quot;سكت دهرا ونطق كفراquot; هذا هو لسان حال معظم المصريين، بإستثناء الرئيس وجماعته وأهله وعشيرته ... quot; صمت quot; صمت القبور (مدة يومين) علي دماء الثوار (7 قتلي و700 من الجرحي) التي أريقت علي جدرن (وفي محيط) قصر الاتحادية (الذي هرب من بابه الخلفي)، ثم خرج علينا بخطاب باهت صادم لا ليعلن مسئوليته السياسية عما حدث، وإنما ليبرر ما فعلته جماعته ويساوي بين القاتل والمقتول والجلاد والضحية، وكأنه لا يبالي بوطن يحترق ... وبدلا من أن يتحدث (كرجل دولة) عن حياة المصريين جميعا (سواء من معارضيه أو مؤيديه) وأمنهم وسلامتهم، ويتخذ من القرارات الحاسمة ما يوقف سفك الدماء ويخفف من حدة الاحتقان السياسى، تراه مرتبكا متلعثما وهو يحذر ويتوعد الثوار المعارضين له.
محمد مرسي، بالمناسبة، هو أول رئيس (مدني !) منتخب لمصر بعد 60 عاما من حكم جمهورية 23 يوليو 1952، يمنح نفسه سلطات quot; مطلقة quot; في ظل مناخ عام من انعدام الثقة quot; المطلقة quot; والتربص بين الإسلاميين علي اختلاف فصائلهم وتلويناتهم والقوى السياسية والمدنية الأخري، حيث أن المحرك الرئيسي للجميع هو : quot; إما أنا ..... وإما أنت quot;، ولا أستطيع في هذا السياق أن أستثني أحدا من قادة التيارات السياسية الفاعلة في الساحة الآن وبعضهم لايزال يراهن علي عودة quot; الحكم العسكري quot; من جديد أو بالأحري قيام الجيش بإنقلاب عسكري وإعلان الأحكام العرفية، وهو موقف شديد الانتهازية وغير ديمقراطي وإن أدعي العكس.
المجلس العسكري، الذي تولي المرحلة الانتقالية المليئة بالأخطاء المتعمدة وغير المتعمدة، لمن خانته الذاكرة أو تناسي ذلك، لم يتورع قادته عن قمع وسجن وقتل المتظاهرين أيضا الذين تجرؤوا على الوقوف ضد سياساته الخاطئة، وكان معظم هؤلاء القادة العسكريين علي علم بأن ترك سلطة البلاد إلي جماعة الإخوان المسلمين سيؤدي حتما إلي إقامة نظام ديني فاشي وغير ديمقراطي.
تحذيرات مرسي في خطابه لمعارضيه عمقت انقساما واستقطابا سوف يعصف بالمشهد السياسي المصري إلي غير رجعه. والسيناريو المتوقع هو اتساع نطاق صدامات الشوارع بين الإسلاميين والمعارضين لهم. والتاريخ يخبرنا بأن مثل هذه الصدامات كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت حروباً أهلية مأساوية. لقد تحدث الرئيس وكأنه معزول عما يجري في الشارع المصري، فضلا عن أنه منفصل عن نائبه وحكومته ومستشاريه (ارتفع عدد المستقيلين إلي ستة)، لا يستشيرهم ولا يأخذ بنصائحهم أو مبادرتهم، وآخرها quot; المبادرة quot; التي تقدم بها وزير العدل المستشار أحمد مكي وكانت أشبه بآخر quot; طوق نجاه quot; وتتلخص في ثلاثة محاور، أولا : تجميد الإعلان الدستوري، ثانيا : اجتماع موسع مع كل القوي السياسية والمدنية، ثالثا : الاستعانة بكافة القضاة من رؤساء محاكم الاستئناف والنقض والدستورية العليا ومجلس الدولة، وكذلك الفقهاء الدستوريين للجلوس مع أعضاء الجمعية التأسيسية وإعادة صياغة المواد المختلف عليها بشكل يسمح بالتوصل إلى صيغة ترضى جميع الأطراف، مع تأجيل الاستفتاء على الدستور.
المفاجأة، هي رفض المحورين الأول والثالث لنزع فتيل الأزمة والأخذ بالمحور الثاني وهو: دعوة القوى السياسية والمدنية للقاء الرئيس يوم السبت القادم، والتفسير الوحيد المقبول لهذا quot; الرفض quot; لا يخرج عن أمرين : إما الزج بالبلد ndash; عن عمد وسبق اصرار وترصد - في أتون حرب الشوارع وإسالة المزيد من دماء المصريين، وإما أن الدكتور محمد مرسي ليس رئيسا للمصريين ولا حتي لجماعته وعشيرته وإنما هو (ينفذ فقط) ما يمليه عليه quot; المرشد quot;، وأن الأزمة المحتدمة في بر مصر الآن لا تدار من quot; قصر الاتحادية quot; وإنما من quot; مكتب الإرشاد quot;.
لذلك علينا أن ندرك في هذه اللحظات الفارقة (قيمة التحول) الذي حدث بعد 25 يناير 2011، لا أن نراهن علي العسكر مرة أخري (لأن الاستبداد العسكري والفاشية الدينية صنوان)، الطريق الذي بدأه الثوار الأحرار من شباب مصر لن يكون سهلا أو مفروشا بالورود أمام أشرس الجماعات الدينية وأخطرها، وأغلب الثورات السابقة نجحت ndash; في بدايتها - في خلع مجموعة من الحكام المستبدين والفاسدين وجلبت ndash; دون أن تدري - مجموعة جديدة لا تقل فساداً وشراسة وقمعا، لكنها نجحت في quot; النهاية quot; في التغيير السياسي - الاجتماعي المنشود.
الأمل الوحيد يكمن في (استمرار روح الثورة) لأن المارد خرج من القمقم، وأصبح المصريون على يقين من قدرتهم على إسقاط الأنظمة التي لا يريدونها، بل وعلي استعداد تام (بعد زوال الخوف عنهم) للتضحية بأغلي ما يملكون في سبيل حريتهم وكرامتهم، ربما لأنهم أدركوا ndash; ومنذ ثورة 1919 - أن تحركهم علي الأرض يفضي دوماً إلى نتائج ايجابية ملموسة، ولهذا السبب هم مستمرون حتي كتابة هذه السطور، في التدفق إلي ميدان التحرير وقصر الاتحادية ناهيك عن الشوارع والميادين في كل محافظات مصر.

[email protected]