عاطف العزي
إنطلق ما سمي ب(الربيع العربي) عفويا فى يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 عندما أحرق شاب تونسي نفسه إحتجاجا على ما يعانيه من شحة فى الرزق واعتداآت الشرطة عليه . وفى اليوم التالى خرج آلاف التونسيين فى مظاهرات وقع فيها عدد من الضحايا . واشتدت المظاهرات والاحتجاجات فاضطر الرئيس بن على التنحي عن الحكم وغادر تونس الى السعودية بعد أن حكم تونس بالنار والحديد مدة 23 عاما لم يجرأ أحد خلالها على منافسته . كان بن على فى منصب الوزير الأول للرئيس الراحل السابق بورقيبة ، ولما ساءت صحة الرئيس قام بن على بإحالته على التقاعد فى نهاية 1987 وأعلن نفسه رئيسا للجمهورية. وضع تونس الآن هادىء نسبيا بالرغم من محاولة السلفيين الوثوب الى الحكم ، وإذا ما نجحوا فتلك مصيبة .
أما بالنسبة لمصر ، فإن وضعها الاقتصادي كان قد بدأ بالتدهور بعد تنازل فاروق عن العرش ومغادرته مصر فى 1952 واستولى العسكر على السلطة . سعى عبد الناصر الى التقرب من الاتحاد السوفييتى وسعى فى تسليح الجيش المصري ، وفرض نفسه زعيما للعرب باسم القومية العربية . وبدأ بمهاجمة الغرب واسرائيل إذاعيا ، فصدقه الشارع العربي وهتف له . حاول ضم ليبيا والسودان واليمن والعراق لمصر وفشل ، وضم سوريا الى مصر ودامت الوحدة 3 سنوات وفشلت بعد أن دمر الاقتصاد السوري . ظن أن جيشه قد أصبح من القوة بحيث يستطيع أن يقهر اسرائيل ومن معها ، ووقعت الحرب وهزم فى حرب 1956 . وحاول مرة أخرى فى عام 1967 (عام النكسة) وفشل فشلا ذريعا ومات بعدها كمدا سنة 1970 ، تاركا وراءه بلدا فقيرا مكبلا بالديون . بعد ناصر حاول السادات جهده لإصلاح الاوضاع ، فغير سياسة ناصر من موالاة السوفييت الى موالاة الغرب ، وطرد آلاف الخبراء السوفييت من البلاد . هاجم اسرائيل على حين غرة ونجحت قواته فى عبور قناة السويس ، ولكنه خسر المعركة وتقهقرت قواته وعبرت القناة عائدة من حيث أتت . زار اسرائيل سنة 1977 ووقع معها معاهدة سلام والتى على اثرها اعادت اسرائيل الاراضى المحتلة الى مصر . اغتيل السادات فى اكتوبر 1981 ، وخلفه حسنى مبارك فى الحكم . ومثل معظم القادة العسكريين الذين لا يتنازلون عن مناصبهم الا بالقوة ، فان حسنى مبارك لم يكن ينوى ترك منصبه مع أنه حكم مصر 30 عاما . وبحسب مجلة (فوريغن بوليسي) الأمريكية فانه يحتل المركز الخامس عشر من قائمة (أسوأ السيئين لعام 2010) واعتبرته حاكما مطلقا مستبدا يعانى داء العظمة وشغله الشاغل الوحيد أن يستمر فى منصبه ، وهو يحكم البلاد منذ 30 عاما بقانون الطوارىء لإخماد اي نشاط للمعارضة وكان يهيء ابنه جمال لخلافته . مصر التى تدمرها خلافات أهلها اليوم أصبحت معرضة للانهيار الشامل ، ولو ابتعد رجال الدين عن الحكم وفسحوا المجال للسياسيين المخلصين لأصبحت كعبة للسياح من جميع أنحاء العالم ، ولأصبحت مواردها من السياحة تعادل ما تحصل عليه الكويت والامارات والبحرين مجتمعة من عائدات البترول ، ولكن الدلائل تشير الى أنهم لن يفعلوا . وأما ليبيا فقد كانت ملكية دستورية حصلت على الاستقلال فى نهاية الحرب العالمية الثانية . وفى 1/9/1969 قام الملازم (العقيد فيما بعد) معمر القذافي بالانقلاب على الملك ادريس السنوسي ، وحكم ليبيا حكما دكتاتوريا فظيعا حتى مقتله على أيدى الثوار الليبيين فى 20/10/2011 . كان القذافى قد بدد أموال بلده فى مغامرات عديدة كلفت ليبيا كثيرا ، مثل تعويض أهالى ضحايا تفجيره لطائرة فوق (لوكربي) البريطانية الذى زاد على 3 مليارات دولار، ووصفت صحيفة (نيويورك تايمز) حكم القذافى فى وقتها قائلة: (ليبيا نظام حكم لصوص تملك فيه اسرة القذافي والمقربون منه مصالح مباشرة فى كل ما له قيمة) . وصرف مليارات كثيرة أخرى على شراء أسلحة لم يستعملها . ناهيك عن البذخ الخيالي لأبنائه والمقربين له . ليبيا التى تخلصت حاليا من أفسد وأفسق وأغبى حاكم فى العالم معرضة الآن للدمار على ايادى أهلها . الميليشيات المسلحة التى استولت على الأسلحة التى استوردها القذافى يحارب بعضها البعض الآخر ، فتتكدس الجثث وتعم الفوضى ويهرب المستثمرون ورأس المال الوطني ، وقد يشمل الدمار الآبار النفطية فتحل الكارثة الكبرى .
واليمن كانت تحت حكم العثمانيين ، وفى نهاية الحرب العالمية الأولى تسلم الحكم فيها الامام يحيى حميد الدين المنسوب الى زيد بن على بن ابى طالب ، واستمر حكم الامامة الزيدية المتخلف لدولة تعتبر أفقر دولة فى العالم وأشدها رجعية وجهلا . ثم قامت ثورة سنة 1962 أصبح على عبد الله صالح رئيسا لجمهورية اليمن الشمالية منذ عام 1978 ، وبعد قيام الوحدة بين الشمال والجنوب سنة 1990 أصبح رئيسا للجمهورية اليمنية حتى تنحيته ومغادرته الى الولايات المتحدة الأمريكية في يوم 22/1/2012 بعد نجاح الثورة الشعبية التى بدأت فى شباط/فبراير 2011 . الاضطرابات فى اليمن لا تزال على أشدها والتدمير التفجيرات تحدث فيها فى كل يوم ، فان لم يتدارك عقلاؤها الأمر فسيغرق البلد فى حروب أهلية مدمرة . وسورية اليوم تمر بأصعب مراحل وجودها . يحكمها حزب البعث الديكتاتوري الدموي منذ 8/3/1961 ، حافظ الأسد أصبح رئيسا لسورية من آذار/مارس 1971 لغاية وفاته فى 10/6/2000 . دمر مدينة حماه فى عام 1982 بقصف دام 27 يوما قتل فيها عشرات الآلاف من السوريين ، متحججا بمطاردة الأخوان المسلمين الذين عارضوا حكمه . والآن ولده بشار يبرهن على أنه أكثر دموية من أبيه . حزب البعث الحاكم فى سورية هو صنو لحزب البعث المقبور فى العراق ، وكان حافظ الأسد ينافس صدام على رئاسة الحزبين ولكنه لم يختلف معه على المبادىء . الاثنان كانا يحكمان حكما مطلقا وكل من عارضهما كان مصيره الموت الشنيع . ومما يعقد المسألة الآن هو الخوف من أن يتولى الحكم بعد بشار من هو أسوأ منه وخاصة السلفيون والقاعدة . سورية المعرضة الآن للدمار من قبل قوات الحكومة والمعارضين لها على السواء ، لا ينقذها غير سقوط حزب البعث وأيقاف الاخوان المسلمين عند حدهم وطرد مجرمى القاعدة من البلد ، وإعادة السياسيين المعروفين بنزاهتهم وصلاحيتهم للحكم . البحرين : حصلت على استقلالها عام 1971 وكان عدد سكانها آنذاك سبعون ألفا (حاليا أصبح مليونا و مئتين وأربعين ألف نصفهم أجانب)
. وفى عام 2002 تحولت من إمارة الى مملكة بعد التصويت على ميثاق العمل الوطنى الذى انقلب عليه الملك فيما بعد ونقضه ، وأصدر دستورا منفردا بإرادة منفردة . فى البحرين أكبر قاعدة للأسطول الأمريكي خارج الولايات المتحدة ، ومنها انطلقت القوات الغربية لاخراج قوات صدام من الكويت فى عام 1991 ، ومرة أخرى انطلقت منها لغزو العراق وقضت على حكم البعث وصدام سنة 2003 . فى 14/2/2011 قامت سلسلة من الاحتجاجات واعتصم المتظاهرون فى دوار اللؤلؤة يطالبون باصلاحات سياسية واقتصادية ، وبعد ثلاثة أيام قامت قوات الأمن بالهجوم على المتظاهرين فى دوار اللؤلؤة وسقط العديد من الضحايا والجرحى .
دخلت القوات السعودية ضمن قوات (درع الجزيرة) الى البحرين بناء على طلب ملكها . وتعقدت الأمور أكثر وازدادت الاضطرابات وتحول الأمر من طلب الاصلاحات الى طلب تغيير الحكومة وتغيير النظام الى ملكي دستوري ، وبدأت الطائفية تلعب دورها المقيت . فان ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان هم من الشيعة الذين يشعرون أنهم يعاملون على انهم مواطنون من الدرجة الثانية . وإذا لم يتم تدارك الوضع المتأزم فى البحرين ويتم الاتفاق بين العائلة المالكة والشعب على تأسيس بحرين ديموقراطية يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات ، وتفصل السياسة عن الدين ويتناسون الخلافات الطائفية فستكون البحرين عرضة للدمار ، وقد تمتد مشاكلها الى دول الجوار . إستثار (الربيع العربي) مشاعر الشباب فى البلدان العربية الذين يعانون من البطالة وطغيان الحكام الذين يعضون بنواجذهم على كراسي حكمهم وحصر الحكم فى عوائلهم ، وطغى عليهم الحماس ، وهم لا يدركون أن الثورات ليست لعب أطفال تستعمل فيها أسلحة مصنوعة من خشب . فإن الثورات إن لم تكن منظمة وأهدافها واضحة ومتفق عليها ويقودها قادة معروفون بوطنيتهم واخلاصهم لبلدهم ، لا تكون ثورة بل فوضى تكتسح بلدانهم ، وبدلا عن الربيع سيخيم عليها زمهرير شتاء طويل . ملاحظة: سأتطرق لاحقا الى الأوضاع المأساوية فى العراق .
التعليقات