يحتاج هذا الموضوع إلى مناقشة موضوعية ذات خلفية ملمة بتركيبة النظام الأسدي القابع على قلوب وظهور الشعب السوري منذ 42 عاما فقط. وأقصد التركيبة والبنية الأمنية ولا يعرف تفاصيلها المخيفة والمرعبة إلا من عاش في سوريا، وكان محل ثقة من أصدقاء سوريين متنفذين مما أعطاهم الطمأنينة للبوح بأسرار لا يمكن لأي مراقب في الخارج أن يعرفها.

طبيعة البنية الأمنية والعسكرية للنظام
من المعروف والمؤكد أنّه منذ الانقلاب العسكري الدموي للأسد الأب عام 1970 على رفاقه البعثيين، بأنه بدأ يضع تدريجيا كافة المراكز الحساسة والمهمة والآمرة في الجيش وقوات الأمن بيد عائلته وأصهارها وأخوالها والقريبين منهم خاصة عن طريق السلب والنهب الاقتصادي الذي جعل غالبيتهم من ذوي الملايين والمليارات، وبالتالي ارتبط مصيرهم ومستوى الحياة الذي وصلوا إليه بوجود هذا النظام القمعي الفاسد واستمراريته مهما كان الثمن، وهم الذين جاءوا عام 1970 من قرية القرداحة إلى دمشق وهم لا يملكون إلا القمصان البالية التي تسترّ أكتافهم. لذلك فالثمن الذي يعيشه الشعب السوري منذ مارس 2011 هو ما لا يقل عن 15 ألف قتيل في غالبية المدن والقرى والأرياف السورية، بالإضافة إلى ألاف من المفقودين الذين لا يعرف مصيرهم أحياءا أم أمواتا. أمّا سجناء الرأي فلا داعي للتذكير بهم، فالكل يعرف مدى تكميم الأفواه وعدد هؤلاء السجناء وخطف أولادهم وأفراد عائلاتهم.
وتعتمد البنية الأمنية المخابراتية على توزيع كافة مناحي الحياة السورية على فروع متخصصة، مما جعل من الصعب تسميتها دوما، فلجأ النظام المتوحش لإطلاق الأرقام كتسمية لها وللحفاظ على سريتها أيضا. كان يقال الفرع 290 ، الفرع 291، الفرع 297 ..وهكذا. أمّا التسميات فمن الصعب تعدادها أيضا: المخابرات العسكرية، المخابرات الجوية، فرع فلسطين المتخصص في شؤون المدنيين الفلسطينيين، فرع الضابطة الفدائية المتخصص في شؤون المنظمات الفلسطينية، فرع أمن القامشلي المتخصص في شؤون السوريين من القومية الكردية، حيث يعمل منذ سنوات على ما يمكن تسميته تطهيرا عرقيا، من خلال تهجير ألاف الأكراد للعيش الاجباري في مناطق غالبيتها عرب سوريون، وإجبار ألاف من هؤلاء العرب السوريين على العيش في المناطق الكردية. وفي حي ركن الدين بدمشق حيث تعيش نسبة من السوريين الكرد، لا يمكن معرفة عدد المخبرين الذين يتجولون بملابس مدنية ليلا ونهارا لرصد أية تحركات أو نشاطات كردية. هذا بالإضافة لحصر غالبية المراكز الأمنية والمخابراتية في مناطق مغلقة مثل ما هو موجود منها في منطقة ( كفر سوسة ) وبالتالي من المستحيل الوصول إليها أو تفجيرها إلا بقصف جوي، وهذا غير موجود عند أية جهة حزبية معادية للنظام. القصف الجوي موجود لدى الاحتلال الإسرائيلي فقط، ولكن هذا الاحتلال ليس غبيا في أن يقصف المراكز الأمنية والمخابراتية المتخصصة في قصف الشعب السوري، ومنع أي فلسطيني أو سوري من إطلاق أية رصاصة على الاحتلال من الحدود السورية، بينما الاحتلال الإسرائيلي قصف في الخامس من سبتمبر 2007 ما اشتبه في أنه موقع نووي في منطقة دير الزور، وأعقب ذلك في أغسطس 2008 باغتيال العميد السوري محمد سليمان لأنّه حسب ما تسرب من معلومات إسرائيلية، أنّه كان المسؤول عن متابعة هذا الملف النووي مع الخبراء الكوريين الشماليين والممولين الإيرانيين.

توقيت التفجيرات
هل يستطيع أي فرد أو جهة أو تنظيم إدخال هذه الكميات من المتفجرات التي استعملت في التفجيرات على ضوء هذه القبضة الأمنية التي لا مثيل لها، ويصاحبها أيضا رصد كامل ودائم للاتصالات الهاتفية ، مما كان وما يزال يجعل أي مواطن سوري أو مقيم يخاف من الحديث في أمر سياسي أو له علاقة بالنظام من أية ناحية عبر الهاتف. وهناك مئات المواطنين والمقيمين تمّ استدعاؤهم للفروع الأمنية ليسألوهم ( ماذا كنت تقصد بالجملة الفلانية في مكالمتك مع فلان ليلة كذا..). ولي صديق كان يسكن في بناية من بنايات ما تسمّى ( الإدارات ) في حي ركن الدين نفسه، تم استدعاؤه عام 1981 إلى فرع فلسطين ليسألوه: لماذا تتصل دوما بفلان في مكتب ياسر عرفات بتونس؟.
أما التوقيت الذي تمّ تحديده لوقوع هذه التفجيرات فلا يمكن لأي غبي من المعارضة أو القاعدة كما يدّعي النظام أن يختار هذا التوقيت. فأهم التفجيرات استقبل بها النظام المراقبين العرب ثم المراقبين الدوليين، واستبق بواحد منها انتخاباته المسخرة سواء لتجديد رئاسة الأسد الوريث أو ما يسميه زورا مجلس الشعب. وبالطبع اعتقد هذا النظام ومعه إعلامه الغبي وفبركات فيديوات معلمه وليد، أنّ هذه المسرحيات ستمرّ على المراقبين العرب والدوليين. لم تمرّ بدليل أنّ بعض المراقبين العرب انسحب بعد أيام من مراقبته لهذه المساخر، ثم انتهت مهمة المراقبين كاملة بدون أية نتيجة لصالح الشعب السوري بل كانت مجرد فرصة تمديد للقتل بموافقة ومراقبة الجامعة الموصوفة زورا ب ( العربية ). أما رئيس بعثة المراقبين الدوليين الجنرال النرويجي( روبرت مود) فمن المهم قراءة ما بين سطور تصريحه، عندما قال بعد أيام قليلة من وصوله ( أن الطرف القوي هو الذي يجب أن يوقف إطلاق النار أولا ). وأعتقد أنّ الجاهل يفهم أنّه يقصد النظام الأسدي المتوحش على الشعب السوري فقط.

وشهادة من مالكي العراق
والكل يتذكر اتهامات نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي المتكررة بأن نظام ألأسد هو من يرسل المخربين والإرهابيين للعراق، وبالتالي فالنظام الأسدي هو المسؤول عن القتل والتفجيرات في العراق. وهذه التصريحات يستنتج منها أنّ الإرهابيين من أية جهة أو تنظيم جاءوا فهم من إعداد وتدريب وتسليح نظام ألأسد مما يعني أنهم معروفون له ومرصودون من أجهزته، وهم في الأساس مأجورون طالما مهمتهم قصف وتدمير وقتل الشعب العراقي، فليس من الممكن خروجهم عن طاعة سيدهم القاتل الأسد. هذا رغم لحس المالكي لاتهاماته هذه ووقوفه المخزي داعما لهذا النظام الأسدي المتوحش، ولا يمكن فهمها إلا أنّها أوامر طائفية إيرانية. والمالكي لا يمكن أن يخرج عن طاعة أوامر سيده في قم أو طهران.

لذلك فكل المعطيات والدلائل،
تؤشر بوضوح صارم أنّ كل هذه التفجيرات من صنع النظام، كي يبدو أنّه ضحية الإرهاب مثل غيره من البلدان. وأيضا فإنّ نظاما يقتل خلال عام ونصف قرابة 15 ألف مواطن سوري لن يتأسف أو يهتز ضميره إن وجد على قتل مئات من جراء هذه التفجيرات المفبركة، لعلّ هذه التفجيرات تحسن صورته التي لن تتحسن إلا برحيله، وإن كان هذا الرحيل على طريقة القذافي فستكون صورته بشعة..لذلك علّ الأسد الوريث يصحو ويقول للشعب السوري: نعم تستحقون الحرية والكرامة والديمقراطية ويكفيكم 42 عاما من قمع والدي وقمعي..فهل يفعلها؟ أشكّ في ذلك فشعار الأسد ونظامه العائلي الطائفي ( أنا أو الشعب السوري).