لقد مرت على العراق والعراقيين ايام عصيبة لا يمكن وصف قسوتها ابدا ، لاسيما في ايام ما يسمى بالطائفية ، وصار الناس يتحدثون عن مئات بل الاف المآسي التي تعكس ظلم الانسان للانسان، ويبدو بان هناك قوى خفية وعلنية تعمل الان على اعادة تلك الايام السوداء مرة اخرى ، ولا اريد ان ادخل في التفاصيل لان هذا المقال غير سياسي البتة، وقد اشتهرت من تلك المآسي قصة عرس الدجيل، ولمن لا يعرف القصة اقول بان جماعة ارهابية اعترضت عددا من السيارات في منطقة الدجيل كانت تقل عروسا وعريسا ورجال ونساء في احلى حلة وابهج حالة واطفال في اعلى درجات الفرح والمرح والانطلاق، فتم قتل الرجال والنساء واغتصاب العروس امام زوجها ثم استأصلوا ثدييها بالمنجل، وفي النهاية قتلوها لتتخضب بدل الحناء بالدم لتكون بطلة لقصة مأساوية يندى لها جبين البشرية ان كانت هناك بشرية وجبين ، والقصة برغم مأساويتها وفضاعتها قد لا تشكل شيئا امام الفصل الاخير ،وهو اغراق الاطفال الصغار في نهر دجلة بربط كتل اسمنتية في الارجل الصغيرة كي لا تبق هناك اي فرصة للعوم والنجاة ، وهكذا تم قتل الاطفال بهذه الطريقة المبتكرة ولا ادري ايهما كان اشد على الطفل ، رؤية اقرانه وهم يبكون ويتوسلون قبل ان يغطسوا في النهر أم مجئ الدور والغرق، اي تجرع الموت غصة بعد غصة لا لذنب ارتكبوه سوى انهم اطفال.

ثم تذكرت بان هذه الطريقة ليست مبتكرة ، وانما حدث مثلها قبل اكثر من الف عام في منطقة ليست بعيدة عن مكان الحادث ، انها حادثة اولاد مسلم ، او كما يقول غير العرب (طفلان مسلم).

ومسلم هو مسلم بن عقيل بن ابي طالب ابن عم الحسين بن علي وسفيره الى اهل الكوفة الذي قتل بضرب عنقه في اعلى قصر الامارة ثم القيت جثته من فوق القصر ليلهم الجلاوزة الذين سحلوا نوري السعيد وغيره بثقافة السحل، ويقال بان اولاد مسلم كانا في سجن عبيدالله بن زياد والي الكوفة فرقهما عن امهما وابقاهما ولا ادري ما حال ام ثكلى تجبر على السفر بدون صغيريها، وما حال دور آل عقيل بلا اطفال صغار كانوا يملأون ارجاءها بالسرور والحبور والحركة.

ان قصة الولدين الصغيرين تتلخص في انهما هربا من سجن ابن زياد ويقال بان السجان اشفق عليهما وسهل لهما سبيل الهرب وهكذا هام الطفلان المتعبان الغريبان الحزينان على وجهيهما في البراري حتى وصلا مكانا فلجئا الى امراة من العرب آوتهما واحسنت اليهما الا ان ابنها او بعلها واسمه الحارث الهمداني اكتشف وجودهما في البيت فاخذهما الى شاطئ النهر فنحرهما كما تنحر الشياه، ويذكر بان الطفلين عندما أحسا بالنهاية المحتومة في ليلتهما الاخيرة قضيا الليل بالبكاء والصلاة والدعاء فتوادعا بحرقة فضم احدهما الاخر وشمه وان اكبرهما طلب من الهمداني ان يذبحه قبل اخيه، لانه لا يقوى ان يرى اخاه يُذبح امام ناظره وهو مقيد بالحبال.

وعندما فصل الرأسين الصغيرين عن الجسدين الغضين الطريين ، حملهما الى الوالي لنيل الجائزة ، و القى بالجثتين في نهر الفرات ، ويردد ارباب المقاتل جانبا حزينا للغاية في هذه القصة وهي ان الجثة الاولى لم تغطس عندما القيت في النهر حتى تم القاء الجثة الثانية فتعانقتا وغطستا معا الى القاع ، لا لتنتهي قصة اخوين عاشا معا وذبحا معا بل لتبدأ قصتهما وتظل خالدة الى زماننا هذا،ولاولاد مسلم مزار يقع بين النخيل في منطقة المسيب جنوب العراق ويؤمه الالاف من الزوار سنويا ليستذكروا احدى اهم فصول المظلومية الانسانية ، ويستذكروا بشاعة هذا الفاجر الهمداني وقدرته العجيبة على الذبح ، لقد ذبح كوكبين بل قمرين جميلين خائفين غريبين بلا رحمة ولا وجل ولا تردد ، ويقال بانه عندما دخل على الوالي لأخذ الجائزة ورأى بن زياد المعروف بقسوته وفظاظته الرأسين الصغيرين انتفض من مجلسه وقام وقعد ثلاثا ونادى فيمن عنده : من له؟ فقام أحدهم وأخذ الهمداني صاغرا الى حيث ذبح الاطفال لتنفيذ القصاص العادل العاجل بحقه في نفس مكان الجريمة.

وانا لا ادري من اكثر فظاعة من الاخر ومن اسس لثقافة اختطاف الاطفال وقتلهم بالطرق الوحشية،وماذا يدور بخلد هؤلاء عندما يمارسون هذه الفظاعات ضد اطفال ابرياء عزل، ولا ادري ماذا ستفعل مكونات الشعب العراقي كي لا تترك المجال لعودة الطائفية البغيضة مرة اخرى الى العراق بعد ان التهم خيرة ابنائه والقيت جثث اكثرهم في النهروصاروا طعما للاحياء المائية.

وكلما اتذكر حادثة عرس الدجيل اتذكر حادثة أولاد مسلم واقول ما اشبه الغراب بالغراب وما اشبه الليلة بالبارحة.

[email protected]