كثرت التصريحات في الآونة الأخيرة عن تغلغل التطرف الديني في الثورة السورية، وأبدى الغرب بشقيه الأمريكي والأوربي تخوفه، بإن تركب الفصائل الدينية المسلحة في سورية موجة الثورة وتميل الكفة لصالحها، كون هذه الفصائل تحمل أفكار متطرفة، وذو توجهات دينية طائفية.

ربما يكون هذا التخوف في مكانه، كون المعطيات على الأرض تشير على ان هذه المجاميع تتكاثر كالفطر، فيوميا نسمع إسم جديد ل quot;كتيبة مسلحةquot; ذو إسم اسلامي يحمل في طياته نزعة مذهبية أو طائفية. ويكثر الكلام في هذا السياق ان بعض هذه المجاميع تتبع quot;جماعة الإخوان المسلمينquot; المدعومة من قبل تركيا، و مجاميع أخرى مدعومة من السلفيين في السعودية و من دول الخليج. بالمقابل لا نرى تأثير التيارات العلمانية والليبرالية على تشكيلة هذه الكتائب، فمن النادر جداً أن تلاحظ إسم كتيبة تحمل إسم رمز وطني أو تاريخي لايحمل صفة دينية معها. بالرغم من المعارضة السورية بأغلب فصائلها وشخصياتها تحمل فكراً متنوراً وتميل إلى العلمانية أكثر منها إلى الدينية أو الفكر المتشدد. الا أن تأثيرهم على الأرض يبقى قليلاً نسبيا مع مايحدث على الأرض، فحتى شعارات يوم الجمعة تطغى عليها الصفة الدينية.

في نفس السياق، سألني أحد السياسيين الأوروبيين، عن سبب إضفاء الطابع الديني على الثورة السورية؟ فكلمة الله أكبر، والشعارات اليومية و صيحات الشباب الثأئر وحتى اللباس الذين يفرون من مدنهم وقراهم (من الحجاب والجلباب)، يطغى عليها الصبغة الدينية. فجاوبته، ربما القتل اليومي والدفن الجماعي و الخوف من الإعتداءات و الإغتصابات من شبيحة النظام، يخلق هكذا أجواء روحانية، بالرغم من معرفتي الأكيدة بأن الشعب السوري في معظمه، شعب مدني وغير متزمت، سوى بعض العوائل المحافظة في المدن الكبرى وخاصة في حلب ودمشق.

عبدالباقي حسيني

هنا نتسائل، أين هم العلمانيين و الديمقراطيين والفصائل المنضوية تحت هكذا تسميات، في هذه المعمعة؟ أين أفكارهم الثورية التحررية من هذا الحراك القائم، لماذا لايوجهون الشباب الثائر بإتجاه الأفكار الوطنية والديمقراطية في الحراك اليومي، لماذا يتركونهم ينجرفون وراء المتشددين والمحافظين و يرفعون شعاراتهم؟ علماً ان هذا يخلق ذريعة للنظام الدموي في دمشق، و ربط الثورة السورية بحركات الإسلاميين المتشددين من السلفية الوهابية وتنظيم القاعدة، و نعتها بالإرهاب.

أما الجرائم التي تحدث بين حين وأخرى في سورية وبغض النظر من يقف ورائها، تجر البلد نحو الهاوية، فإنتشار هكذا فكر بين الأوساط الشعبية، ستأكد جملة، أن في سورية حرب طائفية، وهذا مايتمناه النظام. هنا سأذكر مثالين وقعا في الأمس القريب، تدل على بشاعة التطرف الديني في سورية:
الحدث الأول: في أحدى القرى التابعة لمنطقة عفرين (ريف حلب) التابعة للطائفة الإيزيدية (من أصول كردية، غير مسلمة)، هجم عليهم مسلحون، يطلبون منهم تغيير دينهم وإلا سوف يقتلون. أي إجبارهم على دخول الإسلام، (الخبر نشر في أكثر من صفحة على موقع التواصل الإجتماعي، الفيسبوك)، هذا الكلام إذا ماتأكد صحته، هذا يعنى ان سورية تسير نحو منحى خطير. الحدث الثاني: قتل أحد قساوسة المسيحيين في دمشق وتفجير حي باب توما ذو الأغلبية المسيحية في قلب العاصمة.

كما أنه يتردد في هذه الأيام بيانات تلو الأخرى من فصيل سورية، على أنهم يسعون في المستقبل لقيام دولة quot;سنيةquot; إسلامية في البلاد، وأصبحوا يقارنون الدولة quot;السنيةquot; الإسلامية مع الدولة العلمانية، بحسناتها وسيئاتها.
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الأغلبية الساحقة من الشعب السوري وبكل أطيافه وتشعباته، كيف ستكون سورية الجديدة؟ هل ستكون كما مصر وتونس، أم ستكون دولة مدنية علمانية، بشكلها الحديث؟

في إستطلاع على شبكة التواصل الإجتماعي، الفيسبوك، وبسؤال موزع على الكثير من المشاركين؛ كيف تريد سورية الجديدة؟ كان جواب أغلب المصوتين يتجه نحو، سورية دولة ديمقراطية تعددية، أي فصل الدين عن الدولة.

ترى هل ستكون سورية المستقبل؛ دولة علمانية ديمقراطية؟ أم سيتحكم فيها الفصائل الدينية المتشددة، كما حدث في بعض دول الربيع العربي، هذا ماسيرد عليه الشعب السوري في الأيام القادمة.

أوسلو