والكذب هو أعلى شكل من أشكال التقية الإسلامية. أن تقول شيئا وتضمر شيئاً آخر. أن تخفي حقيقة وتقدم غير الحقيقة محاولاً إضفاء المصداقية عليها، وظهور الفضائيات كوسيلة إعلامية ساعدت على تأكيد مبلغ التقية الإسلامية!

شاهدت اللقاء الذي أجراه معكم غسان بن جدو. شاهدته وأنا داخل العراق قبل أيام. واللقاء مسجل أثناء مؤتمر القمة العربية لصالح قناة كانت في طور التأسيس، وهي قناة الميادين.

وقناة الميادين ما كان يجب تأسيسها لأنها لا تضيف شيئا لقناة المنار أو القناة السورية. فقد أعلنت منذ البداية عن وجهها الشمولي الساذج. إستجداء صور أطفال أفريقيا وفلسطين وتحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر وبالعكس والدفاع عن سوريا ظالمة أو مظلومة. وقدمت كشكل من أشكال السبق الصحفي على ما يعتقدون في مقابلة تقليدية مع رئيس وزراء العراق السيد نوري المالكي الذي هو أنت. مقابلة توحي بالموضوعية والنقد وصولاً ومحافظة على مبدأ quot;التقيةquot; الإسلامي.

كنت أتوقع أن يكون ثمة أعلاميون أكثر ذكاء، أن يصار إلى تأسيس قناة ذات طابع ليبرالي ممتع يعمم الثقافة الإنسانية والمعرفة الحقة ويعالج الواقع العربي بروح من الموضوعية والشفافية بعيداً عن صياح القنوات الملتبسة المتأسسة في المنطقة العربية، ولكن هكذا كان يراد للقناة إيرانيا وحزب اللهياً وسورياً وهي الطريقة الإعلامية المقرفة التي عودتنا عليها نظم البعث وصوت العرب وصوت الجمهورية الإسلامية في إيران وأخيراً القنوات القطرية والخليجية.

قدمت لنا القناة مقابلة مع رئيس وزراء العراق الذي هو أنت أيها السيد المالكي.
من يشاهد المقابلة وهو لا يعرف العراق يمكن أن تنطلي عليه الكثير من الحقائق. وطبيعي لا يوجد اليوم شخص لا يعرف العراق. فالعالم أصبح قرية صغيرة بسبب وسائل الإعلام. لكن الشخص الوحيد الذي لا يعرف العراق على حقيقته ويعرفه وفق مبدأ التقية هو رئيس وزراء العراق صاحب المقابلة في قناة الميادين الذي هو أنت.

بداية أقول لك أيها السيد رئيس الوزراء أنت تكذب. إذ من المستحيل القول أنك لا تعرف ما يدور في العراق وكيف يعيش العراقيون!؟.
تقول أنك ديمقراطي وتريد الإحتكام للدستور!

أي دستور هذا الذي تطلب الإحتكام اليه. هو دستور كتبه الأمريكيون وقدم لما كان يطلق عليه المعارضة العراقية فتم تقاسم الكعكة العراقية عن طريق الدستور وتم تقاسم الحصص من خيرات العراق ومن جغرافية العراق. وبعد أن أتفق على شكل الدستور الذي لا علاقة للناس فيه لا من بعيد ولا من قريب. دخلت القوات الأمريكية العراق ورتبت إجراء إنتخابات بعد أن قامت بالغاء مؤسسات الدولة وأستفادت إيران من هذا الإلغاء لتدخل قواتها في صلب مؤسسات الأمن والشرطة والوزارات العراقية. ثم جرت إنتخابات بمباركة مرجعية على شكل حقيبة مغلقة تسمى quot;قائمةquot; على المواطن أنتخابها كاملة مثل كيس من القماش يحتوي على بيض فاسد على المواطن شراؤه وعدم السماح بفتحه والتأكد من النوع، حتى إذا ما أخذ كيس البيض كي يطبخه يجده فاسداً بعد أن يكون قد دفع الثمن!

هؤلاء الذين تم أنتخابهم في حقائب مغلقة هم الذين أقروا الدستور العراقي، وهو أساساً مقر لأن الذين قبلوا فيه تقاسموه قبل أن يقر وأن النواب هم أتباعهم الذين أقروه. فالشعب العراقي لم يطرح عليه دستور ولم يقر دستوراً.. دستور كل ما فيه إنتهاك للحريات وتشوية لواقع وتاريخ العراق. فعلى من تضحك أيها السيد رئيس الوزراء؟! كلما سئلت قلت أننا نعمل وفق الدستور ونحتكم للدستور وهذا شأن القوى الأخرى من الأكراد وما يسمى بالكتل السياسية الأخرى.

نأتي إلى قولك أن العراق يشكل حضوراً متميزاً في المنطقة، وأن دول المنطقة لا تريد لهذا العراق أن يكون له مثل هذا الدور المتميز. أتظن أن مؤتمر القمة العربية يشكل حضور العراق في المنطقة. مؤتمر القمة ليس سوى إجتماع نظمته بأجور مرتفعة شركات تركية وغير تركية لينقل حضور ممثلي البلدان ووكالات الأنباء. وهو لا يمثل سوى قضية ذات طابع إعلامي صرفت لها الأموال لإنجاحه. وكان الدكتاتور المقبور وحتى في فترة الحصار والضائقة المالية قد عقد لرؤوساء البلدان مؤتمراً للقمة بذات البذخ وبذات النجاح وأكثر ولكن لم يكن يعني شيئاً، لأن العراق في زمنه كان منخوراً ومريضاً وكان ينتظر من يداويه حتى ولو كان الطبيب إسرائيليا!

هل أنت مؤمن بما تقول؟ أي دور لعراق مريض مفكك منخور فاسد الحكومة!؟ السرقات في العلن وليست في السر، وفي وضح النهار والمصارف منهوبة والنفط منهوب وإيران تحتل الوزارات والأمن والجيش والكورد يتصرفون بدولة مستقلة وبآبار نفط لا علاقة لهم بمركز الدولة والضرائب تجبى والمشاريع تقام والقنصليات تنشأ والعلم يرمى واللغة محتفرة.. فعن أي عراق تتحدث. كل موظفي دولتك لصوص في وزاراتهم عرباً وأكراداً وفي مجالس محافظاتهم. والمواطنون يشكون عبر القنوات الفضائية ومحرومون حتى من تسلم رواتبهم التقاعدية تحت درجة حرارة قاتلة. نسوة متعبات رسم الدهر أخاديده على وجوههن المرهقة. تصور كل واحدة منهن أما لك وهي تبحث عن بضعة وريقات تقاعدية وتبقى لأيام كي تتسلم هذا الراتب فيما يبلغ راتب أعضاء برلمانك مع المخصصات والحماية ما يقرب من عشرين ألف دولار وهم يتقاضون الراتب ويعيشون خارج العراق وكرفع عتب يحضرون بعض الجلسات ثم يغادرون في نفس اليوم. فهل أنت تعقل ما تقول. أنت وحكومتك لستم سوى حكومة تلفزيونية ورئيس وزراء تلفزيوني ورئيس جمهورية تلفزيوني ووزراء تلفزيونيين. تذهب أنت أو لا تذهب، سيأتي غيرك بعثيا ثم شيوعيا ثم ماركسيا ثم تروتسكيا ثم ماوياً ثم أصبح تحت قيادة وفكر المجلس الإعلى! جاء هو أم بقيت أنت، رحل هو أو جاء أياد، ذهب أياد أو جاء الجعفري ليس لنا سوى أن نضع لكم أغنية شادية quot;في الهوا سواquot;.

تقول أيها السيد رئيس الوزراء قولا لإبن جدو في قناته الوليدة quot;الميادينquot; أنت لست دكتاتوراً ولست طائفياً وتضرب المثال بالقول أنك ذهبت إلى البصرة وإعتقلت العشرات من الشيعة وأنت شيعي ثم ذهبت إلى النجف وأعتقلت خمسمائة وستين شخصا من الشيعة وأنت شيعي. ألا يثير ذلك الضحك المتواصل. من أنت حتى تذهب وتعتقل. لقد نسيت القول بالحديث عن نفسك أنك ديمقراطي. الديمقراطية تقتضي أن تقدم الوثائق للقضاء ليتأكد من صحتها ويحاسب المتهم ويعطى كافة الحقوق بالدفاع عن نفسه لا أن تذهب أنت بنفسك وتقول quot;وأعتقلتquot; لا يقول مثل هذا القول سوى الحاكم الواحد الأوحد الدكتاتور. فالدكتاتورية مدرسة أيها السيد رئيس الوزراء فيها طلاب متفوقون في الجريمة مثل هتلر وستالين وفيها طلاب متوسطو الذكاء مثل باتستا ومنغستو هيلا ميريام وفيها طلاب أغبياء! مثل هؤلاء لا يحسنون حتى صياغة شخصية الدكتاتور في تاريخ حياتهم السياسية. الدكتاتورية مراتب ومستويات وعقول مختلفة الأمزجة والأمراض وليست دكتاتورية واحدة. الدكتاتورية مدرسة فيها أساتذة خبراء وفيها طلبة في طور الدراسة وهم أيضا مختلفو الأمزجة والعقول المريضة. فإدارة الدولة أيها السيد رئيس الوزراء لا تتم بالسفر للمحافظات وإعتقال المشبوهين شيعة كانوا أم سنة. إدارة الدولة هي التي تنتج القوانين السليمة والقانون يأخذ مكانته وينفذه أشخاص منتخبون في المحافظات من ذوي العقول النيرة وليسوا من ذوي الشهادات الموقعة في ما يطلق عليه الجامعات الحرة من الهند إلى لندن وهولندا ومن عمان إلى سوق مريدي.

دعني أسألك عن البلد المستقر الذي وأنت تتحدث مع القناة والمقابلة قديمة والحديث عن عراق مستقر كانت الأخبار المكتوبة لذات القناة في أسفل الشاشة تعلن عن مقتل 77 مواطنا وعشرات الجرحى في التفجيرات في أربع محافظة من محافظات العراق.. وهذه التفجيرات هي ظاهرة شبه يومية. وأقول لك ناصحا إن كنت تقبل النصيحة ولا أخالك كذلك. لقد مرت الشعوب في التاريخ بحالات إحتراب وإضطراب وأوجدت حلولا لحياتها. فالبلد الذي يخاف غزو البلدان المجاورة أنشأ الأسوار ووضع كاميرات المراقبة والأسلاك الشائكة وحمى حدوده من المتسللين ومن الجيوش الغازية ونجح بقدر كبير في حماية الأرض من النهب وحماية أرواح الناس من الإزهاق. ولو سألتني وسألتك وسألت نفسك لماذا لم يحصل مثل هذا الحل ومن ثم معرفة أحوال الناس وتزويد كل مواطن بهوية ألكترونية غير قابلة للتزوير تكون موضع تساؤل، وها نحن في أوربا نحمل هويات الكترونية غير قابلة للتزوير توضع تحت أيد أمينة وتمنح للمواطنين وبسببها لا يمكن مرور شخص مزيف أو مزور أو قاتل والشوارع مزروع فيها الكاميرات الدقيقة التي لا ترى بالعين تراقب كل حركة وفق مكاتب مراقبة للبوليس الوطني وبيوتنا معروفة لدى الشرطة والبلديات ولا نخاف وننام قريري العيون والدولة تحرسنا والجرائم حالات إستثنائية سرعان ما يتم كشف منفذيها وإذا حصلت الجريمة وحصل الإهمال فإن رئيس الوزراء وحكومته يقدمون أستقالاتهم خجلا وحرصا على الوطن ويقدمون أنفسهم للمساءلة. هذه هي لعبة الديمقراطية التي نجح الغرب بادائها. فعن أية ديمقراطية تتحدث أيها السيد رئيس الوزراء العراقي، فأما أن تكون تلفزيونيا أو أن تكون مواطناً حقيقيا يحب وطنه أولا وأخيراً. لا يمكن الجمع بين المهنتين أيها السيد رئيس الوزراء.

خلال حديثك تتحدث عن المشاركة والمكونات الإجتماعية والسياسية والدينية والعرقية. وتفتخر بأن حكومتك هي حكومة مشاركة والبرلمان هو طريق التسوية!

هنا تكمن العلة وهنا الداء. العلة التي قادت العراق إلى quot;الخرابquot; وتعبير الخراب هو تجميل لواقع العراق حيث لم أجد هنا الكلمة المناسبة لما وصل إليه العراق، هذه المشاركة أو المحاصصة أو تقسيم الكعكة هي مشكلة العراق. فبدلا من أن يأخذ المبدعون والتكنوقراط مواقعهم لخدمة بلادهم أتيتم بالمتحاصصين وبهذا وزعتم خيرات البلاد على أفراد وليتهم أفراداً فحسب فهم أفراد ويحملون صفة quot;اللصquot; وتركتم المواطنين كي توزعوا عليهم الفقر والعوز والجهل والموت. هل تريد أن أورد إليك قائمة لا تنتهي بموظفي وزاراتك والوزراء وأنت تعرفهم. هؤلاء الموظفين والمحافظين في المحافظات يعينهم السادة، من أؤلئك الذين أشتروا قنينة صبغ سوداء يدهنون بها عمائمهم تخولهم بالإنتماء إلى محمد بن عبد الله فيأمرون وينهون ويتقاسمون الكعكة العراقية. أصحاب محلات كباب في المانيا ونادبو المقاتل في لندن والدانمارك وهولندا أستدعيتموهم لكي يديرون البلاد برواتب لا يحلم أوباما أن يطلبها من الكونغرس ناهيك عن عمولات المقاولات والمشاريع لا لشيء سوى إنتمائهم لحزبكم وهذه قمة المأساة أو قمة المهزلة. لو كانوا موهبين فأهلا فهو وطنهم أيضا، ولكن لا يجوز أن يأتي الجاهل على حساب بناء الوطن فيعبث بأمنه وبناء مستقبله وحق أطفاله في العيش والتعليم والصحة. ولمناسبة ورود كلمة الصحة هنا أصارحك أنني تعجلت العودة إلى بريطانيا لأنني زرت مريضا في أحد المستشفيات فأصبت بالرعب وخفت أن أمرض وأنا في العراق، فما شاهدته ليس مستشفى ولا هو مقر لرمي النفايات ويديره موظفو صحة بدرجة ممرض بسيط، وأعرف أن في بريطانيا وحدها خمسة آلاف وخمسمائة طبيب عراقي متفوق وعبقري، ولم أجد طبيبا واحداً في ذلك المستشفى داخل العراق الذي زرته فتعجلت العودة إلى بريطانيا خشية أن أمرض فأموت، والموت حق ولكني أود أن أعيش شاهداً ما أستطعت كي أذرف ما يكفي من الدموع على وطني الذي رأيت.

تقول لغسان بن جدو أنك تدعو الشركات العربية للإستثمار، فالعراق هو البلد الوحيد الذي يمكن الإستثمار به لأن بقية البلدان إكتمل بناؤها والعراق هو الفرصة الوحيدة وهو بلد ثري!

أستغرب من رئيس وزراء يدعو الشركات للإستثمار في بلاده وبلاده ثرية وسوف يستفيدون من هذا الثراء. الصحيح أيها السيد رئيس الوزراء هو أن تقيم المشاريع العملاقة المدروسة لبناء القاعدة المادية الصلبة للحياة وتحول الوطن إلى وطن منتج وليس إلى وطن مستثمر quot;بفتح الميمquot; من يريد أن يبني بلاده عليه أن يبني القاعدة الصناعية والزراعية للبلاد لا أن يجعل حدوده الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية موقفا لسيارات شحن لا نهاية لها تحمل البضائع المستهلكة من بلدان الخليج وتركيا وإيران والأدوية الفاسدة وطعام الأطفال. تقف الشاحنات المحملة بهذه المشروبات المغشوشة والمسمومة تصدر إلينا من الكويت وإيران وتركيا ليتناولها الأطفال فيصابوا بالإسهال والدزنتاريا ولا مستشفيات تنقذ حياتهم والموت مجاني يضاف إلى موت المفخخات والمتفجرات.

عن أي عراق متماسك تتحدث؟ عندما تذهب لزيارة الكويت، هل منحت نفسك فرصة التفسح وتجلس في مقهى أو مطعم صغير وترى الخليجيات والخليجيين ينعمون بحرية الحديث والملبس ويخرجون محفظاتهم ويدفعون فاتورة الحساب بالبطاقات المصرفية الملونة والمتعددة، ثم يصعدن ويصعدون في سياراتهم الفارهة ويعودون إلى أهلهم فرحين وينامون نومة الرغد حتى في أقسى حالات إرتفاع درجات الحرارة فهم لا يشعرون بها لا في شارع ولا في مقهى أو مطعم ولا في سيارة وأنت ترى أو لا ترى نساءنا مصابات بالسرطان وبالرحم بيت الولادة وترى أطفالنا الجميلين يحملون حقائب المسافرين بين البصرة والكويت من أجل لقمة الخبز وهم في عمر الورد محرومون من فرص الدراسة والكل ينهبون في الوزرات وفي القنوات التلفزيونية وفي المنابر الحسينية وجمعيات حب الحسين والعتبات العلوية والعباسية ومؤسسة الشهداء التي تفخر بمزيد من الشهداء. هل مررت بحدود العراق على حدود الكويت. تذهب إلى الحدود العراقية وأنا عدت بالأمس فقط من العراق عن طريق الكويت، تجد الصبية يحملون حقائب المسافرين على أجسادهم التعبة تحت قسوة الحر اللاهب والأمهات والمسافرون يصيحون والأصوات عالية والغبار أحمر ويسألك شرطي الحدود العراقي عن علبة بسكويت لأطفاله أو حبة شكولا، ثم تدخل الحدود الكويتية فتدخل في مقر مبرد فيه مصطبات لجلوس المسافرين ولو كان معهم طفل أو أطفال فإن شرطي الحدود الكويتي يتقدم ويقدم لهم البسكويت والشكولا والعصير الحقيقي وليس الصبغ المستورد. هذا ليس كرما كويتيا. إنتبه، إنما هو إغاضة ذكية لأنهم يعرفون كيف يعامل العراق أبناءه المسافرين وهم على الحدود!.. فعن أي عراق تتحدث؟ هل تظن أن الناس مغفلون؟ ثم ألا تعرف أننا نعيش في الغرب وعددنا أكثر من عدد نفوس ليبيا وأكثر من عدد نفوس الأردن وأكثر بمئات المرات من نفوس بلدان الخليج.. أربعة ملايين عراقي من الطاقات الهائلة التي لا تعرفها وهم لا يعرفون سفاراتهم حتى بلغ بنا الأمر يوما أن نشاهد على جدار مكتب أحد السفراء لوحة لملا مصطفى البرزاني متناسين أن لهم رئيسا آخر من الكورد ووزير خارجيتك يصول ويجول ويعبث ويعبثون بأموال العراق، والعراقيون لا صوت لهم وليس من يمثلهم ولا يريدون حتى أن يعرفوا عناوين سفاراتهم لأنها لا تمت لهم بصلة. لا يعرفونهم ولا يعرفونها.. فعن أي عراق تتحدث أيها السيد رئيس الوزراء.؟ هل تظن بأن الشعب العراقي قطيع من خراف يحركون رؤوسهم وهم يمشون خلف الراعي؟! نحن أبناء ملحمة كلكامش وأبناء الحسين وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ونحن أبناء حمورابي ونبوخذ نصر وأبناء سومر أهل الحرف والكتابة ونحن أبناء كامل الجادرجي وجعفر أبو التمن وفائق السامرائي وعبد الكريم قاسم. نحن أبناء الرمادي والنجف وكربلاء والفلوجة والبصرة والعمارة والناصرية وهيت وتكريت والموصل وكركوك وكل مدن العراق الجميلة الحزينة المنكوبة. نعم، نحن أبناء الثقافة التي تعملون أنتم وأعلامكم المريض quot;الذي لنا وقفة قادمة معهquot; والذي يقود العراق نحو الكارثة والجهل. هي مسئولية تاريخية أيها السيد رئيس الوزراء. إذهب فقط خارج المنطقة الخضراء وراقب مياه نهر دجلة ونهر الفرات وشط العرب وديالى وسترى الماء يشبه quot;الدهن ndash; الكريزquot; يشربه العراقيون ويطبخون به طعامهم.. هذا العراق أرض السواد والغرين، بلاد ما بين النهرين، ألم تسأل نفسك يوما كيف تسرق المليارات ولم تقم حكومتك بالتعاقد مع البلدان المتحضرة والمتخصصة بالمياه وتنقذ العراقيين من التلوث لتقوم الشركات بتنظيف الأنهار وإيجاد وسائل علمية لتصريف المياه وستساعدك الأمم المتحدة في هذا العمل البيئي؟! الدكتاتور لم يسقط بالأمس وإنما سقط قبل تسع سنوات. وأنت لم تأت للوزارة أمس بل مضت على مكوثك فيها سنوات، فبماذا كنت مشغولا أيها السيد رئيس الوزراء!؟

أنت الآن متشبث بالسلطة. أعرف ونعرف لماذا!؟ لأنك لو تركتها أنت ومن معك فسوف تتحولون إلى مواطنين ويومها تفتح الملفات وتنبعث الرائحة التي تزكم الأنوف من كثر النهب والسرقة. أنتم تتشبثون بالسلطة لأنها تحميكم.

هل تريد أن تكون مواطنا لا يخاف؟
bull;لاحق كل من نهب ديناراً من أموال الوطن وبالأسماء.
bull;كن شجاعا حقيقيا. وألغي المحاصصة في تكوين الحكومة وأعتمد العلم والخبراء مبدءاً لتشكيل الحكومة وفق برنامج يضعه لك مستشارون حقيقون يدلونك على الطريق الذي لا تعرفه، وليس حملة شهادات مزورة كل مواهبهم أعلان إنتمائهم إلى حزب السلطة بعد أن أصبح بالسلطة.
bull;أحمي حدودك بالأسوار الحديثة وكاميرات المراقبة.
bull;أصدر هويات ألكترونية لكل مواطن عراقي quot;وليس أيرانياquot;.
bull; أكشف عن قائمة الإيرانيين في الوزرات والمدن العراقية وأعدهم إلى بلادهم.
bull;في إجتماعاتك مع الإيرانيين لا تطالبهم بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم فهذه ليست مسؤوليتك ولا تفهم فيها، بل طالبهم برفاة الأسرى الذي قتلوا أو ماتوا داخل سجون إيران ولم تسجل أسماؤهم في الصليب الأحمر وجلهم من الشيعة الذين دفع بهم الدكتاتور وقوداً للحرب. طالب بجثامينهم كي ينساهم أهلوهم الذين لا يزالون معتقدين بأن يعود إليهم أبنهم الأسير يوما ً شيخاً كهلاً مريضا بعد أن غادرهم صبياً ليقول لهم ها أنا أبنكم فصدقوني، أنا هو إبنكم وأعرف عنوان داري فأفتحوا لي الباب.. أعدهم رفاة وأنسى تخصيب اليورانيوم فهو ليس من إختصاصك وليس من معرفتك، فأنتم لم تتعلموا في مؤسساتكم الحزبية معنى الحداثة والعلم ولم تعرفوا سوى قل هو الله أحد.

bull;ضع قائمة مع المحاسبة بأسماء كل من إشترى شهادة مزورة وغير علمية، فهذه مسؤولية خطيرة أن يتسلم شخص يحمل شهادة الدكتوراه وهو لا يعرف حرف الجر في تصريحاته فيصبح طبيبا يميت المرضى أو مهندسا يبني المدارس وتنهار فوق روؤس الطلبة الأبرياء أو محافظا يخلط مياه الشرب بمياه الفضلات. أو مستشاراً في مكتبك أو مكاتب الوزرات يقود الوطن نحو الخراب لأنه مزور المعرفة ومزور الدرجة الأكاديمية وربما لا يحمل حتى شهادة الإبتدائية ولاحظهم في الحديث لا يعرفون حروف الجر في تصريحاتهم، إنما يجرون العراق نحو المأساة الحقيقية.

bull;ضع قائمة بكل مسؤول يبني لعائلته قصراً في بلدان الجوار في إيران وعمان والكويت والإمارات لأسكان زوجاته لأن العراق غير جدير بهن أو هن غير جديرات بالعراق وهو يخاف عليهن من المفخخات أن تبقى تلك المفخخات من إختصاص الأبرياء كي يموتوا دون أن ينجزوا مشروعهم الإنساني في الحياة، وجل الذين حولك يتناوبون بالسفر إلى تلك البلدان كلما تعذر إكتمال quot;النصابquot; في إجتماعاتهم!

bull;أفصل وأحسم الأمر بين العرب والأكراد فهم قوميتان غير منسجمتين منذ الأزل، لا علاقة لأحدهما بالآخر وخلص البلاد من هذه المشكلة وخلصها من عمليات الإبتزاز على صعد شتى وتخلص من وجع الرأس بدون حبات الأسبرين.
bull;عليك الإقرار وبوعي وحرية أن الشيعة والسنة هم أخوة وليسوا أعداء وأمنع وسائل الإعلام من الإقتراب من زرع الفرقة والفتنة وأعتبر ذلك خطأ أحمر لا يجوز تجاوزه ومثل ما للمسلم حق في الوطن فإن للمسيحي ذات الحق وللصابئي ذات الحق. كل من آمن بالعراق من أهل العراق وطنا ولم تمتد يده لنهب خيراته أو تراثه وتأريخي هو مواطن وما ينبغي أن يحصل عليه حق وليس منه.


bull; ضع عيناً على العراق في الداخل وعيناً على العراق في الخارج. أن الملايين الأربعة من العراقيين المقيمين خارج العراق لا حقوق لهم في الوطن، ليست الحقوق المادية بل الحقوق المعنوية أيضا. فهم غرباء حقيقيون وهذه الغربة الحقيقية هي مأساة حقيقية بكل معانيها. وكل من يأتي إلى السلطة متهم بهذه الجريمة، جريمة الإغتراب. فماذا تفعل وزارة الهجرة والمهجرين وأين هي من هذه المأساة!؟.

أخيراً أقول لك بوضوح أن لا تهين الثقافة بل أن تحترمها وأن تكون فخوراً بها وبمبدعيها، فإذا أهينت الثقافة في العراق فأن الوطن مهان وكل شيء في الوطن مهان وأنصحك بأن تعطي لنفسك كل صباح قراءة قصة قصيرة أو الإستماع إلى صوت الموسيقى وفي المساء مشاهدة مسرحية أو فيلم سينمائي فإن ذلك ينقي وجدانك ويضعك في الطريق الصحيح ويجعلك تنظر إلى المال كوسيلة لبناء الوطن وسعادة الإنسان وليس مشروع نهب من قبل لصوص يحكمون معك بدون وازع ضمير. لو عرفت الثقافة لعرفت بأن الحياة فانية ولن تبقى فيها سوى الذكرى الجميلة مثل ذكرى الإمام الحسين وذكرى عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وذكرى ملحمة كلكامش العظيمة التي لم يعرف مؤلفها بل عرفت مضامينها على مر الأزمان.

كاتب وإعلامي عراقي مقيم في بريطانيا
[email protected]