يتم الحديث عن quot;بلاد الشامquot; الآن كوحدة جغرافية، وليس كوحدة سياسية. وإن كنا نتمنى أن يتم الحديث عنها كوحدة سياسية كذلك، كما كان حالها ووضعها أثناء الحكم العثماني. وقبل أن يتم تقسيمها في معاهدة سايكس- بيكو إلى أربع دول (سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين). ولكن بعد 1948 دخلت إسرائيل على خارطة هذه الدول. فهل تتم وحدة يهودية ndash; عربية مستقبلاً. وتعود بلاد الشام وحدة جغرافية وسياسية، وتصبح إسرائيل جزءاً منها؟
إنها كوابيس وأضغاث أحلام، ربما تتحقق!

quot;بلاد الشامquot; والعثمانيون
ففي العهد العثماني وحتى عام 1918 كانت بلاد الشام وحدة سياسية واحدة. وانفصل عنها لبنان في عام 1920 ، حيث نشأ كيان مرتبط منذ الأساس بنظام سياسي محدد. ذلك أن فرنسا كانت حريصة على إعطاء العصبية المارونية المتحالفة معها منذ قرون، مجالاً للتعبير السياسي المستقل عن ذاتها في القرن العشرين. كما قال أستاذ العلوم السياسية اللبناني غسّان سلامة في كتابه (المجتمع والدولة في المشرق العربي، ص 53). وفي نهاية الحرب العالمية الأولى نال لبنان استقلاله السياسي الكامل من فرنسا، واكتسب السمة الأساسية التي تجعل منه تشكيلة اجتماعية رأسمالية ، ذات طراز فريد، مرتبط خصوصاً بموقعه داخل السوق الرأسمالية العالمية، كما قال سليم نصر وكلود دوبار، في كتابهما( الطبقات الاجتماعية في لبنان: مقاربة سوسيولوجية تطبيقية، ص77).
وتبع ذلك، فصل الأردن عن بلاد الشام، كما حصل للبنان، وتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية. فتأسس الأردن الحالي عام 1921، نتيجة لقرار بريطانيا. وقيام إمارة شرقي الأردن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمخططات البريطانية ndash; الصهيونية في المشرق العربي، وإحاطة الوطن القومي اليهودي بسلسلة من الدويلات الطائفية والبدوية، التي يسهل على إسرائيل القضاء عليها والتوسع على حسابها، كما قال المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر، في كتابه (المشرق العربي المعاصر: من البداوة إلى الدولة الحديثة، ص 265).

الهاشميون ووحدة quot;بلاد الشامquot;
ظهرت إمارة شرقي الأردن كدولة على المسرح العربي، نتيجة ضرورات وتسويات على السياسة الدولية. وظلت حقيقة سياسية غير ثابتة، لا حدود واضحة لها خلال العشر سنوات الأولى من عمرها. فقيام إمارة شرقي الأردن يتقاطع جذرياً مع المشروع البريطاني لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين استناداً إلى وعد بلفور. وهكذا انشئت إمارة شرق الأردن، لأهداف ترتبط بسياسة بريطانيا، تجاه المشروع الاستيطاني الصهيوني، كما يقول المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر في كتابه (المشرق العربي المعاصر: من البداوة إلى الدولة الحديثة، ص245-247).
لم تكن البقعة الجغرافية التي يمثلها الأردن اليوم إلا ممراً للذهاب إلى مكان آخر. ليس للأردن دولة لها جذور في التاريخ يعاد إليها. وكان مؤسس الدولة الأردنية طارئاً على البلاد، ويحكمها بموافقة بريطانية. وكان المؤسس يعتقد أن عمان محطة إلى مملكة واسعة وهي مملكة quot;بلاد الشامquot; (سوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن). لكن المحطة تحولت إلى دولة مستمرة.
ومن أجل هذا الهدف كان المؤسس عبد الله بن الحسين الأول يدعو الى وحدة سوريا الطبيعية أو سوريا الكبرى، ليس كهدف عروبي قومي، ولكن كهدف ملكي خاص.
ففي 1941 صدر قرار مجلس الوزراء الأردني رقم 337 لتحقيق quot;الوحدة السوريةquot; وquot;هشمنةquot; سوريا الكبرى، واعتبار الأردن جزءاً من سوريا الكبرى كما اقترحت بريطانيا وفرنسا، ورغب الهاشميون في ذلك الوقت، وسعوا الى تحقيق هذا الهدف، لتوسيع دائرة مُلكهم، لتشمل سوريا، والأردن، وفلسطين. وقال القرار المذكور حرفياً :
quot;إن البلاد السورية بحكم وضعها الجغرافي ومواردها الطبيعية لا تتحمل ndash; وعلى الأخص من الناحية الاقتصادية ndash; أن تعيش إلا كياناً واحداً تتساند أجزاؤه معاً. ولقد دلت الحوادث السابقة على أن أي حاجز يفصل بين هذه الأجزاء من شأنه أن يسبب قلقاً واضطراباً في الحياة السياسية، ويؤثر في الناحية الاقتصادية تأثيراً سيئاً يساعد على بث الدسائس من جانب الدول المعادية.quot; كما قال يوسف خوري في كتابه التوثيقي (المشاريع الوحدوية العربية 1913-1989، ص 106).
وفي عام 1943 تقدم الأمير (المؤسس) عبد الله بن الحسين بمشروع وحدة سورية شاملة. وفي خطاب العرش عام 1946 طالب الملك بوحدة سورية الطبيعية. وأصدر فيليب تقلا في 20/11/1946 بياناً أيد فيه هذا المشروع. وفي عام 1947 تقدم الأمير عبد الله بن الحسين بمشروع قيام quot;سوريا الكبرى والاتحاد العربيquot;. وكان المشروع ينص على قيام الاتحاد العربي في الهلال الخصيب (بلاد الشام والعراق).
وكان الهاشميون بقيادة الملك حسين بن طلال قد طالبوا بقيام quot;الاتحاد العربيquot; الملكي الهاشمي بين الأردن والعراق عام 1958 رداً على وحدة سوريا ومصر عام 1958. وقال الملك حسين في 1958 للشعب الأردني:
quot; اليوم يلتقي أبنا الشعبين الشقيقين الأردني والعراقي بعد فرقة حاول المستعمر جاهداً أن يجعلها طويلة الأمد، ليباعد بين الأخ والأخ. والشقيق والشقيق، إلا أن وحدة الهدف والغاية بقيت تداعب النفوس وتراود القلوب، إلى أن أراد الله لها أن تلتقي من جديد، فيتحقق الأمل العذب، وتتعانق الأهداف المشتركة، ويجتمع الشمل تحت راية واحدة، هي راية العروبة.quot;
ولكن الهاشميين يرفضون الآن الوحدة، إلا إذا كانت تحت قيادتهم وملكهم. فالمُلك والتمليك هو الأساس، وربما كان ذلك من حقهم.
فهل لو تم الاتفاق على أن تكون الوحدة تحت قيادة الهاشميين، وبملكهم، يمكن لهذه الوحدة أن تتحقق، ولا يأتي زعيم آخر كعبد الناصر، ويختطف سوريا من مخالب الهاشميين؟
ويمكن أن نرضى ndash; نحن الشعب - بها باعتبار أن الهاشميين، وغيرهم من الحكام ليسوا خالدين ومخلدين وسيزولون يوماً، ولو طال الزمان، وتبقى الوحدة!
فقد ذهب جعفر نميري، وصدام حسين، وذهب القذافي، وذهب قادة ثورة 1952 المصرية.. ذهبوا جميعاً مع الريح، وبقيت مصر، والسودان، والعراق، وليبيا.

السلام عليكم.