وتغاضت وسائل الاعلام عن المجريات حرصًا ومراعاة quot;للخليجquot; وخصوصية quot;انظمته السياسية quot; كما تم غض الطرف عن ليبيا والجرائم التي ترتكب فيها بغير quot;حجة معلنةquot;!

وحتى لحظة كتابة هذا المقال سقط في ليبيا مايقارب 250 قتيل بالرصاص الحي المضاد للطائرات بحسب منظمات انسانية كما تعرضت سيارات الاسعاف الى عرقلة عملها وسط تعتيم اعلامي فادح وفاضح في عصر الاقمار الصناعية.. فماذا بعد؟
نعم، لا نصير لقهر الشعوب الا وعيها ويقظة روح الحرية في دماء أبنائها!

واجد نفسي امام مقال كتبته العام الماضي بعنوان quot; العصيان المدني : تمرد العدالة على القانونquot; ان ما نواجهه بحق هو ثورة العدالة الانسانية على قوانين جائرة حيث يرى الانسان نفسه اليوم مضطرا للبحث عن خلاص فيما المجتمعات برمتها، ترزح تحت تراكم مزمن للمظالم وتجذرها العميق في بنية المجتمع وسلوكيات أفراده، سواء كانت تلك المظالم سببها المباشر أنظمة داخلية رديئة ام كانت مظالم خارجية سببها المحتل العسكري بقوة الحديد والنار وسفك الدماء او كان سببها القهر من مواقف quot;غض النظر quot; التي تمارسه الامم المتحدة تجاه القضايا الانسانية العادلة الأمر الذي دفع بالسواد الأعظم من ابناء تلك الشعوب نحو اليأس ودفعهم الى ما يشبه quot;الانتحارquot; مشرعيين صدورهم للهيب مدافع الانظمة ومتحديين في الوقت نفسه صمت الأمم !

يقول فال أولفييه :quot;إن شعبًا مستعبَدًا وخانعًا، سواء استعبده الخوفُ أم قنع بهزيمته، هو الحليف الأمثل للحكم الذي يضطهده. فالرأي العام يتعلم الخضوع، وعندئذٍ يترسخ لديه الشعور بالقَدَرية. عند ذاك لا يكون التمرد معارضةً للنظام فحسب، بل احتجاج على صمت العامة السلبي quot;
فتجذُّر المظالم هذا، يعود بالدرجة الأولى إلى قبول أعضاء المجتمع وتواطؤهم بل وقبولهم وتعاونهم مع مضطهديهم وقامعيهم.

إن عملية تقديم رؤية فكرية تحررية، تتمحور حول وقف الهتاف باسم laquo;الزعيمraquo; بالدرجة الأولى، ووقف عملية تمسيح الجوخ تجاه أي محتلّ تحت أي مسمى أو ذريعة، ومن ثم مواجهة التعاون الذي يمارسه معظم أعضاء المجتمع المتعاونيين مع الظلم القائم، لهو أمر يحتاج الى تصوّر فكري واستراتيجية عملية استطاع غاندي أن يقدمها لأبناء شعبه ممن ذاقوا الأمريّن من أوضاع أقل ما يقال فيها انها مزرية ولا إنسانية.

وإذا كان من الأهمية بمكان اعتماد استراتيجية عمليَّة سلوكية غير عنفية، فإننا ينبغي ألا ننسى عمل الروح والاخلاق في هذا السياق حيث أن فاعلية أي عملٍ لا تكتمل إلا عبر تحرر من بؤس النفوس وشقاء الأرواح، وانبثاق رؤية فكر تشع كالنور تؤمن بقيم العدالة وترتكز على كسر التعاون مع الظلم ومصادره ومكافحة شتى أنواعه، من خلال ممارسة ضغط اجتماعي وعملي، يُرغم laquo;المسؤولينraquo; وlaquo;صناع القرارraquo; و laquo;اصحاب النفوذraquo; على الاذعان والرضوخ لمطالب الناس العادلة، وذلك من خلال الرّفض الحاسم لأية مشاركة في اي وظيفة تؤدي ممارستها الى الحفاظ على موقع الخصم المتمسك بجوره، كما سيرغم اي محتل على الرحيل عندما يعدم امكانية ايجاد من يتعاون معه وييسر له مهامه.
لذا يتخذ اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضه، منها الصوم، والمقاطعة، ورفض الضريبة، والاعتصام، والعصيان المدني، والعرقلة اللاعنفية، والترحيب بالسجن إذ حصل، ورباطة الجأش أمام الموت.


ربما لا يسعنا كأناس لم ولن نتخلى يومًا عن انسانيتنا إلا نواكب ارواح المظلومين بأرواحنا مدافعين عن اي انسان مهما كان دينه او لونه او انتماؤه او عرقه مؤكدين حقه في العيش حرًّا كريمًا مساندين شعوبا رزحت أعواما في ظل طغاةٍ احترفوا الخداع.

http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com/