مفهوم الثورة في العالم أو في الدول المتقدمة، تختلف عن مفهومها في البلدان العربية..

على مر التاريخ نقلت الثورات، الدول والمجتمعات من حالة الظلم والفقر والفساد المستشري، إلى نهضة على جميع الأصعدة، السياسية، الاقتصادية، البنيوية، الاجتماعية، الثقافية، إلى ما هنالك من قوانين وحقوق تضمن للمواطن العيش الكريم والتمتع بالحرية والديمقراطية، التي تسمح له ممارسة حقه بالمواطنة، ومعرفة جميع حقوقه وواجباته..

إذاً، الثورة هي عبارة عن مجموعة من التغيرات التي تقوم بها الشعوب والنخب في هذه الشعوب، والتي تؤدي إلى تغيير جوهري وجذري، في الدولة والمجتمع، وتعمل على نقلها، نقلة نوعية من حالة حكم الفرد، الجماعة أو العائلة، إلى حكم الشعب نفسه، بمؤسساته.. وقوانين ينص عليها دستور الدولة، الذي تقره الشعوب، في استفتاء يشارك فيه جميع مكوناته، في ما بعد الثورة، أو يعدل الدستور القائم، بما يتلاءم مع متطلباته وتكوينه الاجتماعي والثقافي..

أما بالنسبة فيما يتعلق بمفهوم الثورة عند الشعوب العربية، فهي تختلف تماماً عما ذكرت.. فقد أخذت الثورات العربية بلادها وشعوبها، إلى تقسيم وهلاك مرتقب لمعنى الدولة والوطن، تدمير البلاد وتقسيم المجتمع إلى طوائف، مذاهب، وإثنيات، ومن ثم تقسيم هذه الطوائف والمذاهب والإثنيات، إلى مجموعات، وتقسيم الدولة الواحدة، إلى عدة دويلات، لكل منها طرف تدعمه في تنفيذ ما لها من أجندات ومخططات من تفتيت الجسد والروح والكيان العربي، والاستيلاء على كل ما تملك من البشر حتى الحجر..

بيتروس بيتروسيان

إن الثورة تكون حقيقية عندما تكون في حالتها السليمة، من المطالبة بحقوقها المشروعة في الوطن، وتكون بعيدة عن الحقيقة، عندما تخرج من حقها بطلب التغيير، إلى خارج نطاق الدائرة المشروعة، في ارادة الشعوب في وطن واحد، فتكون مسّيرة، وتخدم من يعمل على إيصال البلاد إلى ما وصلت إليه، لتحقيق هدف معين، لتبدأ عمليات ممنهجة لتصفية الشعوب، كما يحصل اليوم مع الشعوب السورية بجميع مكوناتها، مستخدمين أطراف داخلية، لكل طرف مصلحة أو هدف في إنهاء معنى دولة واحدة في وطن واحد، والاختباء وراء خطابات وشعارات رنانة، تعمل على الاستخفاف بعقول الشعوب، وجرها إلى مستنقع الموت وهاوية الدمار..

الاقتتال الذي يدور في شوارع مدينتي وبلدي، يحاول النيل من الشعوب ومن دولة كان لها ما لها من أدوار وعطاءات على مدى عصور من الزمن، من عطاءات حضارية، انسانية،ثقافية، واجتماعية..

لن ألخص معنى الثورة في مقال، أو الثورة ذاتها في بعض السطور، لأنه، لا أنا ولا غيري يستطيع فعل هذا، بكتابة بعض السطور أو وجهات النظر، أن يتكلم عن ثورة أو يشرح ما هي الثورة، أهدافها ومضمونها، لأن الثورة أكبر من كل هذه المقالات أو كتب يكتبها أكبر الكتاب، الثورة هي أكثر من كلمة بمعناها، فهي معاناة شعب، حقوق مشروعة، ولدت من رحم، ظلم قائم، فساد مستشري وفقر قاتل يهتك بكيان دولة ويفتك بجسد الشعوب، وبكل فرد فيه يسعى لأن يكون quot; إنسان quot;..

إن اردتم سوريا واحدة، سوريا قوية، يجب عليكم إيقاف الاقتتال، الذي لم ولن يؤدي إلى حل ونتيجة ايجابية، بل سيزيد في تدمير البلاد، والتشريد والشتات، وسيزيد في سفك الدم السوري والنزيف الذي لا يتوقف، إلا إن كنتم تسعون وراء هذا؟.. الحل سياسي فقط، الحل في الجلوس على طاولة الحوار، فالعنف، لا يجلب سوى العنف، والقتل لا يولد غير القتل، والدم لا يشبعه إلا الدم.. والشعوب السورية تقدم قرباناً، لما سمي ( بالثورات العربية )، ونحن quot; السوريون quot; من نقدمه لهم في إناء من ذهب..

إن المصالحة الوطنية، هي الطريق الوحيد، للوصول إلى سوريا مستقرة وآمنة، وهذا ما يتمناه، كل مواطن سوري شريف، يخاف ويقلق، على مصلحة ووحدة الوطن والشعوب...
وهنا أخاطب جميع الاطراف وليس طرفاً بعينه، لأن الجميع وكما قلت سابقاً، شركاء في هذه المهزلة، والمعركة الدموية التي تقودنا إلى حرب دموي أكبر، حينها لن نستطيع الخروج منها سالمين، لا بل لن نكون موجودين اصلاً، وسيتكلم التاريخ عن حقبة من الزمن، وعن شعوب قتلت بعضها البعض، وعن دولة كان اسمها سوريا.. وتبقى سوريا اسماً يردد، كما يردد اسم بلاد الشام..


بروكسل
[email protected]