غريبة تلك الأشياء التي تلاحظها عندما تعود إلى مكان إقامتك بعد غياب طويل.
كان الكريسماس في المملكة المتحدة أطول فترة غبت فيها عن مصر منذ سفري إلى بلدي في نوفمبر 2010 من أجل ميلاد ابنتنا الثانية ndash; بدت الأيام السبعة عشر زمنا طويلا. وعندما عدت لاحظت أن هناك الكثير من الأشياء الصغيرة التي قد تغيرت.
بدايةً، أصبح المرور عبر المطار عند الوصول أسرع وأكثر سلاسة وأقل فوضى من المعتاد. قسم جوازات السفر والهجرة أصبح أكثر نظاما.أساطيل السيارات الليموزين التي تستقبل كبار الشخصيات عند نزولهم من الطائرة كانت شيئا جديدا آخر، وربما يكون وجودها من بين الأسباب التي أدت إلى السرعة حيث قل عدد كبار الشخصيات الذين يسدون الطوابير للحصول على التأشيرات والأختام.
الطرق خارج المطار كانت غير مزدحمة (بالمقارنة بأوقات أخرى). بدلا من 70 دقيقة من الزحف من المطار إلى المنزل كما يحدث في المعتاد، وصلنا منزلنا في أقل من 45 دقيقة.
في اليوم التالي، أثناء توجهي إلى العمل عبر كوبري قصر النيل لاحظت أن الكوبري كان خاليا من القمامة وأن الباعة الجالسين في الشوارع وباعة الأغذية الجائلين قد اختفوا ndash; إلى جانب محددات منتصف الطريق التي اختفت هي أيضا. في ذلك المساء، أثناء ركوبي الدراجة متوجها إلى المنزل، لاحظت أنه لم تعد هناك سيارات مركونة بطول الكوبري وأن الكراسي التي كانت قد بدأت تزحم الأرصفة قد اختفت. المرور يتدفق بشكل أكثر سلاسة. قل عدد الجنود في الشارع وزاد عدد رجال الشرطة. المرور يتوقف بشكل سحري عند ملتقيات الطرق وإشارات المرور الحمراء... (ربما تكون إجازات بداية العام هي سبب هذا الانطباع الأولي، حيث يسعدني أن استطيع الإبلاغ بأنه أثناء عودتي إلى منزلي ركضا الليلة الماضية، كان الشلل المروري المعتاد قد عاد لتوكيد وجوده).
بالطبع أثناء عبوري للكوبري متجها إلى العمل في ذلك الصباح الأول لاحظت أيضا أن سير المرور قد تغير: أصبح المرور على الكورنيش الآن في الاتجاهين ndash; مثلما كان أثناء أيام الانتفاضة الثمانية عشر في يناير وفبراير. كان التحرير مزينا مرة أخرى بالخيام ndash; أسر الذين توفوا في الاشتباكات المختلفة مع قوات الأمن العام الماضي. ولكن التغير الأكبر كان شارع القصر العيني ذاته. كنا جميعا قد اعتدنا على واقع وجود المتاريس عند شارع محمد محمود، ما لم أكن مهيئا له هو الحقائق الجديدة على الأرض: الحوائط الحاجزة الخرسانية الجديدة المهيبة الموجودة في شارعي القصر العيني والشيخ ريحان؛ والبوابة المنزلقة عند شارع مجلس الشعب؛ والدمار الواسع في المباني في شارع القصر العيني.بلاطات الرصيف المحطمة؛ وقوات الجيش التي لا زالت تقف عند الأسوار في زي القتال الكامل؛ ولفات الأسلاك الشائكة حكت ببلاغة قصة شراسة المواجهات ولكن أيضا اقتصار تلك المواجهات على منطقة محدودة. التدابير المتخذة تعالج بشكل رمزي الأعراض فقط وليس السبب، وتدفع بالحل إلى وقت لاحق، في الوقت الذي تم فيه تحويل الفوضى المرورية من القصر العيني إلى التحرير.
ولكن بالرغم من هذه البلاغة الصامتة والفوضى المرورية الناتجة عن محاولات الفصل مكانيا بين المحتجين وهدفيهما الوزاريين، بدت القاهرة أهدأ بشكل ما. ربما لأن الانتخابات كانت تقترب أخيرا من نهايتها التي بعُد وقتها أكثر من المعتاد أو أن بداية العام الجديد قد مرت بدون تكرار للرعب الذي حدث العام الماضي بتفجير كنيسة قبطية في الإسكندرية؛ أو ببساطة لأنني كنت أقل تعبا من الوقت الذي غادرت فيه في ديسمبر: أيا كان السبب، بدت القاهرة أقل اهتياجا بشكل ما.
كان مزاج التعاون الأكثر هدوءا هذا ملحوظا أيضا في قداس عيد الميلاد القبطي الذي تشرفت بحضوره يوم الجمعة الماضي. بالرغم من أن الكاتدرائية في العباسية كانت محاطة بشرطة مكافحة الشغب وبالجنود في زي مكافحة الشغب الجديد وأن الطوابير المنتظرة للدخول على الأقدام بدا أنها تحيط بالمبنى، فإن دخول راكبي السيارات كان منظما بشكل جيد وتدفق حركة السيارات كان معقولا. بالداخل كانت الكاتدرائية الضخمة التي تعج بالإثارة وأصوات طقطقة الكاميرات، ممتلئة حتى السقف.كبار المسئولين العسكرين بجوار وزراء الحكومة؛ نشطاء حقوق الإنسان يجلسون بجانب قادة الشرطة العسكرية.
عندما دخل البابا شنودة، وهو يبدو ضعيف الصحة بعض الشيء ولكن قوي العزم، انطلقت تحية ترحيب هائل وغطت جولة من التصفيق المستمر على صوت غناء جوقة المنشدين.وتكرر ذلك التصفيق بقدر مقارب بعد لحظات قليلة عندما صعد محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين إلى الهيكلndash; في لمحة رمزية آمل بشدة وأدعو أن تعبر عن مصر الديمقراطية الجديدة ndash; لتقديم التحية للبابا.
إذا كان يمكن لهذا الإعلان العام للوحدة وروح التعاون أن يستمر في سياسات مصر الديمقراطية وأن يبدأ في علاج الانقسامات المعبر عنها بشكل بياني للغاية في الأسوار والحواجز المقامة بشارع القصر العيني، إذاً فربما، ربما يقدم بصيصا من الأمل بأن مخاوف الكثير من المصريين بشأن تداعيات انتصار الإسلاميين في انتخابات مصر قد يتضح أنها بلا أساس.
سيكون هذا حقا تغيرا جديرا بالملاحظة.

نائب السفير البريطاني في مصر