يمكن للانسان ان يتجول بين الافكار والثقافات وحتى بين العقائد، يطلع ويقارن ويتفحص ويستزيد وينقض ويحلل ثم يستريح لفكر بعينه ويميل لثقافة بعينها، ويشاركه هذه الاختيارات دون اتفاق مسبق جل أو كل أبناء عرقه، لكن لا يستطيع الإنسان أن يتجول بين الاعراق التى انتجت هذه الثقافات وتعتنق هذا الفكر وهذه العقائد، حيث يستحيل أن يتقمص انسان عرق غير عرقه لسبب جوهرى هو ان التجوال فى الحالة الاولى وسيلته العقل لأنه فكر سابح فى الفضاء ماعلينا الا ان ندير مؤشر او نفتح كتاب ثم نغوص فى افكار الناس وثقافاتهم ومعتقداتهم نتعرف عليها ونتفاعل مع طروحاتها، أما فى الحالة الثانية فالوضع مختلف تماما، فالعرق مكون مادى بحت، إنه مجموعة من البشر ذوى صفات مشتركة غالبة لونا وملامحا وطولا ووزنا وأحيانا رائحة، بالاضافة لشريط وراثى مطبوع على خلاياهم يمنع علي الانسان (إن لم يتزاوج بغرباء) أن يخرج من هذه المظلة القسرية التى لم يخترها. وعلى سبيل المثال عندما نقول انه عربى يتداعى بالضرورة انه مسلم،ويتبع ذلك فرعية أخرى أنه سنى، وان قلنا مثلا انه قبطى فهو مسيحى ومن ثم غالبا فهو ارثوذكسى، وبالقياس ان قلنا انه فارسى فهو مسلم شيعى، وهكذا لو هندى او صينى أو انجلو سكسونى، أى أن كل عرق يعيش فى بيئة إمتزج فيها بعقيدة تواءمت معه كمكون بشرى، ثم أنتج هذا الامتزاج بين العرق والعقيدة والبيئة فكر وثقافة لها طابعها المتفرد، فعندما امتزج العرب بالاسلام فى بيئة صحراوية كان النتاج الفكرى والثقافى مختلف عما نتج من امتزاج الافارقة أو الامازيج أو النوبيين أو الاتراك بالاسلام فى بيئات أخرى مختلفة، أى أنه كان العرق أولا ثم امتزج العرق بالدين فى بيئة ما ونتج عن هذا التفاعل فكروثقافة الخ، فعند ذكر العرق يتداعى فى الذهن لاإراديا سلم التوصيفات الدين والثقافة والفكر وربما المهنة والملبس ونوعية الغذاء.

وكما توافق العرق عقيدة توافقه أيضا حرفة وعلى ذكر الحرف وبالتطبيق على مصر ظلت حرف بعينها قاصرة على اعراق فظل الاقباط يجيدون ويحتكرون مهن كالنجارة وصياغة الذهب والاسكافية وحتى سنين قريبة لم ينفض عنها احتكارهم الا بعد أن دخلت الالات الحديثة فى صلب الحرفة، وبالمثل كانت مهنة كالرعى قاصرة تماما على العرب والبدو الرحل ولا زالت حتى اليوم.

أما من يذهب الى الميناء الشهير انتويرب فى بلجيكا فسيرى ان اليهود لم يتنازلوا لاحد عن مهنة اجدادهم وهى صياغة وتجارة الماس والاحجار الكريمة بكل انواعها وهى تقريبا حكر عليهم فى العالم كله (والحدبث هنا عن اليهود كعرق بشرى). أما عن الصراعات التى دارت وتدور فى كل الدنيا وان حٌمِلت بدعاوى هامشية كثيرة فهى اولا واخيرا صراعات عرقية بحته حتى لو استطاع امراء الحروب الدهاه اخفاء هذا السبب الرئيس واطلاق تسميات أخرى عليها أبرزها صفة القداسة حتى يتم تقليص معارضيها وتحييدهم، والحقيقة إنه صراع من اجل حيازة الارض والانفراد بالسلطة وقهر بقية الاعراق والتسلط عليهم كما اعلنها هتلر صراحة ودون مواربة وحدد الرجل بوضوح أعراقا يجب اخضاعها للعرق الآرى واعراقا أخرى يجب ابادتها نهائيا، وأعراق ثالثة اعتبرها الرجل أعراق ناشئة من نظرية النشوء والارتقاء، البشر ذوى الجماجم المفلطحة حسب دارون، وتلك أعراق متدنية وظلت افكار العبودية لتلك الاعراق والسيادة عليها مسيطرة لحقب طويلة فى كل ارجاء الكوكب، أما بقية الزعماء قبلة أو بعده (أى هتلر)فقد التفوا حول القضية بمسميات لاستنهاض الهمم والحماسة، بدءا من الانجلو سكسون والفايكنج مرورا بالسلاجقة والتتار وحتى العرب واليهود.

ولما انفرط عقد الاعراق الى قبائل انفرط معه عقد الاديان الى مذاهب وبعد ماكان لكل عرق دين اصبح لكل قبيلة متفرعة من عرق مذهب من نفس الدين إمعانا فى الاستقلالية واستعدادا لوضع المذهب الجديد فى المواجهة عند الضرورة أى عند نشوب الصراع المستقبلى بين القبائل. وعندما قامت الحروب المسماه بالصليبية كانت حربا بين العرب والأوربيين بهدف تصفية حسابات قديمة تمت بنفس النمط فى الاندلس وصقلية ومالطة وهدف آخر هو توسيع الامبراطوريات التى ضاقت على النبلاء والامراء وباتت فى احتياج شديد لمساحات لتوزيعها عليهم، وكان الصليب المظلوم الذى اتخذه الاوائل علامة إتضاع وتسامح واتخذه هؤلاء علامة قهر وحرب. وحتى فى الفتوحات الاسلامية تم تقنين (وأحيانا منع) دخول الناس فى الدين الجديد لاعتبارات عرقية محضة. وفى بلجيكا الهادئة الصراع نائم بين الجرمان والسلتيك، وهم قبائل من نفس العرق والدين وفى ايرلندا يتصدر المذهب الدينى عنوان الصراع (القبلى) حيث كنى الصراع باسم المذاهب أى الكاثوليك والبروتستانت، ولا يزال الصراع بين الهنود الحمر والغزاه فى امريكا اللاتينية قائما منذ قرون وفى عالمنا العربى يبدو المشهد أكثر وضوحا حيث تتقاتل الاعراق والقبائل داخل الاعراق ولم يمنعهم وحدة الوطن أو الدين أوالمذهب من حقن الدماء فى لبنان واليمن والصومال والسودان ومصر فى صراع مستدام على الارض والسلطة والثروة صراع الاعراق الازلى، ويسقط القتلى وتسيل دماء الابرياء ويظل السبب الرئيس المعلن على الواجهة العريضة الدين ولا شيئ غير الدين، والى ان يحصل (حزب الله) و(جيش الرب) على النصر المبين، سيظل الصراع عرقيا خالصا مهما قيل من تبريرات وتغريرات، ليظل شريان الامداد والتموين بالبشر مفتوح دائما لتغذية الصراع، ولا تستطيع وسيلة ضمان سريانه إلا المبررات السماوية التى يساق بها البشر مسلوبى الارادة لهذا الاتون الازلى. وسمح الله بالاختلاف والتعدد: أعراق واثنيات وعقائد ومذاهب كل يختار ويحترم اختيار الآخرين فى ظل الحرية التى منحهم اياها الخالق ليحاسب كل حسب اختياراته، وكان رحيما بالعباد ولم يكن العباد رحماء بأنفسهم، تقاتلوا أعراق وقبائل وكل يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة، ويحاول دعاة الحروب الترويج لقدرية هذه الصراعات كأوامر إلهية لاراد لقضائها، لكنها فى الحقيقة صراعات أعراق وقبائل للسيطرة والإمتلاك والقهر، بسبب السلطه والارض.

فى النهاية يتبقى توضيح للقارئ العزيز أن هذا الطرح لا ينبغى توصيفه على انه مبحث فى علم الانسانيات أو ماشابه لكنها تأملات ربما تلقى الضوء على أحداث جارية على الساحة.