على هامش صدور رسالة من أحد قادة تنظيم جماعة العدل الاحسان المغربية موجهة إلى رئيس الحكومة المنتمي لحزب العدالة والتنمية quot;الاسلاميquot; وبصرف النظر عن توقيت هذه الرسالة، ووزن صاحبها، وخلفياتها؛ فإن سلوك مراسلة رئيس حكومة منتخبة من لدن معارض سياسي quot;للعبة الديمقراطيةquot; برمتها، يحمل أكثر من دلالة.

فيما يلي نعرض لبعض الملاحظات السريعة:
أولا: لست ممن يتفق مع الرسالة شكلا ومضمونا، لكن من حق صاحبها ان يعبر بكل حرية عن آراءه. ولست كذلك ممن يذود عن مشروع حزب العدالة والتنمية رؤية وإنجازا، ومن حق هذا الاخير أيضا أن يعبر عن صوابية اختياراته، ولعل الجهة الكفيلة بالحكم على حصيلته وتجربته هي صناديق الاقتراع.

ثانيا: لعل من حسنات هذه الرسالة أنها أثارت موضوع المعارضة السياسية بالمغرب وأفقها في ظل الفراغ المفزع للساحة السياسية من أحزاب وتكتلات قوية، وكذا أداء هذه المعارضة السياسي سواء كانت مشاركة في الحكومة، أو خارجها، ونظرا لتشظي حركة 20فبراير؛ حيث أصيبت بعدوى العمل الحزبي المعتل، أصبح المشهد السياسي خاليا من معارضة دائمة الحضور للتصدى لسياسة التحكم والاستبداد. ويمكن اعتبار ان المسؤولية في هذا الوضع المريرلضعف الاحزاب، وعجزها عن إنتاج نخب جديدة، يعود بالأساس للذات الحزبية، وانسحاب النخب الثقافية، تاركا المجال لظهور القيادات quot;الشعبويةquot;.

ثالثا: ما أقصده بهيجان العدليين؛ هو رمزية خروجهم للشارع، والجميع تابع المشاركة الفعالة للجماعة في حركة 20فبراير، قبل انسحابها المفاجئ من هذا الحراك لتقديرات خاصة بها،(تاريخ انسحابهم 18 دجنبر2011) أما هذيانهم فهو انكفاؤهم في مجالسهم الخاصة، وحديثهم عن قومة قريبة وزحف وشيك لإقامة مشروع الخلافة على منهاج النبوة؛ بعبارة أخرى ndash; بنظري-مشروعهم السياسي غارق في الرومانسية، غير متحرر من الاوهام، أما السر في كونها تضم عدد كبير من الاعضاء، وقاعدة من المتعاطفين معها، لا يرجع الى مشروعها السياسي ؛ بقدر ما يرجع الى قوة وصلابة الجانب التربوي والاخلاقي.
وفي السياق ذاته، أشير الى أن سر الاهتمام بهذه الرسالة بالذات في هذه الظرفية بالخصوص، يعزى الى غياب معارضة فاعلة في الواقع، وخلو الساحة من بديل سياسي يستطيع أن يضفي على المشهد الحزبي مصداقية وجدية تنقل البلد الى تحول ديمقراطي حقيقي، ولذك، كل ما يصدر عن الجماعة يلفت أنظار المتابعين، وهذا دليل على أنها قوة معارضة أكثر أهمية، لكنها لم تلعب بعد الدور المطلوب منها، لعوامل أرجح ان تكون ذاتية أكثر منها موضوعية.

رابعا: توجيه هكذا رسالة -على غرار ما يقوم به مرشد الجماعة- من قيادي في مجلس الارشاد بمحتواها البسيط الذي ينطوي على كل شيء إلا السياسة؛ لا تتضمن اجتهادا سياسيا جديدا من شأنه أن يفتح نقاشا عموميا جادا، وتنطوي أيضا على تناقضات وهي إشارات تدل على أن الدائرة السياسية قد تكون منقسمة بين أصحاب quot;دولة القرآنquot; (صاحب الرسالة) وأصحاب quot;الدولة المدنيةquot;/quot;الديمقراطيةquot;. وهو الجيل الجديد من quot;العدليينquot; الذي تشرب أدبيات العلوم السياسية، كما تعبر الرسالة عن اختناق سياسي تعيشه الجماعة، وإحباط وتوعك لمناضليه من رياح الربيع المغربي الذي اتجه في اتجاه لم تشتهيه سفينة quot;العدليينquot; .

خامسا: من إيجابيات هذه الرسالة أيضا؛ أنها بينت بشكل جلي أن الاسلاميين يتحركون /يكتبون بردود الافعال، بدليل الكم الهائل من الانشاء الذي دون على هامشها ولا يزال، أما الكتابات البنائية البعيدة عن التجاذبات الحزبية والمهاترات فلا تكاد تجد لها أثرا إلا ما نذر. وتطرح ظاهرة قلة الانتاج السياسي المكتوب للاسلاميين سواء كانوا في المعارضة أو الحكومة، لصالح الخطاب الشفهي والتصريحات الانفعالية (فلتات اللسان) والحوارات الاعلامية. فمحتوى الرسالة بنظري كشف أن العدليين يفتقدون النظرquot;البصيرةquot; السياسية، رغم وجود تجمع بشري منظم تنظيما فولاذيا، وقواعد منضبطة، الشيء الذي يفتقده اليسار، الذي لا يزال البعض منهم غارقا في نرجيسيته، يتغنى بتاريخه النضالي دون ان يتخطاه، ولحد الآن لم يقدم اليسار مقاربته للدين الاسلامي مقاربة مبدعة ومحفزة لدفع الناس للانحراط في التغيير نحو وضع أكثر ديمقراطية وحرية.
باختصار، المشهد السياسي في المغرب يشهد فراغا مخيفا، بات يحتاج الى معارضة سياسية قوية، بأطروحة للتغيير واضحة ومتماسكة وأكثر واقعية بعيدا عن رومنسيات ونرجيسيات التشكيلات السياسية المقاطعة والمشككة في مسلسل الاصلاحات القائمة في البلد.

كيف يتم تجميع المعارضة في شقها الاسلامي واليساري؛ سواء المشاركة في السلطة أو خارجها؛ بحيث تجعل من الديمقراطية ضمن أولوياتها؟
أظن أن الدائرة السياسية ّquot;حزب/الواجهة السياسية للعدل والاحسانquot; لا يمكن بنظري -لاسيما الجيل الثاني من الاعضاء- ان يظل في مرحلة الجمود على التنظير الذي قام به المرشد، والبقاء في عزلة الى أجل غير مسمى، فهذا الجيل الجديد على الأقل يتفق على مركزية الديمقراطية، بغض النظر عن الأمور اللاهوتية التي قد تختلط بالمشروع السياسي للجماعة. كما ان اليسار لاسيما حزب الاشتراكي الموحد لديه طموح كبير في إيجاد دائرة موسعة من الجماهير من أجل النضال المشترك لتكريس الديمقراطية، -بغض النظر عن وجود ثيوقراطية إلحادية في صفوفه- كيف لا وهو الذي رفع في آخر مؤتمراته شعار الديمقراطية الآن.

إذن، ما الذي يمنع هذه المعارضة بشقها الاسلامي واليساري وبتناقضاتها الايديولوجية على تكوين جبهة متكتلة من أجل الديمقراطية؟
مع شديد الاسف، لا تزال المعارضة لم تنتقل بعد الى الايجابية، وستظل تراوح مكانها، ما لم تحدث داخلها ثورة نقدية لطروحاتها السياسية، وتخرج من الدوامات اللانهائية، وإلا ستصبح في ذمة التاريخ.

ملحوظة: مناسبة المقالة توجيه الاستاذ عبد الله الشيباني عضو مجلس الارشاد والدائرة السياسية لجماعة العدل والاحسان quot;الاسلاميةquot; المغربية المعارضة للنظام السياسي القائم، و هو صهر زعيم الجماعة الاستاذ الشيخ عبد السلام ياسين رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة الحالي الاستاذ عبد الاله بنكيران الامين العام لحزب العدالة والتنمية quot;الاسلاميquot;، ينتقد حصيلته الحكومية موجها له النصح بالتخلي عن منصبه، بعثها بتاريخ الجمعة 17ذي الحجة 1433 الموافق ل 02 نونبر تشرين الثاني2012 عبر بعض المواقع الالكترونية المغربية، وقد أوضحت الجماعة أن رسالة الشيباني هي وجهة نظر خاصة به، ولا تعبر عن رأي الجماعة الرسمي. وقد خلفت الرسالة ردود فعل منتقدة لها شكلا ومضمونا من قبل بعض أعضاء وقيادة حزب العدالة والتنمية، وكذا باحثين وإعلاميين متابعين للشأن السياسي الاسلامي، كما انبرت بعض الاقلام للدفاع عن مضمون الرسالة.