حالة من الغضب المبرر بدأت تجتاح الشارع المصري من جديد،بعد أن استفاق المصريون من حلم الثورة الجميل..ليجدوا انفسهم مجبرين علي اختيار واحد من اثنين لا ثالث لهما، إما الطيار رفيق الطيار صاحب الضربة الجوية الأولي الذي خلعه شعبه، أو الشيخ مرشح الجماعة التي أخلفت وعودها اكثر من مرة وباتت مصدقتيها محل تنّدر وفكاهة المصريين.

سالت دموع المصريين وهم يجدون انفسهم بين فكي الرحى( الجنرال و الشيخ) الجنرال الذي يستعد لشدهم إلى العصرالبائد بكل فساده وظلمه، فاتحاً باب الانتقام وتصفية الحسابات علي مصرعية،والشيخ الذي سيأخذنا إلى عالم جديد وتجارب جديدة لا نعرف إلى أين ستقود.

خاب أمل كل الثوار وأهالي كل الشهداء وهم يرون نهاية الثورة تتأرجح بين قبضتي الفلول والإخوان،وهذا ما ينذر باندلاع ثورة مكملة ومصححة لمسار الثورة الأم لإنهاء بقايا نظام الفلول ومن ثم اقتلاع جذور الفساد الضاربة في أركان الدولة المصرية،هذا الفساد الذي مازال مسترخياً في أحضان الفلول ينعم بالرعاية والحماية، لا يزعجه إلا قليلا من الصخب والضوضاء بين اللاعبين علي الساحة السياسة المصرية الآن، الذين يتنافسون ويتصارعون من اجل اقتسام المغانم وتوزيع الكعكة التي أتت بها الثورة اليهم علي طبق من فضة.

لا يشك احد من المتابعين للمشهد المصري الحالي في أن النخبة السياسية التي تتصدر المشهد الآن هي غير قادرة علي إنقاذ الوضع الراهن في مصر،لأن أغلبها من الذين يجلسون علي كل الموائد، ويعقدون الصفقات مع كل الأطراف،ليس لمصلحة الوطن فيها أولوية إنما مصلحة انفسهم وما يتولون من مناصب، وهذا هو مبرر ذلك الانقسام الكبير بينهم.

إن مصر بكل طوائفها عندما توحدت اجتازت الصعب ونجحت في خلع النظام المستبد بكل أجهزته القمعية في 18 يوم،حيث خرج 50 مليون مصري في الشوارع يهتفون بكلمة واحدة وهي quot;ارحلquot;..ورحل النظام، وعندما انقشعت سحابة الثورة ظهرت الانقسامات والخلافات والصراعات بين كل التيارات من اجل المناصب والكراسي والمجد الشخصي،وكان أخيراً الصراع علي كرسي الرئاسة الذي راح المتنافسون يتناحرون من أجل فخامتة،ومن أجل مخصصات الرئاسة، غير عابئين بغياب الدستور الذي من المفترض أن يحدد صلاحيات الرئيس القادم قبل إنتخابات الرئاسة !! أنهم كذلك لم يستوعبوا الدرس من برلمانquot; الكتاتنيquot; الذي خسر كل صراعاته مع العسكر ومع حكومة الجنزوري، ليس لغرض أكثر من استمرار الأعضاء مرتاحين علي مقاعدهم الوثيرة،وهذا ما عجل في اقتراب شبح الفلول من من الزحف الي مقعد الرئاسة.

تدفعنا سخرية الواقع السياسي المصري هذه إلي تذّكر فيلم quot;لا تراجع ولاستسلام quot; فبطل الفيلم الشاب الساذج quot; حزلقونquot; يقوم بدفع المال إلى عصابة تهريب، من أجل تهريبه إلى الشواطئ الأوروبية، حيث يحلم بالثراء والعيش الكريم، وتأخذه العصابة في يوم السفر المزعوم علي ظهر مركب مستأجر، وبعد مناورة به في البحر يخبره زعيم العصابة بأنهم اقتربوا من الشواطئ اليونانية وعليه الآن القفز في الماء والإبحار إلى الشاطئ..وعندما يصل quot;حزلقونquot; إلى الشاطئ تستبد به الدهشة وهو يري أن الشاطئ اليوناني يشبه الشواطئ الشعبية المصرية،ثم تستبد به الدهشة اكثر وهو يري سيدة بدينة تجلس علي الشاطئ تأكلquot;المحشيquot; وعندما يري بائع quot;السميط والفريسكا quot;بسرواله المصري وهو يتجول علي الشاطئ، يعرف quot;حزلقونquot; علي الفور الخدعة التي وقع فيها، لقد فقد نقوده وما برح شاطئ بلاده، هكذا هي نفس الحالة التي مرت بها الثورة المصرية فالمجلس العسكري الذي تقلد دفة السفينة وأبحر والشعب معه في رحلة تيه عبر بحار من الأمل والرجاء،عاد في نهاية الرحلة ليجد نفسه مرة أخرى علي نفس الشاطئ،وشفيق في انتظاره ملوحا بابتسامته الحديدية..ليدرك الشعب انه مثل بطل لا تراجع ولاستسلام قد غرر به.

بعد كل هذا العناء وتلك الأرواح التي أزهقت في سبيل إنجاح الثورة يتساءل المصريون الآن هل هناك مخرج؟ أم أن الثورة تم بالفعل وئدها ؟ هل العودة الي ميدان التحرير مرة أخري هو الحل؟

لا شك إن الأمل الوحيد المتبقي في إنقاذ الثورة رغم إهماله كل هذا الوقت،هو الاتحاد واختيار قيادة موحدة في مواجهة الفلول،لقد أدت مخططات الأنانية والانفراد بالسلطة والتكويش علي كل المناصب كما في حالة الإخوان إلى تفتيت عضد الثورة، بل ومساعدة الفلول علي اختراق المشهد الذي بات شفيق علي قمته منافسا في جولة الإعادة مع مرسي.

إن أحدا لم يأخذ في الاعتبار مسألة الوعي السياسي عند طائفة كبيرة من المصريين، فهناك فريق منهم لا زالت إمكانية التحكم في أصواتهم أمر وارد، ويرجع ذلك إلى انعدام الوعي السياسي عند هؤلاء رغم أن أصواتهم تصل إلى الملايين، وتعد المتاجرة بأصواتهم هو التزوير بعينه، انظر إلى غياب ذلك الوعي السياسي المتمثل في هذا النموذج الذي عرضته احدي القنوات الفضائية وهي تستطلع شرائح من المجتمع عن المرشح المفضل قبل أيام قليلة من بداية الجولة الانتخابية، توجهت عدسة الكاميرا إلى سيدة بسيطة الحال لا تعرف شيئاً في دنياها غير هموم الحياة التي تغرقها،فيسألها المذيع عن مرشحها المفضل الذي ستدلي بصوتها له،فتجيب علي الفورفي بساطة ممزوجة بالسذاجة quot;المرشح الذي تريده حضرتك! أي المرشح الذي سينصحها به المذيع وهنا تكمن الخطورة لان ذلك هو بعينه الذي أتى بشفيق ومرسي إلى مرحلة الإعادة ووضع المصريين في حرج بالغ.

[email protected]