جريدة quot;20quot; دقيقة السويسرية شبهت الرئيس المصري محمد مرسي بعد الإعلان الدستوري الجديد، بالفرعون الذي يستحوذ على كل السلطات، وهو في تصوري تشبيه غير موفق لأن ما فعله مرسي اليوم يتجاوز سلطة الفراعنة (قديما وحديثا) والحكام المستبدين في العالم، ان ما قام به هو: اختطاف للدولة المدنية والدستور وانقلاب علي الديمقراطية التي جاءت به إلي الحكم فضلا عن السلطة القضائية، وهو سلوك فاشي لا يجروء عليه إلا من يمتلك ميليشيات فاشية وعصابات مسلحة، وليس quot; رجل دولة quot;. لقد انهي مرسي quot; دولة القانون quot; في مصر ومن ثم فقد quot; شرعيته quot; كرئيس حين وضع نفسه في منزلة أعلي من القانون والدستور الذي أقسم علي احترامه، كما أنه لم يعد رئيسا للمصريين حين ألغي سلطة الشعب الذي انتخبه، وكان يجب أن يرجع إليه ليستفتيه أولا في أي تعديل لبنود الإعلان الدستوري ndash; قبل أن يقدم عليه - فما بالك quot; بإعلان دستوري جديد quot;!
في النظم الديمقراطية الدستورية (المحترمة) توجد ضرورة للفصل بين السلطات الثلاث (التي اختطفها مرسي كلها) السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية. فالسلطة التشريعية هى التى تبلور القوانين وتصدرها، والسلطة التنفيذية هى التى تطبقها أو تحولها إلى واقع، والسلطة القضائية هى التى تعاقب من ينتهكون هذه القوانين، حتى ولو كانوا من رجال السلطة نفسها، وفي مقدمتهم الرئيس أو الحاكم بالقطع. وهذا المبدأ يهدف أساسا إلى إقامة دولة quot; الحق والقانون quot;، وهى تختلف عن الدولة الديكتاتورية أو الفاشية التي تقوم على القوة والبطش والطغيان.
من هنا لا يجوز للرئيس أن يتدخل في أي مادة قضائية أو يتجرأ بأن يحصن نفسه ضد القانون والدستور، لقد أصبح مرسي مسئولا منذ انتخابه عن تحقيق أهداف ثورة 25 يناير 2011 في إطار الشرعية الدستورية، وليس القفز عليها ليحل ديكتاتورا جديدا علي مصر بدلا من الديكتاتور السابق، يجمع بين (الفاشية الدينية والاستبداد السياسي) في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ مصر الحديث، حيث نشهد أول quot; حاكم quot; فوق القانون والدستور والشعب في القرن الحادي والعشرين!
لقد حصن مرسي اليوم الجمعية التأسيسية للدستور بعد انسحاب كل القوي الوطنية والمدنية منها، ولم يعد بها إلا الفصيل الإسلامي الذي ينتمي إليه، ضاربا عرض الحائط بفكرة أن الدستور هو quot; الوثيقة التوافقية الكبري quot; المعبرة عن العقد الإجتماعي بين المواطنين جميعا، وغايته الأساسية الحفاظ علي حقوق الضعفاء من بطش الأقوياء وحماية حقوق الأقليات من سطوة الأغلبية العددية، فليس الدستور هو من يضعه فصيل دون فصيل آخر في المجتمع، ولا هو وسيلة لاستعراض القوة العضلية والعددية وقهر الفئات الأضعف والأقل عددا الأولي بالحماية والرعاية في المجتمع، وإلا سادت quot; شريعة الغاب quot; حيث البقاء فيها دائما للأقوي وللجحافل المليونية الجرارة، وإذا لم تتحقق هذه الغاية من الدستور لا يمكن أن تسمي هذه السطور السوداء المتننازع عليها من الجميع quot; دستورا quot; مهما كانت غطرسة القوة التي تفرضها.
الدستور في النظم الديمقراطية (الحقيقية) تسمح بنوده القانونية بتشكيل أغلبيات جديدة بإستمرار، وهو ما يعني أنه ليس من quot; حق quot; الأغلبية السائدة في أي وقت أن تمنع مثل هذا الحراك السياسي والتغيير في المجتمع، علي العكس إذا لم يتضمن الدستور المواد القانونية اللازمة لتقبل هذه الفكرة باعتبارها مسألة مبدئية، وأن يسمح بإعادة تشكيل الأغلبيات ويكون ذلك ممكنا ومحميا بسلطة القانون، سقطت الديمقراطية وتحولت إلي نقيضها (الديكتاتورية) وخطرها المتمثل في الفاشية والشمولية والعنف، ذلك أن أية محاولة لإعطاء قرارات الأغلبية صفة (مطلقة) ndash; بإسم الدين أو السماء أو quot; الإله - الديكتاتورquot; تعنى إنكار طبيعتها المشروطة.
النظم الديمقراطية الدستورية - علي عكس النظم الديكتاتورية - تحترم القانون والسلطة القضائية، وأي نظام سياسي ndash; مهما كان - يفقد (شرعيته) رسميا وقانونيا حين يعتدي عليها، ومن هنا يجب أن تعلن المحكمة الدستورية فورا: quot; عزل quot; الرئيس محمد مرسي، لتصبح أول سابقة في تاريخ الدولة المصرية الحديثة!

[email protected]