كثر الحديث والنقاش مؤخرا عن ظاهرة آخذة في الانتشار في مجتمعنا، يسميها البعض quot;غزلا وتغزلا بحواءquot; و يعتبرها البعض الآخر quot;عادة رومانسيةquot;، بينما يصفها كثيرون على أنها quot;تفريغ للمكبوتات ودليل على انحطاط العقلياتquot;. رغم كثرة المسميات والآراء يبقى مصطلح واحد كفيلا بوصف الظاهرة السيئة، التحرش الجنسي.

يمكن أن يكون إيحاءا أو لفظا أو تربصا أو معاكسة أو حتى اعتداءا، ذلك هو التحرش الجنسي الذي تعانيه الفتاة القاصر والراشد، المرأة العازبة والمتزوجة، المتبرجة والمحجبة وحتى المنقبة يوميا في مجتمعنا على مرأى ومسمع الجميع دون أن يحركوا ساكنا.

بطبيعة مجتمعاتنا العربية أنها متجذرة ومرتبطة بالعادات والتقاليد التي تصور في غالب الأحايين الأنثى كإنسانة تقتصر مهمتها الدنيوية على تربية الأبناء وطاعة الزوج وخدمته ليل نهار، هذه الصورة أقنعت كثيرا من ذكور مجتمعنا بعدم الإيمان بقدرات المرأة وحقها في الحرية الشخصية والتجوال دون إزعاج ولا انتهاك لخصوصيتها.

لا مناص من حقيقة مرة نعيشها ونلحظها يوميا يشكلها النفاق الاجتماعي، فنرى ذكور مجتمعنا يتفننون في أنواع تحرشهم وتصرفاتهم البذيئة في الشارع العام والأماكن الخاصة، مفتخرين وهماُ بquot;رجولتهمquot;، غير آبهين بأعراف المجتمع وخطوطه الحمراء. متناسين آدمية الأنثى وكينونتها وحرمتها كجسد له روح. تنقلب الآية عندما يتعلق الأمر بقريبة أحدهم، آنذاك يلبسون رداء المصلح الاجتماعي ولحية رجل الدين المحترم المجتنب لنواهي ربه والعارف بحقوقه وواجباته. هذه الصورة المناقضة التي ألفها عموم الناس في مجتمعنا تشكل في حد ذاتها انفصاما ومرضا اجتماعيا.

بين قائل بأن سبب تفشي هذه الظاهرة هو القمع الجنسي الذي يعانيه مجتمعنا وثان يرجعه إلى صعوبة الزواج وآخر يتحجج بquot;اللباس المثير وإغراء حواءquot;، تتعدد تعليلات التحرش الجنسي وان كانت مبنية على آراء واهية.

رأيي الشخصي، كما يمكن أن يشاطرني إياه قارئ مقالي هذا، هو أن التحرش الجنسي يعكس نظرة غالبية المجتمع للمرأة، حيث يراها عديدون بأنها خلقت لإمتاع الرجل ويختزلها في تلك الصورة النمطية الضيقة.

بالرجوع إلى ديننا الحنيف، الذي قلما يأخذ شباب مجتمعنا بحكمه وتعاليمه، نرى أن الإسلام أعطى المرأة مكانة مميزة ورفيعة في المجتمع، كما كفل لها حق التملك والبيع والتعلم والتعليم مثلها مثل أخيها الرجل. الإسلام كرم الأنثى كذلك بأن أمرها بما يصونها ويحميها من الألسنة البذيئة والأعين الغادرة بأن وصف لها نوعية اللباس المحتشم وكيفية المشي في الطرقات والتعامل مع الآخر وطريقة التحدث، مما يلزم الفتاة والمرأة المسلمة باتخاذ الحشمة والوقار وتقوى الله والعباد منهاجا لحياتها. وجب في المقابل على الرجل أن يعامل المرأة على أنها نصفه الثاني دون تمييز أو استصغار من قيمتها، أستحضر هنا قول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم:quot;استوصوا بالنساء خيراُquot;.

بقي لنا أن نقوم بواجبنا تجاه المجتمع، كل من موقعه، للتحسيس بمدى خطورة الظاهرة التي تنخر مجتمعنا وقيمه. مناهج التعليم أولى بالتطرق للتحرش الجنسي دون طابوهات أو تحريف للواقع، ذلك أن التعليم هو أنجع وسيلة لتربية الأجيال القادمة على تقدير واحترام نصف المجتمع. يلزم كذلك سن قوانين وتشريعات صارمة وزجرية على كل فعل تحرش وانتهاك لحرمة الأنثى.
وجب كذلك أكثر من أي وقت مضى نشر الوعي الأخلاقي والفكري في الأماكن العمومية وأخص بالذكر هنا وسائل المواصلات وأماكن العمل.كل هذه الحلول المقترحة لا يمكن أن تجد لها سبيلاً دون تغيير عقليات طالما استوطنت عقل الرجل العربي، ودون اقتناع مجتمعنا بأن حواء وآدم سواء في الحقوق والواجبات.

آنستي، سيدتي الأنثى..افتخري لأنك امرأة، فلا يمكن أن يخلق رب العالمين سبحانه الرجال في أرحام النساء ثم لا يجعل لهن كرامة فوق كرامة الرجال. عاشت المرأة أماً وأختا وزميلة، عاشت المرأة روحا وكيانا لا جسدا ولا إغراءا، عاشت المرأة كما أرادها ربي عظيمة و حرة.