كان quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، الذي تأسس عام 1932 في سوريا ولبنان، قد دعا إلى إقامة وحدة quot;سوريا الكبرىquot; لتضم، سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين (قبل قيام إسرائيل)، ومناطق أخرى. ونحن اليوم نجدد دعوة قيام quot;سوريا الكبرىquot; بفضل الثورة السورية 2011 ، التي ما زالت مشتعلة حتى الآن، لتحرق آخر قصبة من قصبات النظام الأسدي المنهار، وبفضل الحراك الشعبي الأردني المبارك.

ولكن هناك فروقاً كثيرة بين دعوتنا اليوم، لإعادة وحدة بلاد الشام، ودعوة quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، تتمثل في التالي:

1- كان quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، يدعو إلى وحدة سياسية بين مساحات شاسعة، وبلدان مختلفة، منها: العراق، والكويت، والأحواز، وسوريا الحالية، ولبنان الحالي، والأردن الحالي، وفلسطين، وأطراف جغرافية طبيعية من صحراء سيناء، وقبرص، وهضبة عينتاب. بينما نحن ندعو إلى وحدة سياسية بين سوريا الحالية، ولبنان الحالي، والأردن الحالي، وما تبقى من فلسطين. فذلك أكثر واقعية في العصر الحديث، وفي ظل المعادلات الدولية القائمة.

2- اصطدمت دعوة quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، بالسياسة الفرنسية التي كانت تحرص ndash; وما زالت ndash; على إبقاء وضع لبنان منفصلاً عن سوريا، على ما هو عليه الآن. وكان لفرنسا في العشرينات، وما بعدها من القرن العشرين، سطوة وقوة، لم تعد الآن كما كانت.

3- حصل الآن، انقلاب هائل في الجغرافيا السياسية العالمية، الذي نتج عن تفكك الكتلة الشرقية 1989. فالمتغيرات النوعية التي عصفت بالوقائع العالمية أسقطت توازنات كثيرة في السياسة والاقتصاد. أقلها عنفاً التوازن الدولي الذي أختل نتيجة لانتهاء الحرب الباردة، فاختلت معه التحالفات التي كانت تقوم في ظل الثنائية القطبية، وضاق بذلك هامش المناورات السياسية. وأكثرها عنفاً، هو الانفجار الهائل للمكبوت الديني، والثقافي، والعرقي، الذي تأسس بمجمله على الفشل الذريع لسياسات الاندماج الوطني، التي مارستها إيديولوجيات التحرير، ونماذج الأنظمة اليسارية السابقة، كما قال الباحثان المصريان: سناء أبو شقرة، وشفيق شعيب، في بحثهما المهم (المجتمع والدولة في الوطن العربي، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996).

4- كانت دعوة quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، تنطلق من حزب سياسي يسعى للسلطة. ويمكن أن تكون الرئاسة والسلطة لسوريا الطبيعية التي كان يدعو لها quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، ومؤسسه انطون سعادة، حلماً من أحلامه، وهدفاً من أهدافه السياسية. أما دعوتنا فلا هدف شخصياً لها، ولا مطمعاً سياسياً فيها، بقدر ما هي دعوة لوضع هذه البلدان من جديد، في مكانها السياسي الصحيح، الذي كانت عليه قبل 1918، وطوال العهد العثماني (1517-1918).

5- كانت من بين دوافع دعوة quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، محاربة الاستعمار الفرنسي الطامع في المنطقة، بعد الحرب العالمية الأولى، في حين أن دعوتنا تهدف الى إزالة الأنظمة السياسية الحالية الخرقاء والفاسدة، في الدول الأربع.

6- كانت دعوة quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، في بداية القرن العشرين. وكنا لم نجرب بعد، السلطة الوطنية العربية بعد الاستقلال، والتي جاءت بمصائب وكوارث كثيرة، مثل حكم آل الأسد في سوريا، وحكم الهاشميين في الأردن، وحكم زعماء العائلات الطائفية اللبنانية التقليدية، وحكم منظمة التحرير الفلسطينية، وحركة quot;حماسquot;، وغيرها. ولم نرَ الأضرار الكثيرة والدمار الكبير، الذي أحدثته هذه النظم السياسية في بلاد الشام. فلم يكن الحماس ولا العزيمة في ذلك الوقت كبيراً وشديداً لوحدة سوريا الطبيعية، أو ما أُطلق عليه quot;الهلال الخصيبquot;. أما اليوم، ونحن في خضم الثورات العربية، وقد quot;تحررquot; العراق من الدكتاتورية الصدامية، وتحررت تونس من دكتاتورية زين العابدين، وتحررت ليبيا من دكتاتورية القذافيين، وتحررت مصر من دكتاتورية العسكر، وتحررت اليمن، وثارت سوريا، وتحرك الأردن حراكاً شعبياً بطيئاً وثابتاً ، فستكون الدعوة إلى وحدة بلاد الشام أكثر حماساً، وأشد عزيمة، وأعلى صوتاً، وأقوى حجةً، وأوسع قاعدةً، وأصغى آذاناً، من ذي قبل.

7- لم يكن الوعي السياسي، الذي أخذ يفجر الثورات العربية الآن، وخاصة في بلاد الشام، موجوداً في بداية القرن العشرين، عندما أنشأ انطون سعادة quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;. ولم يكن قد وصل إلى هذا المستوى العالي والفعّال. كما لم تكن الكوادر السياسية الحالية الآن موجودة في ذلك الزمان، لكي تحقق وحدة بلاد الشام الذي ننادي بها الآن. وتوفر الوعي السياسي ووجود الكوادر السياسية الشابة، سوف يساعد كثيراً على تحقيق هذا الحلم.

8- لقد تعلمت الكوادر السياسية من أخطاء التجارب الوحدوية الكثيرة السابقة. فهناك ndash; حسب الباحث اللبناني يوسف خوري ndash; أكثر من 90 مشروعاً واتفاقية وبيان للوحدة العربية من عام 1913- 1989 ، وكلها فشلت فشلاً قاتلاً وذريعاً. وكانت كلها حبراً على ورق، ومن أجل التزويق السياسي فقط. ففيما يخص بلاد الشام وحدها، كان هناك الميثاق الذي وضعه أعضاء جمعيتي quot;العهدquot; و quot;الفتاةquot; في 1916. كان هناك قرار فصل لوائي نابلس وعكا عن ولاية بيروت عام 1918. وقرار quot;اتحاد الدول السوريةquot; المؤلف من دولة دمشق ودولة حلب ودولة العلويين عام 1922. وقرار quot;تنظيم الدولة السوريةquot; من دولتي دمشق وحلب عام 1924. ومشروع سوريا الكبرى أو وحدة سوريا الطبيعية، وقرار مجلس الوزراء الأردني رقم 237 لتحقيق الوحدة السورية. وخطاب العرش الأردني الذي تناول فيه الملك عبد الله الأول وحدة سوريا الطبيعية عام 1946. ومقترحات عبد الله الأول لتوحيد الأردن والعراق عام 1950. ومشروع فاضل الجمالي للاتحاد العربي بين الأردن والعراق عام 1954. ومشاريع وحدوية من ناظم القدسي عام1951، ومن خالد العظم عام 1955، ومن ادمون رباط عام1955، ومن محمد دروزة عام 1957، ومن الضباط السوريين لعبد الناصر عام 1958.. الخ. وما قام به المقبور معمر القذافي في سنوات مختلفة مع مصر وسوريا والسودان. وما قدمه الملك حسين من مشروع المملكة العربية المتحدة عام 1972 ، وذهب هذا المشروع مع الريح. وما قدمه المحامي عصام نعمان عام 1978 من مشروع إقامة quot;دولة الاتحاد العربيquot;. وما قدمه صدام حسين من إعلان قومي عام 1980.. الخ.

9- لن أستطيع وضع مبادىء دستور دولة بلاد الشام ولا نظامها الداخلي ولا تشكيلاتها السياسية، والتنفيذية، والتشريعية، والقضائية، وهذا كله أتركه للمتخصصين وللقانونيين، وزعماء الأحزاب اليمينية واليسارية والوسطية، في بلاد الشام. فأنا جاهل بها، ولا أجيد الحدث فيها. وإن تحدثت بها أخشى (التخبيص) الذي يضر، أكثر مما يفيد.

10- وأخيراً، أعلم بأن كلامي عن وحدة بلاد الشام سيذهب مع الريح، ولن يستمع إليه أحد الآن لأنه لا ينطلق من قوة السياسة، ولكن من قوة الفكر والثقافة. على عكس ما كان من quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، عندما اقترح مؤسسه انطون سعادة (1904-1949) مشروع quot;سوريا الكبرىquot;، أو quot;سوريا الطبيعيةquot;، أو quot;الهلال الخصيبquot;. فقد أقام quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot; الدنيا ولم يقعدها في النصف الأول من القرن العشرين. واقتحم quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، بوابة الإرهاب السياسي عندما اتهم باغتيال رياض الصلح (1894-1951) في عمان، انتقاماً من إعدام انطون سعادة عام 1949. حيث يقال أن مجموعة من quot;الحزب السوري القومي الاجتماعيquot;، قامت باغتيال رياض الصلح، وهو في طريقه إلى مطار عمان للعودة لبيروت.

السلام عليكم.