أضحت شبه جزيرة سيناء، بعد إسقاط حسني مبارك، منطقة صعبة، أمنيا، وطرأ ارتفاع ملحوظ على نشاط الجماعات المسلحة، انطلاقا منها، وربما كان أبرز تجليات هذه النشاطات عملية إيلات العسكرية النوعية التي قُتل فيها سبعة إسرائيليين معظمهم من الجنود. وكذا تكررت تفجيرات أنابيب الغاز المتجهة إلى إسرائيل، وتلك المتجهة إلى الأردن.

الموقف الإسرائيلي:
كان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد صرح، أوائل شهر نيسان الجاري، عقب ما ادعته إسرائيل من إطلاق صواريخ من سيناء على منتجع إيلات، بالقول:laquo; إننا نشاهد الآن أن سيناء قد تحوّلت إلى قاعدة للإرهاب ونحن نعالج ذلك، ونقيم جداراً أمنياً، ولكنه لا يوقف الصواريخ، وسنجد حلا لذلك أيضاً. سنستهدف أولئك الذين يعتدون علينا. لا يمكن منح حصانة للإرهاب ويجب أن نكافحه. وفي نهاية المطاف, لا أحد يدافع عن اليهود إذا لم يدافع اليهود عن أنفسهمraquo;.

وفي تصريحات أخيرة لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي، داني أيالون، حول التطورات الأخيرة في مصر، قال أيالون:laquo; نراقب التطورات عن كثب. لكننا لا نتدخل في شؤون مصر، وهذا لاعتبارات سياسية. نأمل أن يعرف الشعب المصري ازدهارا اقتصاديا عن قريب. بالنسبة لنا، معاهدة السلام مع مصر مهمة جدا. وعلق حول احتمال العمل العسكري في سيناء قائلا: أؤكد لكم أننا لم نفكر للحظة أن ندخل إلى سيناء.raquo;.

وهذا هو المتوقع: أن تتجنبَ إسرائيل أية أعمال من شأنها المس بالأوضاع السياسية المضطربة، أصلا، في مصر، الأمر الذي قد يصعب على المؤسسة العسكرية المصرية، وحتى على السياسيين المتعهدين بالالتزام بمعاهدة السلام، الاستمرار في هذه المواقف، في مواجهة المشاعر الوطنية المُستَفَزَّة.

وذلكlaquo; الانضباط الإسرائيليraquo; لا يعني الكفَّ عن خطوات أمنية فردية، فقد عزز الجيش الإسرائيلي قواته على الحدود مع مصر، وزودها بمركبات quot;هامرquot; تحمل أجهزة رصد وإطلاق نيران تلقائية. وتواصل إسرائيل بناء السياج الحدودي مع مصر..

واعترافا من إسرائيل بخطورة الأوضاع، وتخوفها من تفاقم قوة الجماعات المسلحة؛ وافقت على تجاوز القوات المصرية للحدود التي نصت عليها اتفاقية كامب ديفيد، لمواجهة الجماعات التي يُعتقد أن بعضها مرتبط، أو يسير، على نهج القاعدة، كما يشار إلى صلة بعضها بـــــlaquo;جيش الإسلامraquo; في قطاع غزة..

من الناحية العملياتية قد لا يكون ثمة أثر جدي يعوق الجيش المصري عن ضبط الأوضاع في سيناء، كما كان منسوبُ الأمنِ، في عهد مبارك، ولكن الأثر السياسي لا بد ينعكس على مصريي سيناء، الذين لا يزال قسم كبير منهم متأثرا بالبداوة... فبعد غياب مبارك، وتعرُّض مركز الدولة إلى الإرباك، وتحسس المصريين في سيناء، كما في سائر مصر حاجتهم إلى الحقوق المُغيَّبة، أو المنتقصة كان من الطبيعي أن تتحفز قواهم، وتستيقظ مطالبُهم.

وقد تكون هذه البيئة الغاضبة، أو المشوبة بمشاعر الاحتجاج والمظلومية مساعدةً لتنامي الجماعات المسلحة، وحتى المتشددة منها.

كما كان لثورة يناير أثرٌ في تصاعد الروح الوطنية، ولعل من المؤشرات على ذلك laquo;حركة ثوار سيناءraquo;، وهي حركة وطنية سياسية تطالب باستكمال السيادة المصرية على سيناء، وتتهم إسرائيلَ بالتسبب في تنامي laquo; تنظيمات التطرفraquo; لأنها تقيد السيادة، وتحدُّ من السيطرة الأمنية المصرية، بموجب اتفاقية كامب ديفيد.

وربما وجدت الجماعات القريبة من laquo;القاعدةraquo; في انشغال الدولة والمؤسسة العسكرية، في مهام أساسية في المركز، فرصةً للنشاط في الأطراف، ومعروف عن تنظيم القاعدة استراتيجيتُه القائمة على استخلاص مناطق نائية، تضعف فيها السيطرة المركزية للدولة والجيش....

هل يُعاد النظر في اتفاقية كامب ديفيد؟
سؤال يتردد منذ نجاح الثورة...وربما كان الأقربُ إلى مناخ الثورات العربية والثورة في مصر أن يستعيد الشعب نسبةً ملحوظة من التأثير على القرار والسياسة الخارجية، بما يضفي بعدا وطنيا أوضح على السياسة الخارجية، والمعاهدات...طبعا ذلك مرهون باستقرار داخلي، وترتيب الأوضاع الاقتصادية، ولا سيما، ومصر مُعرَّضةٌ لأزمة اقتصادية قريبة، قد لا تجد بدا من اقتراض مليارات الدولارات يقدرها البعض بعشرين. وهو ما قد يؤثر على الحياة اليومية للمصريين والحاجات المعيشية الأساسية.

وهذا قد يصرف انتباه الشعب وقواه إلى الهموم الداخلية، وإن كان قد يكون محفزا إضافيا لإعادة النظر في أسعار الغاز المُصدَّر إلى إسرائيل، كما قد ينعكس سلبا على الأمن في سيناء، إذا تفاقم الفقر، ونستذكر عمليات اختطاف السائحين، في منطقةٍ تعتمد على دخل السياحة...

لكن الأثر الأكبر الواقع على سيناء ناجم عن التطورات السياسية في القاهرة، من حيث من يمسك بالسلطة؟ وكم يمتلك منها؟

فإذا استقرت أوضاع مصر الاقتصادية، وانتظمت الحياة السياسية فإن الرأي العام مُرشَّحٌ للتصاعد، والضغط لتعديل اتفاقية كامب ديفيد، والدفع نحو توسيع سيادة الدولة على سيناء.

وتبقى سيناء بخصوصية موقعها....وطبيعة النشاط السياسي وlaquo;الجهاديraquo; فيها، تحتاج إلى رعاية من الدولة المصرية، اقتصادية واجتماعية وأمنية...وهي أكثر استجابة للأوضاع في غزة وقطاعها، من غيرها بحكم الصلات التنظيمية والتعاملات مع غزة ومنظماتها.

كما أنها ستظل، ما لم تُحْكِم الدولةُ قبضتها عليها، منطلقا وجسرا لعمليات عسكرية حقيقية، أو توظيفية من دول إقليمية ومنظمات laquo; الجهاد العالميraquo;.
[email protected].