قد يتبادر للذهن من قراءة العنوان سؤال عن طبيعة العلاقة بين تنظيم القاعدة وظاهرة الإيمو. فالإيمو ظاهرة لشباب يمتازون بملابسهم وقصات شعرهم المميزة وهي ظاهرة آتية من الغرب بلاشك، أما تنظيم القاعدة فهو تنظيم جهادي يؤمن بالعنف كطريقة لتغيير المجتمع، وهو بالضد من الأفكار الغربية. لكن، سأقول لكم ماهو الرابط بوضوح. نعم، إن الرابط هو التطرف، فالتطرف سمة تجمع بين من يؤمنون بفكر القاعدة ومن يلبسون ويقصون شعرهم بشكل مخالف لما هو مألوف.

لقد ظهرت في الآونة الأخيرة في محافظة ديالى في العراق مجموعة من شباب الإيمو بقصات شعرهم وملابسهم وحركاتهم المميزة فيما كانوا قبل ذلك من أعضاء تنظيم القاعدة. لقد ترك هؤلاء الشباب العمل المسلح وغادروا مخابئهم في الصحراء وفي كهوف الجبال ليلتحقوا بصالونات الحلاقة مع إطلالة جديدة بشكل جديد. قد يكون الأمر غريبا ً بعض الشيئ أن ينتقل شاب من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو عكس ذلك بفترة قصيرة، ولكن، سوف لن يكون ذلك غريبا ً إذا ماحللنا ذلك من خلال نظرية نفسية أو إجتماعية.

فجيل كبير من الشباب العاطل عن العمل والمهمش إجتماعيا ً وسياسيا ً، ضحايا الحروب والإرهاب، ضحايا الفقر والجهل، ضحايا التحولات السياسية التي ليس لهم فيها ناقة ولاجمل، ضحايا المجتمع من عادات وتقاليد وأفكار دينية متشدد، ذلك الجيل المحبط الذي يشعر بخيبة الأمل من كل مايجري وعلى جميع الصعد، المفلس ثقافيا ً وأخلاقيا ً ومعرفيا ً، المكبوت جنسيا ً وفكريا ً، بالتأكيد سيكون فريسة سهلة للتطرف من تنظيم القاعدة وغير تنظيم القاعدة. أن الشعور بالإغتراب لأغلب شباب مجتمعاتنا من خلال الشعور بعدم الإنتماء للواقع والبيئة المحيطة بهم، للثقافة أو معتقدات المجتمع، لمجموعة معينة أو عشيرة بعينها، يجعلهم صيدا سهلا ً للأفكار المتشددة والغريبة.

ليس هذا بالجديد، فقبل سنوات عديدة كتب الباحث في الشؤون الإسلامية أوليفر روا في تقرير عن جذور الإرهاب ومكافحته في فرنسا بأن هناك الكثير من الشباب الفرنسيين ممن انخرط في العمليات المسلحة بإسم الجهاد كانت له سوابق إجرامية، وهذا ليس خافيا ً على الكثير من الباحثين في هذا المجال. لكن المهم مما قلت هو لماذا لم نعرف إلى الآن جذور الإرهاب في العراق وأسبابه ودوافعه. لماذا بعد عشر سنوات من سقوط النظام لم نعرف لماذا ولمن ينتمى هؤلاء الشباب، لأي شريحة وطبقة، ماهو مستوى تعليمهم، ماهو وضعهم الإقتصادي، من أي قومية أو دين أو مذهب، لماذا يفعلون ذلك وهل كلهم بنفس المستوى من التشدد؟ بعد عشر سنوات من العمل السياسي لاتوجد هناك دراسة علمية لمختصين من الأكاديمين تحدد وبشكل علمي أساب الإرهاب أن كانت إجتماعية أم اقتصادية أم سياسية أم دينية أم نفسية ومقترحات تتضمن سبل معالجة تلك الظاهرة. أسئلة لابد من الإجابة عليها!

ينفق العراق المليارات من الدولارات سنويا ً لمحاربة الإرهاب وهو مازال ذلك الإرهاب هناك يحصد أرواح الأبرياء كل يوم. فما بين أسلحة وتجهيزات ومرتبات لعناصر الجيش والشرطة ورجال للأمن تتبخر المليارات ومازال الإرهاب مستمرا ً يضرب أنى شاء بلا تردد. فالآلآف من ضحايا الإرهاب هم من يعاني حتى الآن ويكلفهم ذلك الكثير من الجهد والمال إذا ماعرفنا أن أقل من القليل منهم يتلقى دعم من الحكومة. لاأعرف إن كان طرحي لنفس السؤال مجديا ً أم من المناسب تناوله مرة أخرى. لماذا لم ينته الإرهاب بعد كل تلك السنين من محاربته أمنيا ً ومن مؤتمرات للمصالحة وقوانين للعفوا وماشاكل ذلك؟ الجواب بسيط، وربما أبسط مما ندركه! نحن لانعرف من نقاتل، هذا هو الجواب. فالحكومة العراقية تحارب شبحا ً له وجه هلامي يتحول بفعل الزمن لأشكال متعددة، وأن ذلك الشبح هو من يأخذ بزمام الأمور لتدور كل أجهزة الأمن في فلكه، هذا مايحصل بالفعل في العراق وهذا مايجعل مكافحة الإرهاب أمرا ً صعبا ً. أضف إلى ذلك بأن الحكومة إلى الآن لاتملك إستراتيجية لمكافحة الإرهاب لتعتمد على المعالجات الأمنية فقط. فهي متلكئة مثلا في محاربة الفساد مع أنه المصدر الأساسي لإدامة ظاهرة الإرهاب.

كل دول العالم المتحضرة، تلك التي تحترم شعوبها وتحافظ على أمنهم، تلك التي تعمل بشكل مؤسساتي وليس بشكل عفوي لها مراكز لدراسة جذور الإرهاب لمعرفة أسبابه وذلك لتسهيل عملية مكافحته وتقليل كلفة إجتثاثه. يعكف أكاديميون من كل صنف لكتابة تقارير علمية لصناع القرار تكون حجة عليهم عند حدوث أي خرق أمني. لماذا لايوجد إلى الآن أي مركز أكاديمي لدراسة ظاهرة الإرهاب في العراق بشكل علمي لمعرفة أسبابه ودوافعه. نريد أن نعرف لمن يتبع أولئك ومن يجندهم، ماهي المراحل التي يمرون بها قبل التجنيد، من هم أكثر عرضة للإنخراط في الأعمال الإرهابية، ماهو إنتمائهم الطبقي ومستواهم الثقافي وأفكارهم السياسية. إن هناك أسئلة كثيرة لايجيب عنها إلا المتخصصون وليس ضباط للأمن أو محققون.

إن إنتقال عناصر من تنظيم القاعدة للحياة الطبيعية ومنهم من تطرف ليصبح أيمو يدل على أن ليس كل أعضاء الجماعات المسلحة بنفس الدرجة من الإيمان بمبادئ التنظيم. فمنهم من هو موتور ومنهم من هو محبط ومنهم من وجد شيئ ليفعله ومنهم من دفعته ضروف إقتصادية وإجتماعية ونفسية وسياسية أودينية للإنخراط في أعمال العنف. أن معرفة الأسباب بوضع خارطة علمية لأسباب الإرهاب سيسهل عملية معالجته بعد أن ترفع تقارير دورية للسياسيين وأصحاب القرار لإتخاذ مايلزم. فرب بضع ملاييين من الدولارات تنفق على مراكز للأبحاث فيها خبراء أكاديميين ستوفر الآف الأرواح ومليارات من الدولارات وستخلصنا من شر عدو نعرف ملامحه. على الحكومة العراقية أن تثبت لشعبها بأنها جادة فعلا ً في مكافحة الإرهاب، ولو لمرة واحدة على الأقل.


[email protected]