في خضم الصراع الدامي في سوريا اصبحت مدينة حلب، مدينة تفوح منها رائحة الموت والرصاص، والدم الذي أصبح يشق طريقه في شوارع أقدم مدن العالم، الدم الذي لا يجف اصبح شعار أطراف النزاع الذين اقسموا أنهم لن يتركوا نقطة دم واحدة تجف، حتى القضاء على آخر طفل سوري...

بدأت العمليات العسكرية والتفجيرات تنتقل من quot;حلب الشهباءquot; (مدينة الموت)، إلى مدينة القامشلي في منطقة الجزيرة السورية، شمال شرق سوريا، التي تقطنها أغلبية كوردية، وأقليات مسيحية... هل آن الاوان لانتقال المعركة من حلب إلى الجزيرة، لزج الورقة الكوردية، البعيدة عن القتال المسلح، والعمل العسكري، في الصراع الجاري ما بين النظام والمعارضة المسلحة؟..

فمن هم الأطراف الذين يسعون إلى إقحام الكورد في المعركة المسلحة الجارية، ومن لهم مصلحة في ذلك؟..
أنقسم الكورد لقسمين، منهم من انضم للمعارضة السورية، ومنهم من بقي يتأمل وله حساباته الكوردية الخاصة...
وفي الوقت الذي يعملون فيه الكورد على تنظيم صفوفهم، والتحضر لأي تغيير مفاجئ في مسار الأزمة في سوريا، لإثبات وجودهم على أرض الواقع في المناطق ذات الاغلبية الكوردية، والتجهيز لسهولة عملية الانتقال لتأسيس دولة أو اقليم ذات حكم ذاتي على غرار كردستان العراق، حصل انفجاراً مروعاً في مدينة القامشلي، والذي أدى إلى قتل العديد من المدنيين وجرح العشرات، وتدمير أبنية كاملة، وتحطم زجاج النوافذ، لأبنية بعيدة من المنطقة المستهدفة من قوة التفجير، وسماع دوي انفجار ضخم على نطاق واسع... والجديد والغريب في هذا التفجير، كمية المتفجرات الكبيرة المستعملة، الموضوعة في شاحنة، والتي لم تستعمل في مدن أخرى... ما هو المغزى من ضرب هذه المدينة الهادئة جزئياً، البعيدة عن القتال المسلح الجاري في المدن السورية الأخرى، والواقعة تحت سيطرة نوعية للكورد؟.. هل المقصود هو توجيه رسالة للكورد من أطراف لها مصالح في زعزعة القاعدة السياسية الكوردية؟..

بيتروس بيتروسيان

كما نعرف أنه وفي الفترة الأخيرة أحتدم الصراع ما بين القوات العسكرية التركية وحزب العمال الكردستاني، وقد قام الجيش التركي بوقت سابق بتعزيز قواته ووحداته العسكرية على الحدود التركية السورية، الموازية لمنطقة الجزيرة، من منصات للصواريخ، دبابات، آليات مدرعة قتالية للمشاة وجنود... فهناك تخوف من الطرف التركي من تشكيل دولة كوردية في سوريا في حال سقوط النظام السوري، والخوف الاكبر أن تنضم هذه الدولة في حال إنشائها، إلى اقليم كردستان العراق، وهذا سيشكل خطراً كبيراً عليها، ما سيؤدي إلى المطالبة بحقهم في حكم ذاتي في تركيا، وهذا ما يرفضه الأتراك، رفضاً باتاً... فهناك معلومات كوردية تؤكد بأن تركيا بصدد تحضير مجموعات مسلحة جهادية عربية وغير عربية تستهدف، شخصيات واحزاب سياسية كوردية في منطقة الجزيرة السورية، وتعمل على زعزعة الامن في منطقة القامشلي والمناطق الأخرى التي تسكنها غالبية كوردية، لإنهاك الكورد وضرب قاعدتهم العسكرية والسياسية، لعدم اعطائهم الفرصة لتشكيل دولة أو اقليم ذات حكم ذاتي، في حال سقوط النظام.. وهذا اصبح يقلقهم أكثر من انهاء الازمة في سورية، وبقاء الأسد بالنسبة لهم اصبح من الاساسيات الغير معلنة سياسياً... وبات معروفاً، ما سببته الأزمة السورية من حرج كبير لحكومة اردوغان امام المعارضة التركية والرأي العام التركي، ومن أزمة اقتصادية كبيرة، وأزمة اللاجئين السوريين، والعلويين الموجودين في تركيا، وإلى ما هنالك من مشاكل داخلية تتعلق مع الصراع الجاري في سوريا، وما جعل اردوغان يخرج ( قيادة الجيش الحر) من الأراضي التركية..

إذاً.. هل لتركيا يد في التفجيرات التي حصلت في مدينة القامشلي؟.. أم هي تصفية حسابات ما بين اطراف النزاع؟.. وهل فعلاً هناك مجموعات جهادية عربية وغير عربية تُدرب في الأراضي التركية، لمواجهة الكورد الذين يسيطرون على مناطق معينة من الجزيرة السورية؟..

وهل ستنتقل المعركة من حلب إلى القامشلي، وستكون المحطة الدامية القادمة؟.. وما سيكون مستقبل الأقليات المسيحية في الجزيرة السورية، في حال نشوب معارك ما بين الأطراف المذكورة؟..

أم سيستطيع الكورد فرض سيطرتهم على المناطق ذو الأغلبية الكوردية ويبقون خارج المخطط التركي الذي يستهدفهم؟.. أسئلة كثيرة، تثير شكوك المواطن السوري، بدون أجوبة...

بروكسل
[email protected]