يفرز لنا التأريخ بين اونة واخرى شخصيات حاكمة لها من غرابة السلوك والتفرد والاحساس بالعظمة والتفوق على بني البشر ما يجعلها تعيش حالة من الانفصام والسادية والوحشية التي تتفاقم بمرور الوقت حتى تصل احيانا مرحلة الجنون وقد استطاع الكتاب والفنانين والشعراء ان يجسدوا تلك الشخصيات بأعمال ادبية وفنية اصبحت شواهد عبر الزمن ومواعظ للاخرين، ولكن يبدو ان البعض لا ينظر الى شواهد التأريخ قدرما ينظر لصورته في المرأة او ينظر اليها بعيون الحاشية والمريدين والمستشارين والزبانية الذين يحيطون به اولئك الذين يوهمونه بالعظمة والتفوق الذي يقوده الى مزيد من حب الذات والتمادي في الغطرسة وممارسة القسوة والجريمة، ولعل شخصيات امثال ماكبث، نيرون وكاليغولا نماذج لهؤلاء الحكام الذين اذاقوا شعوبهم مر الهوان ونجد اليوم العديد من الحكام العرب الذين اقتفوا اثر هؤلاء بل ان العض منهم قد تجاوز جرائم من سبقوه لقد شخص لنا البير كامو احد كتاب مسرح العبث في تناوله لشخصية كاليغولا ابرز سما هذه الحاكم المستبد فهو لم يكن مجرد طاغية في روما بل كان نموذاجا للشر وجنون العظمة والسادية في سلوكه وافعاله التي كانت خارج حدود سياقات العقل البشري وكاليغولا هو اخر اباطرة روما 27 ق م - 68 م وهو عم نيرون هذا الحاكم انفق الكثير من من الاموال في المجون والخلاعة والملذات وشادت لديه رغبة جامحة في تعذيب معارضيه، واشيع عنه انه قد تزوج من اخته روسيلا، وجعل من حصانه عضوا في محلس الشيوخ، ونفى وقتل اقرب الناس اليه
اما نيرون الذي جاء للحكم وهو بعم 16 عاما فقد كان غارق بجرائمه وافعاله الدنيئة ضد شعبه فقد قتل الاف من معارضيه كما ان اكبر جرائمه هي رغبته في حرق روما عام 64 م لاعادة بنائها، وفي الوقت الذي شبت النيراه في ارجاء المدينة والتهمت معظم احياؤها كان نيرون يتسلى بمنظر النار وهي تحرق الناس من الاطفال والنساء والشيوخ وصراخهم يتعالى.
ويقال ان النيران ظلت تشتعل لمدة اسبوع حتى انهت ثلثي المدينة هذا الامر ادى الى نقمة الناس عليه واتهامه بجريمة ماحدث لكنه اراد التخلص من ذلك والقى بالتهمة على المسيحيين الذين تعرضوا للاضطهاد والملاحقة والموت حيث كان يرمي بهم للوحوش الكاسرة في الملعب الكبير امام اهل روما الذين لم يرضخوا امام استبداد نيرون فشاعت الفوضى في البلاد مما استدعى مجلس الشيوخ الى اعتبار نيرون عدوا للشعب وامام فورة وتصاعد الاحتجاج والمطالبة بعقوبة نيرون اجبره ذلك الى الانتحار عام 68 م مخلفا وراءه الافلاس والدمار لروما العظيمة جراء تماديه في غطرسته وطغيانه والتلذذ بالقتل واراقة الدماء.
نسوق هذه الشواهد للحكام الطغاة من مجرمي العصر الحديث امتدادا من موسوليني،ستالين،هتلر فرانكو، بوكاسا، باتستا، بول بوث، وشاشسكو وعشرات اخرين الى ما نعيشه اليوم في عالمنا العربي المعاصر الذي اختلف فيه وعي الشعوب بفعل التطور الاتصالي واشاعة المعلومات وسرعة تبادلها وبالتالي التأثير على الرأي العام وقناعاته حيث لم يعد ما يفعله الحاكم واعوانه خافيا عن انظار الجماهير التي ادركت ما لها وما عليها وكسرت حواجز الخوف لتطالب الحكام بتحقيق مطالبها المشروعة وما تقره القوانيين الدولية والانسانية.
وما رأيناه في تونس وبعدها مصر والان في ليبيا التي انتفضت بوجه كاليغولا ليبيا لتلقنه دروسا لم يتوقعها بعد طوال اكثر من اربعة عقود وهو يتربع على عرش السلطة تحت مسميات اللاحاكم واللارئيس واللامنصب انما قائد الثورة وصانعها وصاحب افكار الكتاب الاخضر والنهر العظيم وسيد ملوك افريقيا وو..
ان اي مشاهد او مستمع ومحلل لخطاب القذافي سرعان ما يتذكر سلوك كاليغولا الذي كان يعتقد انه أله على الارض وانه القائد الاعظم، ويقابله القذافي بقوله انا المجد انا الثورة انا المقاومة انا شخص غير عادي.
لقد كان كاليغولا يعتقد انه لقادر على ان يفعل ما يريد ويحصل على مايرغب وهذا ماجعله يطلب الحصول على القمر، لكنه بالتأكيد عجز عن ذلك فشعر بالحزن والاسى وخيبة الامل وراح يبكي وينوح
وهذا مانلمسه في افكار حاكم ليبيا الذي يطمح ان يقود افريقيا و العالم بقاراته التي يعتقد انها قد ركعت لاوامره وسطوته
مارس كاليغولا ابشع اساليب العنف والاستبداد فقد كان يستحوذ على املاك الناس ولاسيما اثرياء روما الذي كان يقتلهم ويحرم ورثتهم من الميراث ليؤول اليه تحت ستار خزينة الدولة التي كان يتحكم بها كما يشاء ودون رقيب فقد كان هذا من حقه لانه كان يعتقد انه روما وخالقها وهذا ما نجد له رديفا في افكار القذافي الذي يعتقد انه باني ليبيا لوحده وهو المتحدي لامريكا وقوة الغرب واساطيلها وتناسى انه اهدر ثروة ليبيا وقدم التعويضات والاعتذرات جراء سلوكه الشائن في لوكربي ونوادي الليل الالمانية وتخليه عن برامج التسلح والمفاعل النووي وفتح باب الاستثمارت للشركات الغربية من اجل ان يديم البقاء على كرسي الحكم حسب مقولته التي طالما يتندر بها ان الديمقراطية تعني ( ديموا ألكراسي )
ان مازاد في تعقد سلوك كاليغولا واضطراب شخصيته هو ماكان يلاقيه من مدح ومبالغة ورياء وكذب من حوله من المستشارين والحاشية الذين اوهموه بالدهاء والعظمة وانه يفعل كل ماهو رائع ومفيد لقد كانوا معه في كل مافعله من تصرفات ومواقف كانوا يمتدحون افعاله ويهتفون لاقواله طمعا في المزيد من المكاسب والامتيازات وهو ما شاهدناه ونشاهده اليوم لدى الكثير من الحكام العرب ومن يحيط بهم من المنافقين واصحاب المواقع وهو ما شاهدناه في المشهد الذي راح فيه البعض من المنتفعين تقبيل يديه اثر انتهاء كلمته او في التظاهرات المؤيدة التي كانت تهتف بحياة القذافي في الوقت التي كانت فيه جثث الناس تملىء شوارع بنغازي والزاوية وطرابلس.
يقول كاليغولا- حين لا اقتل احدا يداهمني شعور بالوحدة والاغتراب، انا لا ارتاح الا بين الموتى - هاتان العبارتان تقربان لنا اليوم ذات الافكار التي يحملها وريث كاليغولا في ليبيا وتعطشه بوضوح للقتل والدم والتهديد والوعيد الذي امتلئت به سطور خطابه فقد ابان عن دواخله واحتقاره للشعب ووصفهم بأبشع النعوت متغافلا عن جلبه للعصابات والمرتزقة من نيجريا و تشاد والنيجر وايطاليا لقتل ابناء الشعب ومواجهة ثورتهم وقد شاهدنا هؤلاء كيف عبثوا ودمروا واباحوا حرمات مدينة بنغازي وكانت الصور التي عرضت هي خير شاهد ودليل، ومثلما فعل كاليغولا حين اغلق مخازن الغلال والغذاء بروما ليستلذ بمنظر الجوع الذي كان يعانيه اهلها مارس القذافي فعلته في قطع الاتصالات والامدادات عن المدن التي وقفت ضده ووعدهم بقطع الماء والكهرباء ايضا ان واصلوا الثورة ضده.
وجعل كاليغولا حصانه عضوا في مجلس الشيوخ وبتلك المناسبة اقام احتفالا دعى اليه الاعضاء وعمل مأدبة من العلف وطلب من الحضور ان يأكلوا منها بعد ان قال انه لشرف عظيم ان تأكلون مايأكله حصاني، وقد اذعن الجميع للطاغية واكلوا العلف الا واحدا كان اسمه براكوس الذي رفض الانصياع وخالف امر كاليغولا مما جعل الطاغية يغضب ويصدر امرا بتنحيه من منصبه، لكن براكوس خاطب اعضاء مجلس الشيوخ قائلا: الى متى يااشراف روما نقتل ونذل تحت جبروت كاليغولا ؟ إفعلوا مثلي كي تشتروا شرفكم المهان.
بعدهذه العبارات المؤثرة ثارت مشاعر اعضاء المجلس فنشبت معركة كبيرة ردا على اهانة كاليغولا فتجمعوا ضده وقتلوه هو وحصانه ولما سمع الشعب خبر موته خرجوا الى الشوارع ليدمروا تماثيله مهللين ومحتفلين بموت الطاغية.
ان كاليغولا شخصية مثيرة للجدل صاغها كامو ليعالج مسألة الحرية وكيف ينالها الشعب بعد تقديم التضحيات، فقد اختار حاكما مطلقا هو من كان يسن القوانيين وهو من يخرقها كما القذافي اليوم الذي يستند دائما بأقواله بعبارة - ان السلطة بيد الشعب - لكن في الحقيقة هو وابنائة من يمتلكون السلطة المطلقة بالبلاد
كاليغولا الذي كان يبحث عن المستحيل والذي تربى على مناظر الدماء والقتل، هو يشابه مافعله ويفعله القذافي اليوم وهو يقتل شعب ليبيا لانه قال لا للتسلط والاستعباد نريد التحرر من نظام اطبق وجثم على صدورنا لاكثر من اربعين عاما، فالقذافي يظن انه فوق ارادة العالم والانسانية لكنه في النهاية سينال ذات المصير الذي ناله كاليغولا وامثاله من الحكام المستبدين الفاسدين بفعل ارادة الشعب وقوة الحق وتضحيات الابطال ودماء الشهداء المقدسة التي اريقت على تراب الوطن من قبل مرتزقة القذافي واعوانه انها دماء الشهداء من اجل ليبيا وحريتها وكرامة ابنائها.
وسط حالات الاستنهاض والوعي للمطالبة بالحقوق وتجاوز حاجز الخوف،بعد ان طفق الكيل لممارسات بعض الحكام العرب هبت عواصف الاحتجاج والثورة والتغيير ولن تتوقف بعد هذه الانتصارات المتلاحقة، لقد حان الوقت ليكون الدور الى ليبيا الثائرة لتسقط حاكمها المستبد القذافي - كاليغولا خلال ايام قريبة.