تشاك هاغل، السناتور الجمهوري، القريب من فكر الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، البراغماتي التعاوني... يرشّحه أوباما لوزارة الدفاع، ويدعم هذا الترشيح عددٌ من الشخصيات المهمة، منهم مسؤولون سابقون، بينهم المستشاران السابقان للأمن القومي، برنت سكوكروفت، وزبيغنيو بريجنسكي، إضافة إلى ديبلوماسيين سابقين بعثوا برسالة إلى أوباما لدعم ترشيحه، وعززوها بمقالات مؤيدة له وقعها كتاب معروفون، بينهم توماس فريدمان، من صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo;.

ويعارضه laquo;اللوبي الإسرائيليraquo; بوصفه عدوا لإسرائيل، ومعاديا للسامية، ورافضا للعقوبات على إيران، ولِوَصْم laquo;حزب اللهraquo; بالإرهاب، ومؤيدا للانخراط في حوار مع حماس، وغير ذلك.

-ولخّصت منظمة laquo;صهاينة أميركاraquo; شخصية هاغل بأنه laquo;مدافع مخيف وخطير عن مجموعات مثل حماس وحزب الله والنظام الإرهابي الإيراني أيضا مع كونه ربما واحدا من أشد منتقدي إسرائيل وأكثرهم عداء لهاraquo;.

وحثت أسرة الـ laquo;واشنطن بوستraquo; الليبرالية، أوباما على تأجيل التعيين، وأعلنت أن ليس من المناسب أن يشغل هذا المنصب الحساس جدا، شخص يتمسك بمواقف تقع quot;على هامش مجلس الشيوخquot;. وصرح بيرت ستيفنس، وهو صاحب عمود صحفي كبير في quot;وول ستريت جورنالquot; بأن تعيين هاغل سيحقق تصوره الذي يقول إن أوباما ليس صديق إسرائيل.

تقديمه الولاء لأمريكا على الولاء لإسرائيل:
وقد يكون في جوهر هذه القضية، وهذا التجاذب الذي لا يخلو من دلالات، ذلك التصنيف الذي تحمله عبارة هاغل:laquo; أنا سناتور الولايات المتحدة، ولست سناتور إسرائيلraquo;.

ومن هنا تثار القضية الأساسية، المتجددة، حول أثر اللوبي الإسرائيلي، ومداه..هل تفرض إسرائيل رأيها ورؤيتها، على صانع القرار، في واشنطن، من خلال جماعات الضغط المؤيدة لها، وبالاعتماد على عدد من المؤثرات الاقتصادية، والإعلامية والثقافية والتعليمية، والسينمائية الطاغية، كlaquo; هوليودraquo; على القرار الأمريكي؟

وهل ينجح هذا اللوبي في تمرير قراراته، في أوصال الدوائر الأمريكية؟

بالرغم من العدد الضئيل لليهود في أمريكا، (يقدرون بـ 2% ) إلا أنهم أكثر المجموعات العرقية والثقافية تأثيرا، وذلك لا يقتصر على مركزهم في الكونغرس الأمريكي، وتأثيرهم في مؤسسات الدولة الأخرى، كالبيت الأبيض، والرئاسة.

ولكن، أيضا، بالاتكاء على ثقافة وتصورات أمريكية تُعتبر هي الأرسخ، في تلقف الرواية الإسرائيلية، على مستوى العالم.

فضلا عن التوظيف السياسي للهولوكوست، والاستمرار في لعب دور الضحية؛ فهذا البث الإعلامي، والضخ اليومي عن مأساة اليهود، والمخاطر التي تحدق بإسرائيل، وبالإفادة من حرب أمريكا على الإرهاب، لا تكاد تدع للشعب الأمريكي، مجالا، للتفكير في مآسي الآخرين، وهذا يسمح باستدرار الدعم المالي والسياسي المتواصل والمطلق لإسرائيل، حتى لو صادف أن كان على رأس حكومتها، قادةٌ لا يتسمون برحابة التفكير، وبعد النظر؛ ما يجعل معرفتهم بالمصالح الحقيقية لإسرائيل، في نظر أصدقاء لها، محل تشكيك.

أيهما يوظِّف الآخر؟
ومع ذلك قد يكون من المفيد التأكيد على خط عريض في طبيعة العلاقة بين أمريكا، الدولة الأولى في العالم، وإسرائيل التي يُنظر إليها، أحيانا، بوصفها laquo;دولة وظيفيةraquo;. كما يذهب، الدكتور، عبد الوهاب المسيري، صاحب laquo;موسوعة اليهود واليهودية والصهيونيةraquo; قائلا: laquo;ومنطق laquo;الدولة الوظيفيةraquo; يستخدمه حتى المتحدثون الرسميون الإسرائيليون، حينما يذهبون إلى أمريكا. يقولون إن لو أمريكا أرادت أن تحافظ علي أمنها القومي في الشرق الأوسط لاضطرت إلي استخدام عشر حاملات طائرات، وكل حاملة طائرات ثابتة تكلف أمريكا ٥ بلايين دولار. إسرائيل تكلف الولايات المتحدة ٣ بلايين دولار فقط . حتى إن شارون حينما عرف بهذه الإحصائيات ضحك، وقال: أين الباقي إذن؟!!raquo;.

وتظل لإسرائيل المكانة الأثيرة، على اعتبار ثبات التحالف، وديمومته، بالقياس، إلى علاقة واشنطن بدول العالم العربي والإسلامي التي ليست- نظرا لاحتمالات التغير الجيبوليتيكية- على الدرجة ذاتها من الموثوقية.

من البَدَهيِّ أنه لا تطابقَ في المصالح، دائم، وكلي، بين أي كيانين سياسيين، فكيف، وموقع كل من هاتين الدولتين مختلف، ومستوى طموحاتها الفعلية، وحجم مصالحها، وتحالفاتها...؟!

وكثيرا ما تتعارض رؤية أمريكا ومصالحها، مع متطلبات حكومات إسرائيل، ولا سيما في تلك المنطقة العقدية المتعلقة بفلسطين، ومن أقرب الأمثلة على ذلك، الموقف التصادمي العلني الذي احتدم، بين الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، مطلع ولايته، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول وقف الاستيطان، قبل التفاوض مع الفلسطينيين.

ومؤخرا كان الرفض الأمريكي للخطط والمشاريع الاستيطانية التي أعلنت عنها حكومة نتنياهو، دون أية مبالاة بالرأي العالمي، ردا على نيل السلطة الفلسطينية مرتبةَ دولة مراقب في الأمم المتحدة، بالرغم من أنه، عند التدقيق، ومن حيث الجوهر، لا يُعدُّ الاستيطانُ، في العقيدة السياسية التي يؤمن بها اليمين الإسرائيلي، ردا، وقد يكون في توقيت الإعلان عنه، والبدء به، ما يشبه الرد الانتقامي المؤلم، والمهدد لمشروع حل الدولتين.

وتصبح هذه التناقضات بين الدولتين، أخطر، وأكثر إرباكا للسياسة الأمريكية، حين تتجاوز النزاع مع الفلسطينيين، وتنتقل، مثلا، إلى الإقليم، كما هو في شأن التعامل مع خطر وصول إيران إلى القدرات النووية، ففي الوقت الذي كانت إدارة أوباما تفضل الحوار والعقوبات، حاولت حكومة نتنياهو جرَّ أمريكا إلى الخيار العسكري، غيرَ مقدرةٍ لخطورة هذا القرار، وتداعياته، على الترتيبات الأمريكية في المنطقة.

وعودا إلى هذا الاختبار بين قوة أوباما، ومن طرف خفي قوة المصلحة الأمريكية، كما يراها أوباما، وغيره، من كبار الخبراء، وأصحاب الرأي، وبين قوة laquo; اللوبي الإسرائيليraquo; ومن يؤيدهم،
فمن حيث الكفاءة يتمتع هاغل، السناتور السابق عن ولاية نيبراسكا، بخبرة 12 سنة في مجلس الشيوخ، وتحديداً في مجال موازنة الدفاع، ما يسمح له بخوض مفاوضات محورية في السنوات الأربع المقبلة، لإعادة صوغ برامج laquo;البنتاغونraquo; والحدّ من الإنفاق. وسعى أوباما إلى الإفادة من هذه الخبرة، إلى جانب كون هاغل محارباً سابقاً في الجيش الأميركي، وانتمائه إلى الحزب الجمهوري، ما يفيد الرئيس في أوساط المستقلين.

ولو قُدِّر لهاغل أن يجتاز هذه الاعتراضات، فإنَّ مواقفه ستتكيف مع توجهات إدارة أوباما، وتوجهات أمريكا الثابتة من إسرائيل، حيث لا تخلٍّ عنها، في أي ظرف، مع هامش من التفاوت في اللهجة، وفي وسائل الضغط، أو مقدار التدخل.
[email protected].