بين يدي هذا المقال قد يكون من الضروري تأكيد بعض الأمور.
أولا: من حق الشعب السوري، كغيره من الشعوب، أن يقرر حكامَه، وليس نظام البعث في دمشق، بالنظام المُجْمَع عليه، ولا هو بالنظام الذي لا يَقْبَل المفاضلة، أو سنة التغيير والتطوير.
ومثل هذا النوع من النظم ليس من السهل أن يتطور، إلا في حدود ضيقة، غير جوهرية، فهو من نوع الأنظمة البوليسية الأمنية الدموية، وتاريخه، في بلده، يشهد.
ثانيا: الطريق الأسلم للتغيير هو التغيير السلمي، المعتمد على حشد التأييد الداخلي.
ثالثا: أسلوب التفجيرات الذي يطال الأبرياء، ويهدد بفتن داخلية، ويعكر المياه، ويفتح الأبواب على مصاريعها لكل متدخل شرير المآرب، والأهداف، هذا النوع من الأساليب مدان ومستنكر، ولا يخدم لا النظام ولا المعارضة، ولا الثورة، واللاجىء إليه يائس، وضيق الأفق.
ولا يخفى أن انزلاق سورية إلى هذا النوع من التفجيرات يُدخل البلاد والنظام والثورة في نفق مظلم، ويعلن عن فشل جميع الأطراف، بما فيها الإقليمية والدولية، كلها في تحقيق أهدافها، على اختلاف تلك الأهداف، وتناقضها.
وقد نكون أمام احتمالين: إما أن الأمور قد انفلتت فعلا من السيطرة، وأن عناصر، أو جماعات دموية، ليست في صميم الثوار، قد نجحت في استغلال الحالة المنفلتة؛ لتصنع البيئة التي تراها مناسبة لنشاطاتها.
وإما أنَّ طرفا من الأطراف المتصارعة، أو فروع من تلك الأطراف، بتوافق، مع قادتها، أو دون توافق، قررت الدفع، نحو السلاح الأخير، وهو التصعيد المفضي إلى تغيير المعادلة التي لا تبدو قريبة الحسم.
فمن جهة قد يستفيد النظام من هذا الحالة الجديدة التي قد يؤمِّل منها التغطيةَ على الاحتجاجات السلمية التي لا يفلح في القضاء عليها، بعد ما يزيد عن العام، على اندلاعها، برغم كل الوسائل البالغة العنف والاتساع التي استخدمها.
وهذه التفجيرات في الأماكن السكنية والتي حرصت وسائل الإعلام الرسمية على تكرار عرضها بصور شديدة القسوة، تلقي بالرعب في نفوس السوريين من أن يؤول مصير وطنهم إلى ما آل إليه العراق، على مدى سنوات...
ثم قد يؤمِّل النظام في أن تؤدي تلك التفجيرات إلى التلويح بحرب أهلية كَثُر التحذير منها، إذا استمرت الثورة، أو النزاع، على هذا النحو غير الحاسم.
وهذه الحرب آخرُ ما يتمناه السوريون، ولا سيما في دمشق، وحلب اللتين تأخرتا في الانخراط في الثورة، ولمَّا تدخل كل مناطقها فيها، بعد.
وقد يكون للنظام دافع آخر للقيام بمثل هذه التفجيرات، وهو إفشال خطة أنان، تلك الخطة التي يلتقي عليها laquo;المجتمع الدوليraquo; والجامعة العربية، وهي تفضي، في حال التزم النظام بها، إلى نقل السلطة، بعد حوار مع المعارضة، وبعد سحب الأسلحة الثقيلة من المناطق المتمردة، وبعد السماح بالتظاهر السلمي، وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح للإعلام الدولي، بالتغطية.
ولو أن هذه الخطة، في الوقت الحاضر، لا تشكل تهديدا جِدِّيا، للنظام؛ لأنه لا يلتزم بها، بشهادة أنان، نفسه، ومع ذلك، لا يُستتبع، ذلك، بمواقف دولية ردعية، بل يُسارَع إلى التلميح بعدم وجود وسيلة أخرى بعدها، إلا الانزلاق إلى حرب طائفية، أو أهلية، مع أنه من المفترض، أن تُترجَم هذه الإرادة الدولية التي تمثلت في هذه الخطة، إلى قرارات تصعيدية أخرى، تحمل النظام، على الانصياع لمطالبها، ووقف القتل.
ولكن هذا التراجع، أو التعجُّل، في نفض اليد، لا يؤشر على إرادة دولية، أو أمريكية،( في الوقت الراهن، على الأقل، وفي الوقت القريب، حتى الانتخابات الرئاسية، في نوفمبر/ تشرين الثاني، المقبل) تتجه نحو إنهاء هذه الأزمة، وإنما إدارتها، كما بات معلوما للكثيرين من المهتمين.
ومن الاستراتيجيات التي تنتهجها أمريكا، في إدارة الأزمات، أنها تترك الأطرافَ المتنازعة، في مناطق الأزمات، يُنهك بعضُها بعضا؛ حتى تَخْفِضَ سقف مطالبهم، وحتى تُلجئهم إلى الحلول التي تريد، بعد دفع أثمان باهظة، تكون هي في معزل عنها.
لكن ارتفاع وتيرة العنف، والقتل، في سورية، إلى هذا الحد، أمر خطر، ولا يبدو أنه يصب في سياسة الإدارة الديمقراطية، في البيت الأبيض التي ترى في التهدئة، في منطقة الشرق الأوسط، علامة مهمة على نجاح الرئيس الأمريكي، باراك أوباما.
صحيح أن ما يهم واشنطن، بالدرجة الأولى، هو أن لا تخرج الأزمة من سورية إلى الجوار، ومنه لبنان، والعراق، ولكن ارتفاع وتيرة العنف إلى هذا الحد ليس من السهل تقبله، فضلا، عن كون احتمالات خروجه إلى خارج نطاقه، سيكون أكبر.
ولو كانت واشنطن ترغب في الوقت الحاضر بتصعيد، لغضت الطرف، على الأقل، عن رغبة بعض الدول العربية، في تسليح المعارضة، وهذا الخيار، على محاذيره، فإنه يأتي قبل التفجيرات، فظاعة، ولا سيما، إذا تكررت، وتكرَّست.
وأخيرا، فإن التفجيرات الرهيبة، تضر بجميع الأطراف، في سورية، وحتى غيرها، لكن المسئولية الأكبر تقع على عاتق الدولة، والخطورة الأكبر، سياسيا، عليها؛ فهي لا تقوى على أداء وظيفتها، وعلى إثبات مسوِّغات بقائها، في هذا الوقت الذي يُشكَّك فيه بشرعيتها...والضحية هو الناس في سورية..نسأل الله أن لا يكون هذا بداية تعويم للأزمة، أو خلطا للأوراق.
[email protected].
- آخر تحديث :
التعليقات